انها تدمع العين
أنا
اليتيم
أنا
اليتيم
يامن
يجاوب
صرختي
قال
قال الصغيرُ ودمعُهُ مِدْرارُ: أمّاه، أشعر أنني أنهارُ
أُمَّاهُ، هذا الجوعُ مَزَّقَ باطني وسرتْ بأحشائي وقلبي النارُ
الماءَ أشْربُهُ؛ ليبرد غُلَّتي فكَأنَّما تبْريدُهُ إسعارُ
لي ليلتانِ ألوكُ بعْضَ " بَلِيلَةٍ قد خالطَتْ حَبَّاتِها الأحجارُ
لا طَعْمَ فيها، غيرَ أَنَّ لِريحِها نَتْناً، وشابَ مَذَاقَها إمرارُ
رِجْلايَ خانَتْنِي؛ فلَيسَ تُقِلُّني فبَقِيتُ مَأْسُورا ولا أَسْوارُ
هاهمْ رفاقي في الطريق تواثَبوا في خِفَّةٍ، فكَأنَّهُمْ أطيارُ
للعيد قد لَبِسُوا الجديدَ وهلَّلُوا بثيابِهِمْ تَتَلأْلأُ الأنْوارُ
.. وحدي بقيت أنا أُجَرَّعُ غَصَّةً في غَصَّةٍ، وبِعَيْنِيَ استِعْبَارُ!
أمَّاهُ، أين أبي؟ فما حَلَّتْ بِنا - إذْ كان يَعْمُرُ بيْتَنَا - أضرارُ
أماه، أين أبي؟ فما عادتْ لنا - مُذْ غابَ - منِزلة ولا إكبارُ
أماه، أين أبي؟ وأين حنانُهُ؟ قد كان نَهْراً دونهُ الأنهارُ
لا زلت أذكُرُ كَمْ حبوتُ لحِجْرِهِ فَتَلَقَّفَتْنِ يداهُ والأبصارُ
لا زلت أذكر كيف أضحى مركباً لي صدرُهُ، وبوجهِهِ استبشارُ
كم دغدغَتْ خَدِّي يداهُ ومِلْؤُها حُبٌّ وعَطْفٌ غامِرٌ فوَّارُ
وكأنَّ في رأسِي نُعومةَ كَفِّه لم تمحُها الأيَّامُ والأعْصارُ
أماه، قولي أين سار؟ فإنني ماضٍ إليه؛ فقد جفتني الدارُ!
فتلجلجَتْ أمُّ الصبيِّ وأجهشتْ تبكي وتنشجُ؛ هاجها التذكارُ
ضمتْهُ للصدر الضعيفِ وقلبُها في لوعةٍ، ودموعُها أنهارُ
قالتْ تُهَدِّئُهُ - وفِيها حاجةٌ لِمُهَدِّئٍ لوْ أنَّها تَخْتارُ -:
يا ابْني أبوكَ مع النجومِ مُحَلِّقٌ يرنُو إليكَ وكُلُّهُ أنظارُ
في العالَمِ العُلْوِيِّ يسكنُ منزلاً تشدو بِهِ وتُرَفْرِفُ الأطْيَارُ
مخْضَرَّةٌ أشجارُهُ، دفَّاقةٌ أنْهَارُهُ، سُكَّانُهُ أطْهَارُ
لا الغِلُّ ينفُثُ في القلوب سمومَهُ لا في اليَدَيْنِ يُعَشِّشُ الإقتارُ
فاصبِرْ، تَعَلَّلْ بالرحيلِ؛ فمالَنا في الأرضِ توطينٌ ولا استِقْرارُ
عَمَّا قريبٍ نَلْتَقِي بأبيك في أفْقٍ بَهِيجٍ كُلُّهُ أنْوارُ
كيف البقاءُ بعالَمٍ قَدْ حُجِّرَتْ فيه القُلُوبُ وضَلَّتِ الأبْصارُ؟!
في الأغنياءِ تخمةٌ والجوعُ في ال أ يتامِ، في أحشَائِهِمْ نَخَّارُ
هل نجتدي أم نكتوي بجريمةٍ؟! كَلاَّ! فمِن ذا تأْنَفُ الأحرارُ
لله نشكو ما نُعاني؛ إنَّهُ بَرٌّ رحِيمٌ فَضْلُهُ مِدْرارُ
ما ذا سمعتَ ابَني؟ كأنَّ بِبَابِنا طَرْقاً؟ نعم! فلْيَدْخُلِ الزُّوَّارُ!
ما كان هذا الطارق الآتي سوى وفْداً بِهِ قد أرسَلَ الأخْيَارُ
زَفَّ السَّلامَ وبَثَّ في طيَّاتِهِ بُشْرَى بِأن قد زالتِ الأكْدارُ
إن كان عائلكم قضى نحباً، ففي ذا المجلسِ الأعلى لكُم أنصارُ
ما زال ينمِي للكرام شجونَكُمْ حَتَّى استجابتْ فِتيَةٌ أبْرارُ
مِن فاعلي خيرٍ وإحسانٍ فَهُمْ قومٌ على دربِ الهُدَى قد ساروا
من آسيا يَسْقُونَ في إفريقيا قوماً ظِماءً نَالَهُمْ إعْسارُ
مَدُّوا على هذا اليتيمِ ظِلالَهُمْ من بِرِّهِمْ يَأتي لَهُ مِقْدارُ
فترقرقتْ عينُ الصَّبِيِّ، وأمُّهُ شَدَّتْ بأصْلِ لِسانِها الأوتارُ
ثم التقتْ عَيناهُما في لمحةٍ عَجْلَى، ولكن دونها الأدهارُ
مدَّا بِطَرْفٍ للسماء وتمْتَمَا في دعْوةٍ ما دونَها أستارُ:
ربَّاهُ، عفواً إن أسأْنا الظنَّ في كُلِّ الوَرَى، فلْيَمْحُ ذا استغفارُ
لم ندْرِ أنَّ الخيرَ في هذِي الدُّنا باقٍ، ولم يَعْصِفْ به إعصارُ
ربَّاهُ، فاجْزِ المحسنين بجَنَّةٍ بشَّرنا بوصْفِهَا المُخْتَارُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق