شقــي .. وسعيــد ..
يروى أن زوجا غاضب زوجته فقال متوعّدا
: لأشقينّك .
قالت الزوجة في هدوء :
لا تستطيع أن تشقيني ،
كما لا تملك أن تسعدني !
فقال الــزوج :
وكيف لا أستطيع ؟
فقالت الــزوجة :
لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني ،
أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ،
ولكنها في شئ لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !
فقال الزوج في دهشة
: ما هـــو ؟
قالت الزوجة في يقين :
إني أجد سعادتي في إيماني ..
وإيمانــي في قلبي ..
وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربــي .. !
ورحم الله المنفلوطي عندما قال : "
حسبك من السعادة في الدنيا :
ضمير نقي ..
ونفس هادئة ..
وقلب شريف .. " .
إن الحديث عن السعادة والشقاء سيظل باقيا ما دام في الدنيا حياة وأحياء ..
وإن كل إنسان على هذه البسيطة ليبحث عنها جاهدا ..
ويود الوصول إليها والحصول عليها ولو كلّفه ذلك كل ما يملك .
ألا وإن جمعا من الواهمين يهرفون بأن السعادة لا حقيقة لها وأنها خيال يبتدعه الوهم ويكذبه الواقع .
إن هؤلاء جاهلون أو مخادعون إذ لا يعقل البتّة أن يخلقنا الله ثم يريد لنا أن نشقى جميعا . . كيف ذلك وهو القائل عز وجل لنبيه : ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ".
السعادة جنة الأحلام التي ينشدها كل البشر .. مثقفهم وعاميهم ، سلطانهم وصعلوكهم ، ولم يعلم أحد يبحث عن الشقاء لنفسه ، ويرضى لها التعاسة .
قفوا وتأملوا في كتاب الله سبحانه وتعالى لتعرفوا نماذج ممن سعدون في حياتهم وسطروا للأجيال صفحات وضّاءة المعالم لا يعتريها شك ولا يكدر صفوها مكدر .
تأملوا في قصة ابراهيم عليه السلام - خليل الرحمن - وقد قذف في النار " قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم " ، فعاش أجمل لحظات السعادة في هذا الموقف العصيب .
يونس بن متّى - عليه السلام - عاش سعيدا وهو في ظلمات ثلاث : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل ، ونادى " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فكانت النتيجة : " فاستجبنا له ونجيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين " .
يوسف - عليه السلام - عاش سعيدا في غياهب الجبّ وبين جدران السجن ، لأن الله معه " رب السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه " .
محمد صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى صاحبه وهما في الغار فيقول بلهجة السعيد الواثق بربه : " لا تحزن إنّ الله معنا " ، وإذا كان الأمر كذلك فوالله لو سارت مع قريش كل الأحياء ما قدروا على اثنين الله ثالثهما .
أين الباحثون عن السعادة من سيرة فاروق الأمة - رضي الله عنه - ثيابه مرقعة ، والزيت أدم له - أي طعامه - والكوخ مأواه ، ومع ذلك تخافه ملوك الأرض وتخشاه .
أين نحن من سيرة بلال - رضي الله عنه - رفض أن يقضي حياته منحنيا لسوط وحجر ، كان يرمي جسده كأنّه يقول : خذوه فهو لكم ... لكنكم لن تنالوا من روحي وإرادتي شيئا ما دمت مع الله .
إن النماذج كثيرة وكثيرة لمن عاش لحظات الصفا والنقاء ، ولكن كما قيل : " يكفي من القلادة ما أحاطت بالعنق " .
لقد طلب أقوام السعادة في غير مسارها فكان ذلك سببا في هلاكهم وشقائهم .
لقد طلبها فرعون وأعوانه في الملك والشهرة والتسلط بعيدا عن الإيمان فكان جزاؤهم الشقاء والهلاك .
طلبها قارون في الكنوز ، فكانت كالجبال فما شكر ربه بل سعى في الأرض فسادا ، فكانت شقاؤه " فخسفنا به وبداره الأرض .. "
وطلبها الوليد بن المغيرة في الولد والجاه فآتاه الله عشرة من الولد فكفر بنعمت الله فنزلت فيه : " ذرني ومن خلقت وحيدا ، وجعلت له مالا ممدودا ، وبنين شهودا ، ومهدت له تمهيدا ، ثم يطمع أن أزيد ، كلا إنّه كان لآياتنا عنيدا ، سأرهقه صعودا ... "
كم شقي أناس بأموالهــم ؟
كم شقي أناس بعواقب مناصبهــم ؟
كم شقي أناس بأولادهــم ؟
ولماذا شقوا ؟ .. لأنهم استغنوا عن ربهم ، جعلوها غايتهم وهمهم ، سعوا في الحصول عليها لأجل السمعة والشهرة والمتعة فكانت وبالا عليهم إذ فتحوا على نفوسهم أبوابا حرمتهم السعادة .
رضي الله عن ابن عباس إذ قال : " إنّ للحسنة ضياء في الوجه .. ونورا في القلب .. وسعة في الرزق .. وقوة في البدن .. ومحبة في قلوب الخلق .. .. .. وإنّ للسيئة سوادا في الوجه .. وظلمة في القلب .. ووهنا في البدن .. ونقصا في الرزق .. وبغضة في قلوب الخلق ..
و ما أجمل أن نردد قول الشاعر :
أنا لست إلا مؤمنا بالله في سري وجهــري ..
أنا نبضة في صدر هذا الكون .. كيف يضيق صدري ..
أنا نطفة أصبحت إنسانا .. فكيف جهلت قدري ..
ولم الترفع عن تراب منه سوف يكون قبري .. ؟
إني لأعجب للفتى في لهوه .. أوليــس يـــدري ؟
أن الحيــاة قصيرة .. والعمر كالأحـلام يسري ..
نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة .. ونقل بكل صراحة لكل من يقف أمامنا ويصدنا عن طريق السعادة .
إنّ صلاتي .. ونسكي .. ومحياي .. ومماتي .. لله رب العالميــــن ..
جعلني الله وإيّاكم وجميع المسلمين من أهل السعادة .. وجنبنا دار الشقاوة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق