الاثنين، 12 مارس 2012

رسالة الى كل مجادل









رسالة الى كل مجادل  




الجدال والمراء والخصومة



وهذا دأب كثير من الناس سواء في أحاديثهم ومنتدياتهم ،



 أو في مطالباتهم وخصوماتهم ،


 فتراه يتجادلون ويتمارون عند كل صغيرة وكبيرة

 .
لا لجلب مصلحة ،

 ولا لدرء مفسدة ،

 ولا لهدف الوصول إلى الحق والأخذ به ،

 وإنما رغبةً في اللدد والخصومة ،

 وحبَّاً في التشَّفي من الطرف الآخر

 .
ولهذا تجد الواحد من هؤلاء يُسَفِّه صاحبه ،


 ويرذل رأيه ،

 ويرد قوله

 .
فلا يمكن –

والحالة هذه –

أن يصل المتجادلون إلى نتيجة طالما


 أن الحق ليس رائدَهم ومقصودَهم

 .
وإذا الخصمان لم يهتديا *** سُنَّةَ البحثِ عن الحق غبر


فالجدال والمراء على هذا النحو مجلبة للعداوة ،


 ومدعاة للتعصب ، ومطية لاتباع الهوى

 .
بل هو ذريعة للكذب ,

 والقولِ على الله بغير علم خصوصاً إذا كان ذلك في مسائل الدين ,


وهذا أقبح شيء في هذا الباب

 .
قال الإمام النووي – رحمه الله - : 


  مما يذم من الألفاظ المراء ,

 والجدال ,

 والخصومة

 قال الإمام أبو حامد الغزالي :



 المراء طعنك في كلام الغير لإظهار خلل فيه ,


 لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيتك عليه

 .
قال



: وأما الجدال فعبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها .


قال وأما الخصومة فلجاج في الكلام ,

 ليستوفي به مقصوده من مال أو غيره .


وتارة يكون ابتداء ً,


 وتارة يكون اعتراضاً ,


 والمراء لا يكون إلا اعتراضاً هذا كلام الغزالي


 ثم قال الإمام النووي :


  واعلم أن الجدال قد يكون بحق ,


وقد يكون بباطل ,

 قال الله تعالى :


( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)


وقال تعالى :



 مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا

  

فإن كان الجدالُ الوقوفَ على الحق وتقريره كان محموداً ,



وإن كان في مدافعة الحق ,


 أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً .


وعلى هذا التفصيل تنزيل النصوص الواردة في إباحته وذمه  

ثم قال – رحمه الله- :


 ( قال بعضهم :


 ما رأيت شيئاً أذهب للدين ,

 ولا أنقصَ للمروءة ,

 ولا أضيع لِلَّذة ,

ولا أثقل للقلب من الخصومة .


فإن قلت لابد للإنسان من الخصومة ,

 لاستبقاء حقوقه –

فالجواب ما أجاب به الإمام الغزالي أن الذم


المتأكد إنما هو لمن خاصم بالباطل


أو بغير علم , كوكيل القاضي ,

 فإنه يتوكل في الخصومة قبل أن يعرف


أن الحق في أي جانب هو فيخاصم بغير علم .



ويدخل في الذم –أيضاً-


 من يطلب حقه ,


 لكنه لا يقتصر على قدر الحاجة ,


 بل يظهر اللدد والكذب ,


 للإيذاء والتسليط على خصمه .


وكذلك من خلط بالخصومة كلمات تؤذي ,


وليس إليها حاجة في تحصيل حقه .


وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد ,


 لقهر الخصم وكسره ,


 فهذا هو المذموم .


وأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع


 من غير لدد أو إسراف ,


أو زيادة لجاج على الحاجة من غير قصد


 عناد ولا إيذاء –


ففعله هذا ليس حراماً .


ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً,


 لأن ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال متعذر .



والخصومة تُوْغِرُ الصدر ,

 وتهيج الغضب ,


 وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما حتى يفرح


كل واحد منهما بمساءة الآخر ,


 ويحزن بمسرته ,


 ويطلق العنان بعرضه .


فمن خاصم فقد تعرض لهذه الآفات ,


وأقل ما فيه اشتغال القلب حتى يكون في صلاتِه ,


وخاطره معلق بالمحاجة والخصومة ,


 فلا يبقى حاله على الاستقامة .


والخصومة مبدأ الشر ,

 وكذلك الجدال والمراء فينبغي ألا يفتح عليه باب


 الخصومة إلا لضرورة لابد منها ,


 وعند ذلك يحفظ لسانه وقلبه من آفات الخصومات

 

ولما كان هذا هو شأن الجدال والمراء


 والخصومة تجنب السلف ذلك ,


 وحذروا منه , وورد عنهم آثار هل كثيرة فيه .



قال ابن عباس – رضي الله عنهما - :



  كفى بك ظلماً ألا تزال مخاصماً,



 وكفى بك إثماً ألا تزال ممارياً


وقال ابن عباس لمعاوية –رضي الله عنهما - : 




هل لك في المناظرة فيما زعمت أنك خاصمت فيه أصحابي ؟


 
قال : وما تصنع بذلك ؟


 أَشْغَبُ بك وتشغب بي ,


فيبقى في قلبك ما لا ينفعك ,


 ويبقى في قلبي ما يضرك


 
وقال ابن أبي الزناد :


 ( ما أقام الجدلُ شيئاً إلا كسره جدلٌ مثله ) 


وقال الأوزاعي : 



  إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ،



 ومنعهم العمل   



وقال الصمعي : 



  سمعت أعرابياً يقول :



 من لاحى الرجال وماراهم قلَّتْ كرامته ،


 ومن أكثر من شيء عُرِف به



وأخرج الآجُرِيُّ بسنده عن مسلم بن يسار – رحمه الله – أنه قال :



 ( إياكم والمراءَ ، فإنه ساعةُ جهلٍ العالم ، وبها يبتغي الشيطان زلته ) 



وأخرج أن عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – قال :



 ( من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل )


وقال عبدالله بن حسين بن علي – رضي الله عنهم - :


 ( المراء رائد الغضب ، فأخزى الله عقلاً يأتيك بالغضب )



وقال محمد بن علي بن حسين – رضي الله عنهم - :


 ( الخصومة تمحق الدين ، وتنبت الشحناء في صدور الرجال ) 


وقيل لعبدالله بن حسن بن حسين :



 ( ما تقول في المراء ؟


 قال : يفسد الصداقة القديمة ،


 ويحل العقدة الوثيقة .

 وأقل ما فيه أن يكون دريئة للمغالبة ،


 والمغالبة أمتن أسباب القطيعة  

 
وقال جعفر بن محمد – رحمه الله - : 


( إياكم وهذه الخصومات ، فإنها تحبط الأعمال ) 


وقيل للحكم بن عتيبة الكوفي – رحمه الله - :




 ( ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء ؟ قال : الخصومات )



وما أجمل قول الشافعي – رحمه الله – حين قال :



قالوا سكتَّ وقد خوصمتَ قلتُ لهم *** إن الجوابَ لِبَابِ الشَّرِّ مفتاحُ 


والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ *** وفيه أيضاً لصون العرض إصلاحُ




أما ترى الُأسْدَ تُخشى وهي صامتةٌ *** والكلب يُخسى لعمري وهو نباحُ








من كتاب ( أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ) 
الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد







ليست هناك تعليقات: