الإيمان باليوم
الآخر
يؤمن المسلم بأن لهذه الحياة الدنيا ساعة أخيرة تنتهي فيها، ويوماً
آخراً ليس بعده من يوم ، ثم تأتي الحياة الثانية ، واليوم الآخر للدار الآخرة ،
فيبعث الله سبحانه الخلائق بعثاً ، ويحشرهم إليه جميعاً ليحاسبهم فيجزي الأبرار
بالنعيم المقيم في الجنة ، ويجزي الفجار بالعذاب المهين في النار
.
وأنه يسبق هذا أشراط الساعة وأماراتها ، كخروج المسيح
الدجال ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى – عليه السلام – وخروج الدابة ، وطلوع الشمس
من مغربها ، وغير ذلك من الآيات ، ثم ينفخ في الصور نفخة الفناء والصعق ، ثم نفخة
البعث والنشور ، والقيام لرب العالمين ، ثم تعطى الكتب ، فمن آخذ كتابه بيمينه ،
ومن آخذ كتابه بشماله ويوضع الميزان ، ويجري الحساب ، وينصب الصراط ، وينتهي الموقف
الأعظم باستقرار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، وذلك للأدلة النقلية
والعقلية التالية :
الأدلة النقلية :
1 _ إخباره تعالى عن ذلك في قوله : ( كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
) وفي قوله : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد
أفئن مت فهم الخالدون ؟ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا
ترجعون ) وفي قوله : ( زعم الذين كفروا أن لن
يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير )
وفي قوله : ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم
عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) وفي قوله : ( وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير )
وفي قوله : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت
الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر
الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً
يره ) وفي قوله لا إله إلا هو : ( هل ينظرون إلا
أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ، يوم يأتي بعض آيات ربك لا
ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) وفي
قوله جل جلاله : ( وإذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من
الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) وفي قوله (حتى إذا فتحت
يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة ابصار الذين
كفروا ) وفي قوله تعالى : ( ولما ضرب ابن مريم
مثلاً إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خيرٌ أم هو ؟ ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم
قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا
منكم ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها ) وقوله
سبحانه : ( ونفخ في الصور
فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم
قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم
بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ) وفي
قوله عز وجل (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم
نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) وفي
قوله سبحانه (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك
على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية
فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابية إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه فهو
في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام
الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوتى كتابية ولم أدر ما
حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية خذوه فغلوه ثم
الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم
ولا يحض على طعام المسكين ) وفي قوله تعالى : (
فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً ثم لننزعن من كل شيعة أيهم
أشد على الرحمن عتياً ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً وإن منكم إلا واردها
كان على ربك حتماً مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً
)
2 _ إخباره صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني كنت
مكانه ) وفي قوله : ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسفٌ
بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج
ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس ونزول عيسى بن مريم
) وفي قوله : ( يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين فيبعث الله عيسى بن مريم
كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم
يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض من في قلبه مثقال ذرة
من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه
فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً
فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون ؟ فيقولون فماذا تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة
الأوثان وهم في ذلك دارٌ رزقهم ، حسن عيشهم ، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحدٌ إلا
أصغى ليتاً ورفع ليتاً ، وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله . قال : فيصعق ويصعق
الناس ثم ينزل مطراً كأنه الطل ، فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى ، فإذا هم
قيام ينظرون ثم يقال : أيها الناس ، هلم إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون ، ثم يقال
: أخرجوا بعث النار ، فيقال : من كم ؟
فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعةً وتسعين ، فذلك يوم يجعل الولدان شيباً وذلك يوم
يكشف عن ساق ) .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة إلا
على شرار الناس ) . وفي قوله : ( ما بين النفختين أربعون ، ثم ينزل الله من
السماء ماءً فينبتون كما ينبت البقل ، وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً
واحداً وهو عجب الذنب ، ومنه يركَّب الخلق يوم القيامة ) ، وفي قوله وهو يخطب :
( أيها الناس إنكم محشورون إلى ربكم حفاة عراة غرلاً ، ألا وإن أول الخلق يكسى
إبراهيم عليه السلام ، ألا وإنه سيجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول
يا رب أصحابي ، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ، وفي قوله : ( لا تزول
قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ما عمل به
، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسده فيما أبلاه ) . وفي قوله صلى
الله عليه وسلم : ( حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ،
وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منه لا يظمأ أبدا ) وفي قوله لعائشة رضي الله
عنها لما ذكرت النار بكت : ( ما يبكيك ؟ قالت : ذكرت النار فبكيت ، فهل تذكرون
أهليكم يوم القيامة ؟ فقال : أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحداً عند الميزان
حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل ؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه
أم في شماله أم وراء ظهره ؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حتى يجوز ) وفي
قوله : ( لكل نبي دعوةٌ قد دعاها لأمته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي )
. وفي قوله : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا أول من تشقق عنه الأرض يوم
القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة
ولا فخر ) وفي قوله : ( من سأل الجنة ثلاث مرات ، قالت الجنة اللهم أدخله
الجنة ، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار )
.
3 _ إيمان الملايين من الأنبياء والمرسلين والحكماء
والعلماء والصالحين من عباد الله باليوم الآخر وبكل ما ورد فيه وتصديقهم الجازم به
.
الأدلة العقلية :
1 _ صلاح قدرة الله لإعادة الخلائق بعد فنائهم ، إذ
إعادتهم ليست بأصعب من خلقهم وإيجادهم على غير مثال سابق .
2 _ ليس هناك ما ينفيه العقل من شأن البعث والجزاء ، إذ
العقل لا ينفي إلا ما كان من قبيل المستحيل كاجتماع الضدين ، أو التقاء النقيضين ،
والبعث والجزاء ليسا من ذلك في شيء .
3 _ حكمته تعالى الظاهرة في تصرفاته في مخلوقاته ،
والبارزة في كل مظهر ومجال من مجالات الحياة ومظاهرها تخيل عدم وجود البعث للخلق
بعد موتهم ، وانتهاء أجل الحياة الأولى وجزائهم على أعمالهم من خير وشر
.
4 _ وجود الحياة الدنيا وما فيها من نعيم وشقاء ، شاهد على
وجود حياة أخرى في عالم آخر يوجد فيها من العدل والخير والكمال ، والسعادة والشقاء
ما هو أعظم وأفضل بكثير ، بحيث أن هذه الحياة وما فيها من سعادة وشقاء لا تمثل من
تلك الحياة إلا ما تمثل صورة قصر من القصور الضخمة ، أو حديقة من الحدائق الغناء
على قطعة ورق صغيرة .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ،
وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق