لا خير في سائر الحديث الليلة، بعد حديثك يا أبا عمرو
أخبرني أبو الفرج الأصبهاني، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن القاسم بن
بشار الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أحمد بن عبيد، عن الهيثم بن عدي، عن عبد
الملك بن عمير، قال: قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة، فأرسل إلى عشرة، أنا أحدهم، من
وجوه أهل الكوفة، فسمرنا عنده.
ثم قال: يحدثني كل رجل منكم أُحدوثةً، وأبدأ أنت يا أبا
عمرو.
فقلت: أصلح الله الأمير، أحديث الحق، أم حديث الباطل ? فقال: بل حديث
الحق.
فقلت: إن أمرء القيس بن حجر الكندي، آلي ألية، أن لا يتزوج بامرأة حتى
يسألها عن ثمانية، وأربعة، واثنين، فجعل يخطب النساء، فإذا سألهن عنها، قلن: أربعة
عشر.
فبينا هو يسير في الليل، وإذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة، كأنها القمر
لتمه، فأعجبته.
فقال لها: يا جارية، ما ثمانية، وأربعة، واثنان ? فقالت: أما الثمانية:
فأطباء الكلبة، وأما الأربعة: فأخلاف الناقة، وأما الاثنان: فثديا
المرأة.
فخطبها من أبيها، فزوجه منها، واشترطت هي عليه، أن تسأله ليلة يأتيها،
عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، على نفسه، وعلى أن يسوق لها مائة من الإبل، وعشرة
أعبد، وعشر وصائف، وثلاثة أفراس، ففعل ذلك.
ثم إنه بعث عبداً له إلى المرأة، وأهدى إليها نحياً من سمن، ونحياً من
عسل، وحلةً من قصب.
فنزل العبد ببعض المياه، فنشر الحلة، ولبسها، فتعلقت بشجرة فانشقت، وفتح
النحيين، وأطعم أهل الماء منهما.
ثم قدم على حي المرأة وهم خلوف، فسألها عن أبيها، وأمها، وأخيها، ودفع
إليها هديتها.
فقالت: أعلم مولاك، أن أبي ذهب يقرب بعيداً، ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبت
تشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقت، وأن وعائيكما
نضبا.
فقدم الغلام على مولاه، وأخبره بما قالت.
فقال: أما قولها: ذهب أبي يقرب بعيداً، ويبعد قريباً، فإن أباها ذهب
يحالف قوماً على قومه.
وأما قولها: ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أمها ذهبت تقبل
امرأة.
وأما قولها: إن أخي يراعي الشمس، فإن أخاها في سرح له يرعاها، فهو ينتظر
وجوب الشمس ليروح.
وأما قولها: إن سماءكم انشقت، فإن الحلة التي بعثت بها معك
انشقت.
وأما قولها: إن وعائيكما نضبا، فإن النحيين الذين بعثت بهما نقصا،
فأصدقني.
فقال: يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي،
فأخبرتهم أني ابن عمك، ونشرت الحلة فلبستها، وتجملت بها، فعلقت بشجرة، فانشقت،
وفتحت النحيين، فأطعمت منهما أهل الماء.
فقال: أولى لك.
ثم ساق مائة من الإبل، وخرج نحوها، ومعه الغلام، فنزلا
منزلاً.
فقام الغلام ليسقي، فعجز، فأعانه امرؤ القيس، فرمى به الغلام في البئر،
وانصرف حتى أتى المرأة بالإبل، فأخبرهم أنه زوجها.
فقيل لها: قد جاء زوجك.
فقالت: والله، لا أدري أهو زوجي أم لا، ولكن انحروا له جزوراً، وأطعموه
من درتها وذنبها، ففعلوا، فأكل ما أطعموه.
فقالت: اسقوه لبناً حازراً وهو الحامض، فشرب.
فقالت: أفرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا له،
فنام.
فلما أصبحت، أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك.
فقال: سلي عما بدا لك.
فقالت: مم تختلج شفتاك ? فقال: لتقبيلي فاك.
فقالت: مم يختلج كشحاك ? قال: لالتزامي إياك.
فقالت: مم يختلج فخذاك ? فقال: لتوركي إياك.
فقالت: عليكم بالعبد، فشدوا أيديكم به،
ففعلوا.
قال: ومر قوم، فاستخرجوا امرء القيس من البئر، فرجع إلى حيه، واستاق
مائة من الإبل، وأقبل إلى امرأته.
فقيل لها: قد جاء زوجك.
فقالت: والله، ما أدري أهو زوجي أم لا، ولكن أنحروا له جزوراً، وأطعموه
من كرشها وذنبها، ففعلوا، فلما أتوه بذلك، قال: أين الكبد والسنام والملحة، وأبى أن
يأكل.
فقالت: أسقوه لبناً حازراً، فأبى أن يشرب، وقال: أين الضرب والزبد ?
فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، فأبى أن ينام، وقال: افرشوا لي فوق التلعة
الحمراء، واضربوا لي عليها خباء.
ثم أرسلت إليه تقول: هات شرطي عليك في المسائل الثلاث، فأرسل إليها سلي
عما شئت.
فقالت: مم تختلج شفتاك ? قال: لشربي
المشعشعات.
قالت: مم يختلج كشحاك ? قال: للبسي الحبرات.
قالت: فمم يختلج فخذاك ? قال: لركوبي
السابقات.
فقالت: هذا هو زوجي، فعليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه، وأقبل امرؤ
القيس على الجارية.
فقال ابن هبيرة: لا خير في سائر الحديث الليلة، بعد حديثك يا أبا عمرو،
ولن يأتينا أحد بأعجب منه، فقمنا، وانصرفنا، وأمر لي
بجائزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق