رسالة
الى كل مجادل
الجدال
والمراء والخصومة
وهذا دأب كثير من الناس سواء في أحاديثهم ومنتدياتهم ،
أو في مطالباتهم وخصوماتهم ،
فتراه يتجادلون ويتمارون عند كل صغيرة وكبيرة
.
لا لجلب مصلحة ،
لا لجلب مصلحة ،
ولا لدرء مفسدة ،
ولا لهدف الوصول إلى الحق والأخذ به ،
وإنما رغبةً في اللدد والخصومة ،
وحبَّاً في التشَّفي من الطرف الآخر
.
ولهذا تجد الواحد من هؤلاء يُسَفِّه صاحبه ،
ولهذا تجد الواحد من هؤلاء يُسَفِّه صاحبه ،
ويرذل رأيه ،
ويرد قوله
.
فلا يمكن –
فلا يمكن –
والحالة
هذه –
أن يصل
المتجادلون إلى نتيجة طالما
أن الحق ليس رائدَهم ومقصودَهم
.
وإذا الخصمان لم يهتديا *** سُنَّةَ البحثِ عن الحق غبر
وإذا الخصمان لم يهتديا *** سُنَّةَ البحثِ عن الحق غبر
فالجدال والمراء على هذا النحو مجلبة للعداوة ،
ومدعاة للتعصب ، ومطية لاتباع الهوى
.
بل هو ذريعة للكذب ,
بل هو ذريعة للكذب ,
والقولِ على الله بغير علم خصوصاً إذا كان ذلك
في مسائل الدين ,
وهذا
أقبح شيء في هذا الباب
.
قال الإمام النووي – رحمه الله - :
قال الإمام النووي – رحمه الله - :
مما يذم من الألفاظ المراء ,
والجدال ,
والخصومة
قال الإمام أبو حامد الغزالي :
المراء
طعنك في كلام الغير لإظهار خلل فيه ,
لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيتك عليه
.
قال
قال
: وأما
الجدال فعبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها .
قال وأما الخصومة فلجاج في الكلام ,
ليستوفي به مقصوده من مال أو غيره .
وتارة يكون ابتداء ً,
وتارة يكون اعتراضاً ,
والمراء لا يكون إلا اعتراضاً هذا كلام الغزالي
ثم قال الإمام النووي :
واعلم أن
الجدال قد يكون بحق ,
وقد يكون
بباطل ,
قال الله تعالى :
( وَلَا
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
وقال
تعالى :
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا
الَّذِينَ كَفَرُوا
فإن كان الجدالُ الوقوفَ على الحق وتقريره كان محموداً ,
وإن كان
في مدافعة الحق ,
أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً .
وعلى هذا التفصيل تنزيل النصوص الواردة في إباحته وذمه
ثم قال – رحمه الله- :
( قال
بعضهم :
ما رأيت شيئاً أذهب للدين ,
ولا أنقصَ للمروءة ,
ولا أضيع لِلَّذة ,
ولا أثقل
للقلب من الخصومة .
فإن قلت لابد للإنسان من الخصومة ,
لاستبقاء حقوقه –
فالجواب
ما أجاب به الإمام الغزالي أن الذم
المتأكد
إنما هو لمن خاصم بالباطل
أو بغير
علم , كوكيل القاضي ,
فإنه يتوكل في الخصومة قبل أن يعرف
أن الحق
في أي جانب هو فيخاصم بغير علم .
ويدخل في الذم –أيضاً-
من يطلب حقه ,
لكنه لا يقتصر على قدر الحاجة ,
بل يظهر اللدد والكذب ,
للإيذاء والتسليط على خصمه .
وكذلك من خلط بالخصومة كلمات تؤذي ,
وليس
إليها حاجة في تحصيل حقه .
وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد ,
لقهر الخصم وكسره ,
فهذا هو المذموم .
وأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع
من غير لدد أو إسراف ,
أو زيادة
لجاج على الحاجة من غير قصد
عناد ولا إيذاء –
ففعله
هذا ليس حراماً .
ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً,
لأن ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال
متعذر .
والخصومة تُوْغِرُ الصدر ,
وتهيج الغضب ,
وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما حتى يفرح
كل واحد
منهما بمساءة الآخر ,
ويحزن بمسرته ,
ويطلق العنان بعرضه .
فمن خاصم فقد تعرض لهذه الآفات ,
وأقل ما
فيه اشتغال القلب حتى يكون في صلاتِه ,
وخاطره
معلق بالمحاجة والخصومة ,
فلا يبقى حاله على الاستقامة .
والخصومة مبدأ الشر ,
وكذلك الجدال والمراء فينبغي ألا يفتح عليه باب
الخصومة إلا لضرورة لابد منها ,
وعند ذلك يحفظ لسانه وقلبه من آفات الخصومات
ولما كان هذا هو شأن الجدال والمراء
والخصومة تجنب السلف ذلك ,
وحذروا منه , وورد عنهم آثار هل كثيرة فيه .
قال ابن عباس – رضي الله عنهما - :
كفى بك
ظلماً ألا تزال مخاصماً,
وكفى بك إثماً ألا تزال ممارياً
وقال ابن عباس لمعاوية –رضي الله عنهما - :
هل لك في
المناظرة فيما زعمت أنك خاصمت فيه أصحابي ؟
قال : وما تصنع بذلك ؟
أَشْغَبُ بك وتشغب بي ,
فيبقى في
قلبك ما لا ينفعك ,
ويبقى في قلبي ما يضرك
وقال ابن أبي الزناد :
( ما أقام
الجدلُ شيئاً إلا كسره جدلٌ مثله )
وقال الأوزاعي :
إذا أراد
الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ،
ومنعهم العمل
وقال الصمعي :
سمعت
أعرابياً يقول :
من لاحى الرجال وماراهم قلَّتْ كرامته ،
ومن أكثر من شيء عُرِف به
وأخرج الآجُرِيُّ بسنده عن مسلم بن يسار – رحمه الله – أنه قال :
( إياكم
والمراءَ ، فإنه ساعةُ جهلٍ العالم ، وبها يبتغي الشيطان زلته )
وأخرج أن عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – قال :
( من جعل
دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل )
وقال عبدالله بن حسين بن علي – رضي الله عنهم - :
( المراء
رائد الغضب ، فأخزى الله عقلاً يأتيك بالغضب )
وقال محمد بن علي بن حسين – رضي الله عنهم - :
( الخصومة
تمحق الدين ، وتنبت الشحناء في صدور الرجال )
وقيل لعبدالله بن حسن بن حسين :
( ما تقول
في المراء ؟
قال : يفسد الصداقة القديمة ،
ويحل العقدة الوثيقة .
وأقل ما فيه أن يكون دريئة للمغالبة ،
والمغالبة أمتن أسباب القطيعة
وقال جعفر بن محمد – رحمه الله - :
( إياكم
وهذه الخصومات ، فإنها تحبط الأعمال )
وقيل للحكم بن عتيبة الكوفي – رحمه الله - :
( ما اضطر
الناس إلى هذه الأهواء ؟ قال : الخصومات )
وما أجمل قول الشافعي – رحمه الله – حين قال :
قالوا سكتَّ وقد خوصمتَ قلتُ لهم *** إن الجوابَ لِبَابِ الشَّرِّ مفتاحُ
والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ *** وفيه أيضاً لصون العرض إصلاحُ
أما ترى الُأسْدَ تُخشى وهي صامتةٌ *** والكلب يُخسى لعمري وهو
نباحُ
من كتاب
( أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة )
الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد
الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق