الدعوة إلى التوحيد
سبق الحديث في ما مضى عن فتنة الناس في القبور وذلك في مشارق الأرض ومغاربها، وما حصل بسبب
ذلك من المنكرات العظيمة، والتي من أفظعها الشرك
بالله، وصرف العبادة لغير الله سبحانه
وتعالى، أضف إلى ذلك ما يحصل من المنكرات
الأخلاقية نتيجة الاختلاط بين الذكور والإناث، ونحو ذلك من الأمور. وقد كان
وقع المصيبة أخف مما هي عليه في واقع الحال، لو أن هذه المنكرات تحدث من عوام
الناس، والمتفلتين من الدين والخلق، لكن ما جعل الواقع
بهذه المرارة هو أن بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي -ظلماً وبهتاناً- كانت لهم يد
المشاركة في هذه القبائح الشركية، سواء كانت مشاركة فعلية أو مباركة حضورية
-إن صح التعبير- أو سكوتاً على الباطل وعدم القيام
بواجب الدعوة والنصح والتوجيه، مع علم الكثير منهم بفساد هذه الأحوال .
وهذا الموقف من هؤلاء حمل دهماء العامة والرعاع من الناس على المضي
قدماً في مسيرتهم المنحرفة هذه، دون توقف لأنها -حسب تصورهم- مسيرة عبادة وقربة إلى
الله ما دام أن شيخ الطريقة، أو العالم الفلاني شارك فيها أو باركها، ومن هنا تتضح
المقالة المأثورة :( إذا زل العالِم ؛ زل بزلته عالَم
) .
ومن هنا وجب التنبيه إلى خطورة أمثال هؤلاء العلماء الذين باعوا
الدين بالدنيا، أو تقاعسوا في بيان الحق، أو داهنوا في دين الله، وليعلم كل
من سلك هذا المسلك المشين أنه عرضة لسخط الله
ومقته، وأن هذا المسلك هو مسلك أهل الكتاب الذين اشتروا بآيات الله ثمناً
قليلاً، فذمهم الله، ومقتهم.
وفي المقابل فيجب على من آتاه العلم ممن يغار على دين الله أن يقوموا
لله خير قيام، وألا يتركوا ساحة الدعوة خالية يعبث بها أمثال هؤلاء الذين لا ينظرون
إلا إلى متاع الدنيا وحطامها، وربما باعوا دينهم وأنفسهم لشياطين الأنس والجن .
ورضوا بأن يكونوا عبيد الدينار والدرهم، أو المناصب الدنوية الفانية .
فالساحة اليوم بحاجة ملحة، والعلماء الربانيون يقلون، وأهل الباطل
يكثرون، وأنواع الفساد والشرور في ازدياد.
وعلى طلاب العلم اليوم مسؤولية عظيمة، ومهمتهم ليست باليسيرة، فالأمة،
تقبع في هاوية سحيقة، وقد أصيبت في مقتلها، وفقدت مقومات النهوض إلا في حس أفراد
معدودين.
وإن مما يؤسف له أن كثيراً من طلاب العلم، وأصحاب التوجيه العقدي السليم
من شوائب الشرك والخرافة والبدع، لا يقدرون واقع الأمة الإسلامية، ولا يتصورون
خطورة ما آلت إليه من الانحراف والبعد عن دين الله، كما أن كثيراً منهم -بل أكثرهم-
لا يدرك الواجب المتحتم عليه في تخليص الناس من هذا الشر المستطير، ودعوتهم إلى
الصراط المستقيم .
فلا بد لطلاب العلم أن يعوا واقع الحال، وعظم المسؤولية، وأن يتصدوا
للقضية العظمى، والمهمة الكبرى، وهي إخراج الناس من ظلمات الشرك والخرافة والبدع والمحدثات
الدخيلة إلى نور الإسلام وصفاء التوحيد، وألا يشغلوا أنفسهم أو غيرهم بأمور لا فائدة فيها، وربما أفسدت أكثر
مما أصلحت، وخربت أكثر مما عمرت، كما يجب أن يكون الشباب المسلم على جانب كبير في
فقه الدعوة، يبدأون فيه بهمات الدين وكبرى قضاياه، من توحيد الله تعالى، وتحذير من الشرك والكفر بصوره وأشكاله، وألوانه،
ويثنون بواجبات الدين وأركانه العظام، من الصلاة، والزكاة والصيام والحج، وما يتعلق
بها من الأحكام، والأعمال. مع التحذير من البدع، والخرافات، والانحرافات.
كما يجب أن يركز في هذا الجانب على قضايا بدأت في الزوال، والأفول من
واقع المسلمين، ولم يبق منها إلا صبابة قليلة، مثل أخوة الدين، وما يترتب عليها من حقوق بين المسلمين
من النصرة، والنصح، والإعانة، والأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر، وبذل الجود، وأن ذلك من الأمور المهمة في البناء، وقد
أولاها الرسول صلى الله عليه وسلم من الاهتمام ما لا يخفى على أحد من طلاب العلم،
ويكفي في ذلك تلك المؤآخاة التاريخية التي أبرمها بين المهاجرين والأنصار، حتى أصبحت مثلاً يحتذى على مدى
العصور والأزمان .
إن هذا الدين كل لا يتجزأ، فمن رام النهوض به، فلينهض به جميعاً، ولا يقتصر على جانب، ويغفل آخر،
وإنما القضية في البداءة بالأهم، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل، وبغير
هذا فكل إصلاح مهما عظم وبذل له من الأوقات والجهود والأموال فلن يؤتي ثماراً جيدة،
وقد يجد البعض نفسه يدور في حلقة مفرغة، كلما أراد الخروج منها عاد من حيث بدأ،
فينقضي العمر، ويذهب الزمن، دون حصول مأمول، ولا دفع مكروه .
على شباب الصحوة أن يضعوا نصب أعينهم
مهمة عظيمة ألا وهي إعادة الأمة إلى سابق عهدها من الرفعة والعزة والقيام بما أوجب الله عليها من المسؤولية
الكبيرة وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وكونها أمة وسطاً تأمر
بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله على حد قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بالله ) .
يجب أن يعي الدعاة إلى الله تلك المقالة العظيمة التي أطلقها الإمام
مالك -رحمه الله- إمام دار الهجرة عندما قال :
( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
) .
إن صلاح أمتنا لن يكون بغير الإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا
الله كما قال عمر -رضي الله عنه- وقد ربط الله مصيرنا بهذا الدين، فلا قيام لنا،
ولا قوة لنا، ولا بركة فينا إن تخلينا عنه كما قال الله تعالى ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) . وقال تعالى
: ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم
) .
ويقول في جانب البركة والخيرات : ( ولو
أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ).
والمقصود: أن علماء الإسلام، ودعاته، وطلاب
العلم عليهم واجب عظيم في نصر الدين، ونشره بين الناس خاصتهم وعامتهم . وعلى
العلماء خاصة أن يتقوا الله في علمهم، وأن
يباشروا مهمة الدعوة بأنفسهم، وأن يوجهوا طلاب العلم،
والدعاة ويبصروهم بما يصلحهم في أنفسهم، وبما يصلح دعوتهم ويكفل لها
الاستمرار على هدي من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بخطى ثابتة، وسيرة
حميدة، وعلى طلاب العلم والدعاة أن يتقوا الله
في أنفسهم وفي أهل العلم، وفي عامة الناس، وأن يسلكوا في دعوتهم جانب الرفق واللين،
ومداراة الناس بما لا يترتب عليه مفسدة في الدين، كما يجب عليهم أن يسلكوا السبيل
نفسه مع اخوانهم الدعاة الآخرين، وأن يحيوا النصيحة بينهم ملتزمين جانب الرفق واللين، مبتعدين عن التعنيف، والتبكيت . على حد قوله -صلى الله عليه وسلم
: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من
شيء إلا شانه) أخرجه مسلم من حديث عائشة .
هذا والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليه رداً جميلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق