الصبيّ الغريـق
لما انتصر جيش
الخليفة المعتضد
على هارون الشاري،
نُصبت القِباب
ببغداد،
وزُيِّـنت الطرقات،
وتكاثف الناس على
الجسور،
فانخسف بهم الجسر الأعلى
وسقط على زورق مملوء ناسًا،
فغرق في ذلك اليوم
نحو
من ألف نفس،
واستُخرج الغرقى من
نهر
دجلة بالكلاليب وبالغَاصة،
وارتفع الضجيج،
وكثر الصراخ من
الجانبين جميعًا.
فبينما الناس كذلك إذ أخرج
بعض الغاصة صبيّا عليه حلي
فاخرة من ذهب وجوهر،
فبصر به شيخ من النظارة،
فجعل يلطم وجهه حتى أدمى أنفه،
ثم تمرّغ في التراب، وجعل يصيح:
ابني! لم تَمُتْ
إذ أخرجوك
صحيحًا سويّا لم
يأكلك السمك!
ليتني يا حبيبي كحلت عيني
بك مرة قبل الموت!
وأخذه فحمله على حمار،
ثم مضى به.
فما برح القوم الذين رأوا
من الشيخ ما رأوا،
حتى أقبل رجل معروف
باليسار مشهور من التجار،
حين بلغه الخبر،
وهو لا يشك إلا أن الصبي
في أيديهم، وليس يهمه
ما كان عليه من حليّ وثياب،
وإنما أراد أن يكفِّن ابنه
ويصلـِّي عليه
ويدفنه.
فخبّره الناس
بالخبر،
فبقي هو ومن معه من
التجار
متعجبين مبهوتين،
وسألوا عن الشيخ المحتال
واستبحثوا فإذا لا عين ولا أثر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق