الخميس، 8 نوفمبر 2012

يـا ابن الأربعين سـنـة





يـا ابن الأربعين سـنـة





الموضوع جديرٌ أن يُكتب فيه ، إذ أنّ الكثيرين في عمر الأربعين وما بعدها ، غفلوا عن قيمة الوقت ، وفرطوا في ساعات العمر ، وكان الأجدر بمثلهم أن يكونوا أكثر وعياً ، واستفادة من ساعات العمر، إذا أن الإنسان كلما كبر ، ازداد فهماً وتجربةً ، فيبعثه ذلك إلى فهم ما يجري حوله. 

أخي المسلم: العمر نافذة إلى تلك الحياة التي يحياها الجميع ، المؤمن والكافر .. فأما المؤمن ، فإنه في خدمة وعبودية خالقه تبارك وتعالى وضع أمامه قولهِ تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذاريات:56]. 
وأما الكافر ، فلم يرض بالخدمة والعبودية .. قطع أيام عمره كالبهائم .. بل إن البهيمة أفضل منه .. لأنها تسبح ربها وتعبده ! قال تعالى : ( أولئك كالأنعام بل أهم أضل أولئك هم الغافلون ) [الأعراف:179]
والإنسان يحب أن يحيا .. ويحب أن تكون أيامه كلها سروراً.. وسعادة ! بل مهما تمادى العمر بالإنسان ، فإنه يحب أن يصف نفسه : أن ما زال صغيراً.. ويود أن يحقق الآمال الكثيرة ! ومن طرائف ذلك: 
رأى الحسن البصري في يد أمه كراثة ، فقال: ( يا أمه ، ما هذه الشجرة الخبيثة في يدك ؟ ) قالت: يا بني إنك شيخ قد خرفت ) قال: ( يا أمه، أينا أكبر أنا أم أنت ؟! )
وقال رجل للفضل بن مروان: ( كم سنوك؟ ) قال: ( سبعين )، ثم سأله بعد سنين، فقال: ( سبعون! ) فقال: ( ألم تخبرني منذ عشرين سنة بهذا ؟! ) قال: بلى، ولكني رجل ألوف، إذا ألفت سنة ؛ أقمت فيها عشرين سنة ، لم أتجاوزها إلى غيرها ! )
وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك بأصدق بيان.. فقال : { يكبر ابن آدم، ويكبر معه اثنان: حب المال، وطول العمر } [رواه البخاري ومسلم]. 
أخي المسلم: ليت الناس انتبهوا لمرور الأيام.. وانقضاء الأعمار.. كما انتبهوا إلى طول الآمال.. ونسج الأحلام ! 
قال الحسن البصري: ( ابن آدم ! إنما أنت عدد أيام، إذا قضى منك يوم؛ مضى بعضك )
فكم من أعمار ضاعت.. وضاع أصحابها ! 
وكم من أعمار.. انقضت قبل أن تنقضي آمال أصحابها ! 
وكم من أعمار.. عاشها أصحابه بغير غاية ! 

وكم من أعمار.. انقضت في غير طاعة الله تعالى ! 
في طول العمر قيام لحجة الله على العبد !
نعم.. كلما امتدت أيامك؛ ازدادت حجة الله تعالى عليك ! 
كثير أولئك الذين غفلوا عن هذا المعنى ! وهم في حماة الحياة.. وصراع البقاء ! 
فأفق يا ابن آدم ! فكم حجة لله عليك ظاهرة وأنت غافل ! تظاهرت الحجج.. وتكالبت عليك البراهين ! 
قال رسول الله علية الصلاة والسلام : { من عمّر من أمتي سبعين سنة؛ فقد أعذر الله إليه في العمر } [رواه الحاكم: صحيح الترغيب للألباني:3360]
قال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر، (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) [فاطر:37]. 
أخي المسلم: وهذا لا يعني أن حجة الله لم تقم على من هو دون السبعين.. بل إن من تجاوز الحُلُم؛ كان ذلك أدعى لقيام حجة الله عليه. 
قال الحسن البصري( لقد أعذر إليك أن عمَّرك أربعين، فبادر المهلة قبل حلول الأجل، أما والله لقد كان الرجل فيما مضى إذا أتت عيه أربعون سنة عاتب نفسه ). 
وقال عمر بن عبد العزيز: ( لقد تمت حجة الله على ابن الأربعين، فمات بها ) 
فيا من طال بك العمر: حاسب النفس.. ولا تغفل.. وأخلص العمل لمن قامت حجته عليك.. فكم في طول السنين من برهان قاطع للعذر. 

طول العمر واعظ لمن اتعظ !
حقاً إن في مرور الأيام عظات و عظات.. لمن تفكر وتدبر ، بل لا يمضي يوم من أيام الحياة؛ إلا وفيه درس للعاقلين. 
وكم في عمرك أيها الإنسان من عظات ! 
من ذلك: في طول العمر؛ زيادة في الفهم.. فهل استفدت من ذلك؟! 
ومن ذلك: في طول العمر؛ ضعف.. ووهن.. فهل فطنت لذلك ؟! 
قال عبد العزيز بن أبي رواد: ( من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء: الإسلام، والقرآن، والشيب ).
وقال بعض الحكماء: ( من أخطأته سهام المنايا؛ قيدته الليالي والسنون ) 
هبنـي بقيـتُ علـى الأيـامِ والأبـدونلتُ ما رمتُ من مالٍ ومن ولدٍ
منْ لي برؤية من قـد كنـتُ آلفُـهُوبالشبـاب الـذي ولّـى فـلـم يَـعُـد
ومن ذلك: تجدد الأحداث.. ورؤية المصائب في النفس والولد.. فإن كان الاحتساب.. كان الثواب والأجر. 
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما: ( من تمنى طول العمر؛ فليوطّن نفسه على المصائب )

فضل طول العمر في الطاعات 
هذه هي المنقبة العظمى لطول العمر.. فإن الغاية من الخلق؛ عبودية الله تعالى.. فمن قام بهذه الوظيفة كاملة؛ فهو أسعد الناس حظاً بحياته.. وحُقّ لمثله أن يتمنى طول العمر. 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا أنبئكم بخيركم؟ } قالوا: نعم. قال: { خياركم أطولكم أعماراً، وأحسنكم أعمالاً } [رواه أحمد وابن حبان والبيهقي: صحيح الترغيب:3361]
دخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق، فرأى شيخاً يزحف، فقال: يا شيخ، أيسرك أن تموت ؟! قال: لا ! قال: ولم، وقد بلغت من السن ما أرى ؟! 
قال: ذهب الشباب وشره، وبقي الكبر وخيره، إذا أنا قعدت ذكرت الله، وإذا قمت حمدت الله، فأحب أن تدوم لي هاتان الخصلتان. 
وقال هلال بن يساف: ( كان الرجل من أهل المدينة إذا بلغ أربعين سنة؛ تخلى للعبادة )
وقال إبراهيم النخاعي: ( كانوا يطلبون الدنيا؛ فإذا بلغوا الأربعين؛ طلبوا الآخرة )

أخي المسلم: فاجعل من عمرك مزرعة لأخرتك.. واغتنم ساعاته في الطاعات.. وتعهد نفسك.. حتى تحصد الخير والنجاة. 

.
.

ليست هناك تعليقات: