، أنا الدنيا .. أيكم ما افتتن بي
لولاك ما كنا وما كانت لنا .. دنيا ولا عمرت بنا أرجاء
أحبتي الكرام يحكى أن شاباً خرج من داره ذات يوم ،
وفي طريقه وجد فتاة حسناء ،
جميلة تلك الفتاة ،
نظر إليها ذاك الشاب ،
فملكت قلبه واستهوته وأحبها حباً عظيماً ،
ذهب الشاب إلى تلك الفتاة ليخطبها من نفسها ،
وافقت الفتاة ،
لكن قالت بشرط :
أن يكون مهري وصداقي كذا وكذا ،
وطلبت مهراً ضخماً طائلاً ،
وذاك الشاب لا يستطيع على ذاك المهر ،
أخذ يفكر في حلول سريعة ،
يريد أن يتزوج بالفتاة ،
يريد أن يظفر بالفتاة ،
قال :
إذن أذهب إلى أحد التجار وأقترض منه المبلغ وأتزوج بتلك الفتاة ،
ذهب ذاك الشاب إلى ذاك التاجر من أجل أن يقترض ذاك المبلغ ،
أخبره الخبر وقص عليه القصة ،
فقال ذاك التاجر :
أنا لا أصدق ،
أويعقل أن في هذا الكون فتاة هذا مهرها وهذا صداقها ؟ !
هذا كلام غير صحيح ،
قال الشاب :
إذن ،
اذهب معي إلى تلك الفتاة ،
واسمع من الفتاة ،
ذهب الشاب والتاجر إلى تلك الفتاة ،
رآها التاجر ،
فانفتن بها ،
وملكت قلبه ،
واستهوته ،
وقال :
هذه الفتاة التي أبحث عنها ،
فاختصم الشاب والتاجر على هذه الفتاة أيهم يظفر بها ،
قالوا
إذن ،
نذهب إلى القاضي ،
ونختصم عند القاضي ،
ونتحاكم عند القاضي ،
ذهبوا إلى القاضي ،
أخبروه الخبر ،
قال القاضي :
لا أفصل في القضية حتى تحضر الفتاة ،
وأسمع منها ،
أحضروا الفتاة إلى القاضي ،
رآها القاضي ،
افتتن بها القاضي ،
وقال : هذه الفتاة التي أبحث عنها ،
ثم قال لهذا الشاب :
هذه فتاة جميلة ،
ومهرها طائل ،
وأنت فقير ،
معدوم الحال ،
لا تستطيع على مهرها وصداقها ،
وقال للتاجر :
أنت رجل تجارة وسوق ،
يلهيك مالك وتجارتك عنها ،
هي ما تصلح إلا لرجل دين وقضاء مثلي ،
اختصم الثلاثة :
الشاب والتاجر والقاضي على هذه الفتاة أيهم يظفر بها ،
قالوا :
إذن ،
نحتكم إلى أعلى سلطة في البلدة ،
نذهب إلى والي المدينة ،
ونتحاكم عنده ، ذهب الأربعة :
الشاب والتاجر والقاضي والفتاة إلى الوالي ،
فلما دخلوا على الوالي ،
ورأى الوالي تلك الفتاة ،
افتتن بها الوالي ،
وقال :
هذه الفتاة التي أبحث عنها عمري كله ،
هذه الفتاة ما تصلح إلا لسلطان مثلي ،
أما أنت أيها الشاب ،
فأنت شابٌّ صعلوكٌ ،
فقيرٌ ،
معدوم الحال ،
لا تستطيع على مهرها وصداقها ،
وقال للتاجر :
أنت رجل تجارةٍ وسوق ،
يلهيك مالك وتجارتك وسوقك عنها ،
وقال للقاضي :
أنت رجل دينٍ وقضاء ،
يلهيك دينك وقضاؤك عنها ،
هي لا تصلح إلا لسلطان مثلي ،
صاحب أموال ،
وصاحب تجارة ،
وصاحب حشود وبنود وقصور ،
اختصم الأربعة :
الشاب والتاجر والقاضي والوالي أيهم يظفر بتلك الفتاة ،
عندها قالت الفتاة :
أنا التي أفصل في القضية ،
أوتقبلون حكمي ؟
قالوا :
قبلنا حكمك ،
قالت :
أنا أجعلكم على مضمار ،
تتسابقون على هذا المضمار ،
وأيكم يسبق هو الذي يتزوجني ،
رضي الجميع بهذا الحل ،
فأخذ الجميع يعدو في ذاك المضمار ،
أخذ الجميع يسير مسرعاً ومهرولاً يوماً تلو يوم ،
وأسبوعاً تلو أسبوع ،
وشهراً تلو شهر ،
وسنة تلو سنة ،
سنة تلو سنة ،
سنة تلو سنة ،
وما هي إلا أيام قلائل حتى يهوي الجميع في حفرةٍ سحيقةٍ مظلمةٍ ضيقة ،
تنظر إليهم الفتاة من علو وتقول :
أنا الدنيا ،
أنا الدنيا ،
أنا الدنيا ..
أيكم ما افتتن بي ؟
أيكم ما صددت ؟
أيكم ما أشغلت ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق