الاثنين، 9 أبريل 2012

دهاء المعتضد بالله







دهاء المعتضد بالله







  وبلغنا عن المعتضد بالله أن خادما من خدمه

جاء يوما فأخبره أنه كان قائما على شاطئ

الدجلة في دار الخليفة, فرأى صيّادا وقد طرح شبكته,

 فثقلت بشيء ,

 فجذبها فأخرجها فاذا فيها جراب,

وأنه قدّره مالا فأخذه وفتحه,

 فاذا فيه آجر وبين الآجر كف مخضوبة بحنّاء.

 فأحضر الجراب والكف والآجر.

فهال المعتضد ذلك,

وقال:

قل للصياد يعاود طرح الشبكة فوق

الموضع وأسفله وما قاربه.

قال:

ففعل فخرج جراب آخر فيه رجل.

فطلبوا فلم يخرج شيء آخر, فاغتمّ المعتضد

 وقال:

معي في البلد من يقتل انسانا ويقطع

أعضاءه ويفرّقه ولا أعرف به؟

 ما هذا ملك!

وأقام يومه كله ما طعم طعاما,

 فلما كان من الغد أحضر ثقة له,

 وأعطاه الجراب فارغا وقال له:

 صف به على كل من يعمل الجرب في بغداد,

فان عرفه منهم رجل, فسله لمن باعه,
فاذا دلّك عليه,

فسل المشتري من اشتراه منه ولا تقر على خبره أحدا.

فغاب الرجل وجاء بعد ثلاثة أيّام,

 فزعم أ،ه لم يزل يطلب في الدبّاغين

وأصحاب الجرب الى أن عرف صانعه,

 وسأل عنه فذكر أنه باعه لعطّار بسوق يحيى,

 وأنه مضى الى العطّار وعرضه عليه,

فقال: ويحك, كيف وقع هذا الجراب في يدك؟

فقلت:

أو تعرفه؟

قال:
 نعم اشترى مني فلان الهاشمي منذ ثلاثة

 أيام عشرة جرب لا أدري لأي شيء أرادها وهذا منها.

فقلت له:
ومن فلان الهاشمي؟

فقال:

 رجل من ولد علي بن ريطة من ولد المهدي يقال له:

فلان عظيم,

الا أنه شر الناس وأظلمهم وأفسدهم لحوم المسلمين

وأشدّهم تشوّقا الى مكائدهم,

وليس في الدنيا من ينهي خبره الى الكعتضد

خوفا من شرّه ولفرط تمكّنه من الدولة والمال.

ولم يزل يحدّثني وأنا أسمع أحاديث له قبيحة الى أن قال:

فحسبك أنه كان يعشق منذ سنين فلانة المغنية جارة فلانة المغنية,

 وكانت كالدينار المنقوش وكالقمر الطالع في غاية حسن الغناء,

 فساوم مولاتها فيها,

فلم تقاربه,
 فلما كان منذ أيام بلغه أن سيدتها تريد

 بيعها لمشتر بذل فيها ألوف الدنانير,

 فوجه اليها:

 لا أقلّ من أن تنفذيها اليّ لتودعني, فأنفذتها

اليه بعد أن أنفذ اليها جذورها لثلاثة أيّام,

فلما انقضت الأيام الثلاثة غصبها عليها

 وغيّبها عنها, فما يعرف لها خبر,

وادّعى أنها هربت من داره.

 وقالت الجيران:

انه قتلها, وقال قوم:

لا بل هي عنده.

 وقد أقامت سيدتها عليها المأتم وجاءت

وصاحت على بابه وسوّدت وجهها, فلم ينفعها سيء.


فلما سمع المعتضد سجد لله شكرا لله تعالى

على انكشاف الأمر له,

 وبعث في الحال من كبس على الهاشميّ وأحضر المغنّية,

 وأخرج اليد والرجل الى الهاشمي,

فلما رآهما امتقع لونه وأيقن بالهلاك واعترف,

 فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية الى مولاتها

من بيت المال,

وصرفها,

ثم حبس الهاشمي,

فيقال:

انه قتله,

ويقال:

 مات في الحبس.

ليست هناك تعليقات: