الأحد، 25 نوفمبر 2012

إن ربك لبالمرصاد



إن ربك لبالمرصاد   







     بعد أن أتم خالد دراسته الثانوية كان يحلم بما يحلم به غيره من الشباب المراهق من السفر إلى الخارج والدراسة في ديار الغرب بعيداً عن رقابة الأهل والمجتمع (! )  ، وقد شجعه والده على ذلك (!) وهيأ له كل ما يحتاجه من مستلزمات ....
وحان موعد السفر ن فودعته أمه وقبلها يتوجس خيفة ويتفطر ألماً ، وحذرته من هفوات الشباب ،ومهاوي الردى ...
بات خالد يعد الدقائق والساعات شوقاً لتلك البلاد التي سمع  عنها الكثير ولما يرها ، وما إن وطئتها قدماه حتى نسي وصية أمه المشفقة ، ونسي نفسه ، بل نسي ربه الذي يراقبه في كل مكان ، وانهمك في فعل المعاصي والآثام ، حتى كاد أن ينسى دراسته  التي سافر من أجلها ...
وبعد سنوات أمضاها في ديار الغرب ما بين لهو ولعب ومجون ، وقليل من الدراسة ، عاد .. ولكن بعقل ممسوخ وقلب مظلم قد عصفت فيه رياح الأهواء والشهوات ، وفتكت به أمراض الشكوك والشبهات ، ولقد كان قلبه خالياً  قبل ذلك ، فتمكن منه الداء :
 أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى   فصادف قلباً خالياً فتمكنا
كانت أمه طوال تلك السنين كالثكلى تنتظر قدومه بفارغ الصبر ، وتعدّ الدقائق والساعات شوقاً  إلى لقائه ، وتذرف الدموع في كل وقت خوفاً عليه ، أما هو فلم تخطر له أمه على بال ، ولا فكر بالسؤال عنها مجر سؤال ...  إلا في فترات متباعدة .
وأزف موعد قدومه فخرجت أمه إلى المطار  بصحبة أخته لاستقباله ، وقلبها يكاد يطير من شدة الفرح ...
 وفي صالة الانتظار  ، وقفت تترقب قدومه ، وتفحص وجوه القادمين بحثاً عن ولدها الحبيب ..
ها هو خالدٌ  قد أقبل ..
" أهذا هو خالدٌ ؟! " همست الأم في أذن ابنتها والدهشة تكاد تعقد لسانها.
كان يلبس نظارة سوداء وقد نفش شعره وأعفى لحيته على الطريقة الغربية ... فلما اقترب منها عرفته بملامحه التي لا تخفى ...
نادته خالد ... خالد ...
التفت إليها ... مدت الأم يدها إليه لتصافحه ، قالت أنا أمك يا خالد ، وهذه أختك . كانت تنتظر منه أن يضمّها ، أن يقبل رأسها ، أن يبكي فرحاً بلقائها ، لكنه لم يفعل شيئاً من ذلك ، بل مد يده ببرود شديد ، وقال متهكماً : أما زلتين تغطين وجوهكن وتلبسن هذه الملابس السوداء ؟!
ذُهلت الأم لمقالة ابنها ، وتحولت دموع الفرح التي ذرفتها احتفالاً بقدومه ، إلى دموع حزن وأسى أسفاً على حاله ، لكنها أخفت عبرتها خلف حجابها المصون وكتمت أنفاسها الحرّى ... وهي تردد : إنا لله وإنا إليه راجعون ..
ومضت الأيام ، وخالد سار في غيه وضلاله ، ينتهز كل فرصة ليسافر على تلك الديار ثم يعود وقد ازداد تعلقاً بها ، ومقتاً  لدينه  وأهله .
أما أمه فلم تعد تقيم له وزناً ، أو تلقى له بالاً ، فقد سقط من عينها ، وأبغضته في الله ، وهذا هو مقتضى لا إله إلا الله : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ..  ) الآية  [ المجادلة : الآية : 22]
وصارت تدعو له بالصلاح والهداية ، وربما دعت بالهلاك إن لم يهده الله ..
وجاءت ساعة الصفر ..
كانت ليلة زفاف من العروس التي اختارها لنفسه ، لكن الأجل لم يمهله ، فبينما هو يسير بسيارته الصغير ، إذا اعترضت طريقه شاحنة نقل كبيرة فلم يجد مفراً من الدخول تحتها ليتحول هو وسيارته إلى كومة من حديد ...
وبعد ساعة من الزمن وقف شرطي المرور وهو يحمل في كفيه كتلاً  من اللحم والعظام ... إنه ما تبقى من خالد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا ، مع ما يدخره له في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم " أخرجه أحمد وغيره .

 

ليست هناك تعليقات: