الحكم والمواعظ
عن يحيى بن سعيد قال بلغنا انه من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يبعث الله عليه من يهين شيبه إذا شاب .
دخل قوم على أعرابي يعودونه فقال له بعضهم كم أتى عليك قال خمسون ومائة سنة فقالوا عمر والله فقال لا تقولوا ذاك فوالله لو استكملتموها لاستقللتموها .
عن أبي الجلد أن عيسى بن مريم مر بمشيخة فقال معاشر الشيوخ أما علمتم أن الزرع إذا ابيض ويبس واشتد فقد دنا حصاده قالوا بلى قال فاستعدوا فقد دنا حصادكم ثم مر بشباب فقال معاشر الشباب أما تعلمون أن رب الزرع ربما حصده قصيلا قالوا بلى قال فاستعدوا فإنكم لا تدرون متى تحصدون .
قال أبو أسامة المصري العابد : بينا أبو شريح يمشي إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكي فقلنا ما يبكيك قال تفكرت في ذهاب عمري وقلة عملي واقتراب أجلي .
قال أبو سليمان : يعرض الله على ابن آدم يوم القيامة عمره من أوله إلى آخره ساعة ساعة يقول ابن آدم أتت عليك ساعة كنت تطيعني وساعة كنت تعصيني وساعة كنت تذكرني وساعة كنت غافلا .
كان مالك بن دينار كثيرا ما يقول من عرف الله فهو في شغل شاغل ويل لمن ذهب عمره باطلا .
قال ابن المبارك ما أسرع هذه الأيام في هدم عمرنا وأسرع هذا العام في هدم شهره وأسرع هذا الشهر في هدم يومه .
قيل لشيخ ما بقي منك مما تحب له الحياة قال البكاء على الذنوب .
دخل سليمان بن عبد الملك المسجد فرأى شيخا كبيرا فدعا به فقال يا شيخ أتحب الموت قال لا قال بم قال ذهب الشباب وشره وجاء الكبر وخيره فإذا قمت قلت بسم الله وإذا قعدت قلت الحمد لله فأنا أحب أن يبقى لي هذا .
كان عون بن عبد الله يضع يده تحت لحيته ثم يميلها إلى وجهه ثم ينظر إليها فيبكي ويقول إلهي ارحم شيبتي .
قال موسى يا رب خر لي قال يا موسى لو لم أخلقك كان خيرا لك قال يا رب فإذا خلقتني فخر لي قال لو أمتك طفلا كان خيرا لك قال يا رب فإذا لم تمتني طفلا فخر لي قال تكبر يا موسى فأرحمك .
قال الحسن : أفضل الناس ثوابا يوم القيامة المؤمن المعمر .
قال علي بن أبي طالب : ما يسرني أن مت طفلا وأني لم أكبر فأعرف ربي .
لما قدم ابن المبارك طرسوس فرأى هيئة أهلها بكى فقيل له ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن قال بكيت على فناء عمري وضيعته قال ونظر إلى الباب ذات يوم والناس يزدحمون عليه فقال حق لهم سرور الأبد من ورائه .
قال الربيع بن عبد الرحمن : إنما يحب البقاء من كان عمره له غنما وزيادة في عمله فأما من غبن عمره واستن له هواه فلا خير له في طول الحياة .
قال عطاء السليمي : طوبى لمن نفعه عيشه وكان طول عمره زيادة في عمله والله ما أرى عطاء كذلك ثم بكى .
عن إبراهيم بن الأشعث أنه قال سمعت الفضيل بن عياض وقال له رجل يا أبا علي كيف حالك قال كيف ترى حال من كثرت ذنوبه وضعف عمله وفني عمره ولم يتزود لمعاده ولم يتأهب للموت ولم يتيسر له .
قال عبد العزيز بن أبي رواد لرجل : من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء الإسلام والقرآن والشيب .
عن أبي حازم أنه قال : يا بني لا تقتدي بمن لا يخاف الله بظهر الغيب ولا يقف عن العيب ولا يصلح عند الشيب .
عن عقبة بن أبي حكيم قال كنا نجلس إلى عون بن عبد الله فيقول لنا معشر الشباب قد رأينا الشباب يموتون فما ينتظر بالحصاد إذا بلغ المنجل ويمس لحيته .
قال أبو الدرداء : لو أن ابن آدم عمر في الصحة والسلامة لكان له داء قاضيا .
قال كعب لو لم يكن ابن آدم يصب فيطول عمره إلا ما يحب لأوشك يوما أن يأتيه فيه ما يكره وذاك أن ابن آدم يكره الموت ولا بد له منه
قال بعض الحكماء من أخطأته سهام المنايا قيدته الليالي والسنون .
عن سويد الكلبي أن زر ابن حبيش كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه فيه فكان في آخر كتابه ولا يطمعك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك فأنت أعلم بنفسك واذكر ما يتكلم به الأولون ... إذا الرجال ولدت أولادها ... وبليت من كبر أجسادها ... وجعلت أسقامها تعتادها ... تلك زروع قد دنا حصادها ... فلما قرأ عبد الملك الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه ثم قال صدق زر لو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق .
سأل عبيد الله بن زياد أبا هريرة الكندي فقال كيف أنت قال أنعس في المجلس وآرق على الفراش وأنسى الحديث وأذكر القديم قال هلكت والله .
لما رأى إبراهيم الشيب قال مرحبا بالحلم والعلم الحمد لله الذي أخرجني من الشباب سالما .
نظر إياس بن قتادة في المرآة فرأى شيبة فقال ألا أراني خميرا لحاجات بني تميم والموت يطلبني فخرج فنزل الشبكة فاتخذها مسجدا فلم يزل يعبد الله حتى مات , وقال لأن ألقى الله مؤمنا مهزولا أحب إلي من أن ألقاه منافقا سمينا فقال الحسن رحمه الله علم أن النار تأكل اللحم ولا تأكل الإيمان .
عن عبد الله بن بكر السهمي قال نظر أبي في المرآة يوما فجعل يتأمل شيبا في لحيته ويبكي فقال له ما يبكيك قال إن الشيب تمهيد الموت .
كان ابن السماك يقول في كلامه إخواني ألا متأهب فيما يوصف له أمامه ألا مستعد ليوم فقره وفاقته ألا شاب عازم مبادر لمنيته ليس يغره شباب سنه ولا شدة قوته ولا انبساط أمل مثله ألا شيخ مبادر انقضاء مدته وفناء أكله جادا مشمرا فيما بقي من رمقه ما ينتظر من قد ابيضت شعرته بعد سوادها وتكرش جلده بعد انبساطه وتقوس ظهره بعد انتصابه واعتداله وضعف ركنه وقصر خطوه وكل بصره وقل طعمه وذهب نومه وأنكر الأشياء كلها منه وبلي سنه شيئا بعد شيء في حياته فرحم الله امرءا عقل أمره وأحسن النظر لنفسه واغتنم كل ليلة تأتي عليه ويوم يمر به .
كان يونس النحوي إذا أراد أن يقوم من مجلسه قال ولست لداء الركبتين طبيب .
قال فتية من الحكماء تعالوا حتى ندع كل شهوة ولذة تبيد من قبل أن يدرك الكبر الشباب فتسترخي المفاصل التي كانت فيها كفة الشهوات .
عن الشعبي قال من قرأ القرآن لم يخرف .
عن عبد الملك بن عمير قال أبقى الناس عقولا قرأة القرآن .
عن عكرمة " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " قال الشباب" ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ " قال الهرم , " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " قال المؤمن إذا رد إلى أرذل العمر كتب له أحسن ما كان يعمل في صحته وشبابه .
قال عمر بن الخطاب : ابنة عشر شهوة الناظرين وابنة عشرين شمس وتلين وابنة الثلاثين قرة عين المعانقين وابنة الأربعين ذات خلق ودين وابنة الخمسين ذات بنات وبنين وابنة الستين تشوف للخاطبين وابنة السبعين عجوز في الغابرين .
جاءت امرأة إلى زياد تستعدي على زوجها فقال الزوج أصلحك الله إن خير شطري الرجل آخره وإن شر شطري المرأة آخره قال ويحك كيف قال إن الرجل إذا كبرت سنه استحكم رأيه وذهب جهله وبقي حلمه وإن المرأة إذا كبرت سنها حد لسانها وساء خلقها وعقم رحمها قال خذ بيدها .
كان رجل قد طال عمره فكان هو ناعي الحي لا يزال قد نعى الرجل من السفر إلى أهله فمرض أخ له فلما حضره الموت دخل عليه وقال له يا أخ قد أرى منك فأوصني قال بم أوصيك ثم أنشد يقول ... كأن الموت يا ابن أبي وأمي ... وإن طالت حياتك قد أتاكا ... أتنعي الميتين وأنت حي ... إذا حي بموتك قد نعاكا ... إذا اختلف الضحى والعصر دأبا ... تسوقهما المنية أدركاكا .
عن الحسن قال أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه وديناره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق