تــــــذكــــر
هُوَ المَوتُ ما منهُ ملاذٌ وَمهربُ *** متى
حُطَّ ذا عن نَعشهِ ذاكَ يَركبُ
نُشاهدُ ذا عَينَ اليَقينَ حَقيقَةً *** عَلَيهِ مضى طِفلٌ وَكهلٌ وَأَشيَبُ
وَلكن عَلى الرانِ القُلوبُ كَأَنَّنا *** بِما قد عَلمناهُ يَقيناً تُكذِّبُ
نُؤَمِّلُ آمالاً وَنرجو نِتاجَها *** وَعلَّ الرَدى مِمّا نُرَجّيهِ أَقرَبُ
وَنَبني القصورَ المُشمخِرّاتِ في الهَوى *** وَفي عِلمِنا أَنّا نَموتُ وَتَخرَبُ
وَنَسعى لِجَمعِ المالِ حِلّاً وَمَأثَماً *** وَبِالرَغمِ يَحويهِ البعيدُ وَأَقرَبُ
نُحاسَبُ عنهُ داخِلاً ثمَّ خارجاً *** وَفيمَ صَرَفناهُ وَمن أَينَ يُكسَبُ
وَيَسعدُ فيه وارِثٌ مُتَعَفِّفٌ *** تَقِيٌّ وَيَشقى فيه آخرُ يَلعَبُ
وَأَوَّلُ ما تَبدو نَدامةُ مُسرِفٍ *** إِذا اِشتَدَّ فيهِ الكَربُ وَالروحُ تُجذَبُ
وَيُشفِقُ من وَضعِ الكتابِ وَيَمتَني *** لَو ان رُدَّ لِلدّنيا وَهَيهات مَطلَبُ
وَيشهدُ مِنّا كلُّ عُضوٍ بِفِعلهِ *** وَليسَ عَلى الجَبّارِ يَخفى المُغَيَّبُ
إِذا قيلَ أَنتُم قد عَلِمتُم فَما الذي *** عَمِلتُم وَكلٌّ في الكِتابِ مُرَتَّبُ
وَماذا كَسَبتُم في شَبابٍ وَصِحَّةٍ *** وَفي عُمرٍ أَنفاسُكُم فيه تُحسَبُ
فَيا لَيتَ شِعري ما نَقولُ وَما الَّذي *** نُجيبُ بهِ وَالأَمرُ إِذ ذاكَ أَصعَبُ
إِلى اللَهِ نَشكو قَسوَةً في قُلوبِنا *** وَفي كُلِّ يَومٍ واعِظُ المَوتِ يَندُبُ
وَلِلَّهِ كم غادٍ حَبيبٍ وَرائحٍ *** نُشَيِّعهُ لِلقَبرِ وَالدَمعُ يُسكَبُ
أخٍ أَو حميمٍ أو تَقيٍّ مُهذَّبٍ *** يُواصِلُ في نُصحِ العِبادِ وَيَدأَبُ
نَهيلُ عَليهِ التُربَ حَتّى كَأنَّهُ *** عَدوٌّ وفي الأَحشاءِ نارٌ تَلَهَّبُ
سَقى جدثاً وارى ابنَ أحمدَ وابِلٌ *** منَ العَفوِ رَجّاسُ العَشِيّاتِ صَيِّبُ
وَأَنزَلَهُ الغُفرانُ وَالفَوزُ وَالرِضى *** يُطافُ عَليهِ بِالرَحيقِ وَيَشربُ
فَقد كانَ في صَدرِ المَجالسِ بَهجةً *** بهِ تُحدِقُ الأَبصارُ وَالقَلبُ يَرهبُ
فَطوراً تَراهُ مُنذِراً وَمُحَذِّراً *** عَواقِبَ ما تَجني الذُنوبُ وَتَجلُبُ
وَطَوراً بِآلاءِ مُذكِّراً *** وَطَوراً إلى دارِ النَعيمِ يُرَغِّبُ
وَلم يَشتَغِل عَن ذا بِبَيعٍ وَلا شِرا *** نَعَم في اِبتِناءِ المَجدِ لِلبَذلِ يَطرَبُ
فَلو كان يُفدى بِالنُفوسِ وَما غَلا *** لَطِبنا نُفوساً بِالذي كان َيَطلُبُ
وَلكِن إِذا تَمَّ المَدى نَفَذَ القَضا *** وَما لامرىءٍ عَمّا قَضى اللَهُ مَهرَبُ
أخٌ كانَ لي نِعمَ المُعينُ على التُقى *** بهِ تَنجَلي عَنّي الهُمومُ وَتَذهَبُ
فَطَوراً بِأَخبارِ الرَسولِ وَصحبهِ *** وَطَوراً بِآدابٍ تَلذُ وَتَعذُبُ
عَلى ذا مَضى عُمري كَذاكَ وَعُمرهُ *** صَفِيَّينِ لا نَجفو وَلا نَتَعَتَّبُ
وَما الحالُ إِلّا مِثلُ ما قالَ مَن مَضى *** وَبِالجُملَةِ الأَمثالُ لِلنّاسِ تُضرَبُ
لِكُلِّ اجتِماع من خَليلَينِ فُرقَةٌ *** وَلَو بَينَهُم قَد طابَ عَيشٌ وَمَشرَبُ
وَمن بعدِ ذا حَشرٌ وَنشرٌ وَمَوقِفٌ *** وَيَومٌ بهِ يُكسى المَذَلَّةَ مُذنِبُ
إِذا فرَّ كلٌّ من أَبيهِ وَأُمِّهِ *** كَذا الأُمُّ لم تَنظُر إِلَيهِ وَلا الأَبُ
وَكم ظالمٍ يُندي من العَضِّ كَفَّهُ *** مَقالتَهُ يا وَيلَتَي أَينَ أَذهَبُ
إِذا اِقتَسَموا أَعمالَهُ غُرَماؤهُ *** وَقيلَ لهُ هذا بما كنتَ تَكسِبُ
وَصُكَّ له صَكٌّ إِلى النارِ بعدَ ما *** يُحَمَّلُ من أَوزارِهِم وَيُعَذَّبُ
وَكم قائِلٍ واحَسرَتا ليتَ أَنَّنا *** نُرَدُّ إِلى الدُنيا نُنيبُ وَنَرهبُ
فَما نحنُ في دارِ المُنى غيرَ أَنَّنا *** شُغِفنا بِدُنيا تَضمَحِلُّ وَتَذهَبُ
فَحُثّوا مَطايا الإِرتِحالِ وَشَمِّروا *** إِلى اللَهِ وَالدارِ التي لَيسَ تَخرَبُ
فَما أَقرَبَ الآتي وَأَبعدَ ما مَضى *** وَهذا غُرابُ البَينِ في الدارِ يَنعَبُ
وَصَلِّ إلهي ما هَمى الوَدقُ أَو شَدا *** عَلى الأَيكِ سَجّاعُ الحمامِ المُطَرِّبُ
عَلى سَيِّدِ الساداتِ وَالآلِ كُلِّهِم *** وَأَصحابِهِ ما لاحَ في الأُفقِ كَوكَبُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق