الأحد، 25 نوفمبر 2012

المشيــئة الإلــهية




المشيــئة الإلــهية








شرب الخمر ، فسَكِر ، فضر أمه ..
فلما أفاق من سكره وعاد إليه عقله ،  قال وهو يتجرع غصص الندم : ليت يدي  بُتِرت قبل أن تمتد إليها .. ليتها شُلَّت .. وليتني متُّ  قبل أن أفعل هذا ... لا .. لن أغفر لنفسي أبداً .. كل هذه الانفعالات العنيفة ، والأحاسيس الجياشة ، هزت مشاعره هزاً ، واقتلعت قلبه من جذوره ، في محاولة يائسة  لإيقاظ ضميره  المتحجر بعد أن تبلد عقله وتوقف  تماماً عن التمييز ...
لقد ذهبت الخمر بعقله ، وجعلته أسيراً لها حتى إنه لم يستطع التفريق بين صديقه ، وعدوه .. . بين من يحبه ، وبين من يكرهه ، وها هي  ذي يده تمتد بكل وقاحة لتصفع أعز إنسان لديه .. أمه .. ينبوع الحنان !.
ولماذا ؟! .
ألا إنها كانت تريد له الخير ، وتنصحه بالإقلاع عما حرم الله ، وتجنب رفقاء السوء ، والالتفات إلى مستقبله ؟ .. أم لأنها كانت تدعو له بالهداية ، وترجو له أن يثوب إلى رشده ، وينتبه لنفسه وعائلته ؟ .
لم يتمالك نفسه من هول الموقف ، فاغرورقت عيناه بالدموع وأخذ يجهش بالبكاء .. وتوجه نحو والدته التي كانت تبكي وترثي لحالها وحاله .. وارتمى على صدرها كالطفل ، وأخذ يبكي ويصرخ ، وهي تهدئ من روعه ، وتدعو الله أن يتوب عليه ويغفر له ..
وبدأ صوته يخفت شيئاً فشيئاً  ... حتى سكت تماماً ..
فقالت له : قم يا بني ، واغسل وجهك ، وتوضأ  وصلِّ ، وتضرع إلى الله ، واسأله أن يغفر لك وأن يسامحك على ما اقترفته من ذنب في حق نفسك وحق والدتك .. ولكنه لم يُحر جواباً ولم يتحرك أبداً ... ي
فحركته وهزته ..فإذا هو بارد كالثلج ... فقد لفظ أنفاسه الأخيرة في حجر أمه ..
 
المشيــئة الإلــهية 



الحافلة متوجهة صوب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم على متنها عدد من الركب الكرام تكاد نفوسهم تحترق شوقاً إلى رؤية مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصلاة فيه ، والسلام  على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه الكريمين .
كانت تسير  في طريقها في أمن ودعة ... ها هي قد وصلت إلى مشارف المدينة ، والشوق يزداد ، والقلوب تخفق فرحاً بالوصول ، إلا أن نفساً شقية كانت مع الركب أبت إلا أن تعكر صفوف هذا الشوق ، وتعوق هذا الركب عن سيره المبارك ...
قال صاحبها : وصلنا إلى المدينة ... وسكت
فقال له أحد الموفقين مذكراً  له بالمشيئة  الإلهية : قل إن شاء الله . فما كان من ذلك الشقي إلا أن قال كلمة عظيمة وكأنه يتحدى بها ربه ، قال : وإن لم يشأ الله ..
لا إله إلا الله ، ما أشعنها من كلمة ، وما أشقاها من نفس .. وهل يحدث شيء في هذا الكون إلا بمشيئة الله وإرادته ؟ ... لكنه الشقاء والحرمان نعوذ بالله من ذلك .. .
وبعد لحظات يسيرة من مقولة ذلك الشقي شاء الله عز وجل ... ولكن أن يبتلي ذلك الركب الكريم ، وتنقلب الحافلة ، وتكون تلك العنق الفاجرة أول عنق تدق في تلك الفاجعة ...

  

ليست هناك تعليقات: