الثلاثاء، 1 مايو 2012

قصيدة التوحيد


   


قصيدة التوحيد




 



قصيدة التوحيد


للشاعر السوداني


إبراهيم علي بديوي   رحمه الله






بك أستجير ومن يجير سواكا *** فأجر ضعيفا يحتمي بحماك


إني ضعيف أستعين على قوى *** ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا


أذنبت ياربي وآذتني ذنوب *** مالها من غافر إلا كا


دنياي غرتني وعفوك غرني *** ماحيلتي في هذه أو ذا كا



لو أن قلبي شك لم يك مؤمنا *** بكريم عفوك ما غوى وعصاكا


يا مدرك الأبصار ، والأبصار لا *** تدري له ولكنه إدراكا


أتراك عين والعيون لها مدى *** ما جاوزته ، ولا مدى لمداكا


إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين علاكا


يامنبت الأزهار عاطرة الشذا *** هذا الشذا الفواح نفح شذاكا


يامرسل الأطيار تصدح في الربا *** صدحاتها تسبيحة لعلاكا


يامجري الأنهار : ماجريانها *** إلا انفعالة قطرة لنداكا


رباه هأنذا خلصت من الهوى *** واستقبل القلب الخلي هواكا


وتركت أنسي بالحياة ولهوها *** ولقيت كل الأنس في نجواكا


ونسيت حبي واعنزلت أحبتي *** ونسيت نفسي خوف أن أنساكا


ذقت الهوا مراً ولم أذق الهوى *** يارب حلواً قبل أن أهواكا


أنا كنت ياربي أسير غشاوة *** رانت على قلبي فضل سناكا


واليوم ياربي مسحت غشاوتي *** وبدأت بالقلب البصير أراكا


ياغافر الذنب العظيم وقابلا *** للتوب: قلب تائب ناجاكا


أترده وترد صادق توبتي *** حاشاك ترفض تائبا حاشاك


يارب جئتك نادماً أبكي على *** ما قدمته يداي لا أتباكى


أنا لست أخشى من لقاء جهنم *** وعذابها لكنني أخشاكا


أخشى من العرض الرهيب عليك يا *** ربي وأخشى منك إذ ألقاكا


يارب عدت إلى رحابك تائباً *** مستسلما مستمسكاً بعراكا


مالي وما للأغنياء وأنت يا *** رب الغني ولا يحد غناكا


مالي وما للأقوياء وأنت يا *** ربي ورب الناس ماأقواكا


مالي وأبواب الملوك وأنت من *** خلق الملوك وقسم الأملاكا


إني أويت لكل مأوى في الحياة *** فما رأيت أعز من مأواكا


وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة *** فلم تجد منجى سوى منجاكا


وبحثت عن سر السعادة جاهداً *** فوجدت هذا السر في تقواكا


فليرض عني الناس أو فليسخطوا *** أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا


أدعوك ياربي لتغفر حوبتي *** وتعينني وتمدني بهداكا


فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي *** ماخاب يوما من دعا ورجاكا


يارب هذا العصر ألحد عندما *** سخرت ياربي له دنياكا


علمته من علمك النوويَّ ما *** علمته فإذا به عاداكا


ما كاد يطلق للعلا صاروخه *** حتى أشاح بوجهه وقلاكا


واغتر حتى ظن أن الكون في*** يمنى بني الانسان لا يمناكأ


و ما درى الانسان أن جميع ما *** وصلت إليه يداه من نعماكا؟


أو ما درى الانسان أنك لو أردت *** لظلت الذرات في مخباكا


لو شئت ياربي هوى صاروخه *** أو لو أردت لما أستطاع حراكا


يأيها الانسان مهلا وائتئذ *** واشكر لربك فضل ماأولاكا


واسجد لمولاك القدير فإنما *** مستحدثات العلم من مولاكا


الله مازك دون سائر خلقه *** وبنعمة العقل البصير حباكا


أفإن هداك بعلمه لعجيبة *** تزور عنه وينثني عطفاكا


إن النواة ولكترنات التي *** تجري يراها الله حين يراكا


ماكنت تقوى أن تفتت ذرة *** منهن لولا الله الذي سواكا


كل العجائب صنعة العقل الذي *** هو صنعة الله الذي سواكا


والعقل ليس بمدرك شيئا اذا *** مالله لم يكتب له الإدراكا


لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداكا


ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناكا


والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا


قل للطبيب تخطفته يد الردى *** ياشافي الأمراض : من أرداكا؟


قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟


قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا ياصحيح دهاكا؟


قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟


بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام *** بلا اصطدام : من يقود خطاكا؟


قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى : مالذي يرعاكا؟


قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة : مالذي أبكاكا؟


وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله : من ذا بالسموم حشاكا؟


وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟


وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟


بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث مالذي صفاكا؟


وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا *** ميت فاسأله: من أحياكا؟


وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً *** فاسأله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟


وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً *** فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟


قل للنبات يجف بعد تعهد *** ورعاية : من بالجفاف رماكا؟


وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو *** وحده فاسأله : من أرباكا؟


وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله : من أسراكا؟


وأسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد *** كلّ شيء مالذي أدناكا؟


قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاكا؟


وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله : من يانخل شق نواكا؟


وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟


وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكا؟


وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟


وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله: من الذي أطغاكا؟


وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من ياليل حاك دجاكا؟


وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟


هذي عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا!


والله في كل العجائب ماثل *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟


يا أيها الإنسان مهلا مالذي *** بالله جل جلاله أغراكا؟


حاذر إذا تغزو الفضاء فربما *** ثآر الفضاء لنفسه فغزاكا؟


اغز الفضاء ولا تكن مستعمراً *** أو مستغلا باغيا سفاكا


إياك ان ترقى بالاستعمار في *** حرم السموات العلا إياكا


إن السموات العلا حرم طهور *** يحرق المستعمر الأفاكا


اغز الفضاء ودع كواكبه سوابح *** إن في تعوبقهن هلاكا!


إن الكواكب سوف يفسد أمرها *** وتسيء عقباها إلى عقباكا


ولسوف تعلم أن في هذا قيام *** الساعة الكبرى هنا وهناكا


أنا لا أثبط من جهود العلم أو *** أنا في طريقك أغرس الأشواكا


لكنني لك ناصح فالعلم إن *** أخطأت في تسخيره أفناكا


سخر نشاط العلم في حقل الرخاء *** يصغ من الذهب النضار ثراكا


سخره يملأ بالسلام وبالتعاون *** عالماً متناحراً سفاكا


وادفع به شر الحياة وسوءها *** وامسح بنعمى نوره بؤساكا


العلم إحياء وإنشاء وليس *** العلم تدميراً ولا إهلاكا


فإذا أردت العلم منحرفاً فما *** أشقى الحياة به وما اشقاكا




ليست هناك تعليقات: