السبت، 18 فبراير 2012

الإمام العالم العلامة أبو محمد عبدالله بن أسعد اليمني المعروف باليافعي‏




المتوفي في القرن الثامن الهجري




حكى الأصمعي قال‏:‏ كنت عند الرشيد فأتي بجارية ليبتاعها فأعجبته فقال 


لمولاها‏:‏ بكم الجارية فقال‏:‏ بمائة‏:‏ الف درهم فقال‏:‏ ادفع المال إليه يا غلام فلما 


ولى قال‏:‏ ردوا الجارية فردت فقال‏:‏ يا جارية أبكر انت أم ثيب فقالت‏:‏ بل 


ثيب‏.‏

فقال‏:‏ ردوها على مولاها ثم قالوا عشقت صغيرةً فأجبتهم أشهى المطي إلي ما 


لم تركب كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة لبست وحبة لؤلؤ لم تثقب فقالت الجارية‏:‏ 


يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الجواب قال‏:‏ نعم فأنشدت‏:‏ إن المطية لا يلد ركوبها 


حتى تذلل بالزمان وتركبا والحب ليس بنافع أربابه حتى يفضل بالنظام ويثقبا 


قال فضحك الرشيد وقال يا غلام ادفع ثمنها إلى مولاها وأمر لها بمائة ألف 


درهم في خاصة نفسها قلت‏:‏ و البيتان اللذان أنشدهما الرشيد هما من شعر أبي 


نواس واللذان أنشدتهما الجارية هما من شعر مسلم بن الوليد الأنصاري‏.‏




المتوفي في القرن الثامن الهجري




قلت ولي قصيدة في الحكم بين هذين المختلفين وفي تفضيل ألوان الغواني بعضها 


على بعض ووصف أعضائها ومحاسنها الحسناء وذكر غرور الدنيا منها هذه 


الأبيات‏:‏

يا مسرعاً نحو الحسان لتخطبا ** تأن واختر مورداً مستعذبا

هذا الأجيرع والعوير ** مورد ماء العذيب الخالي المستعذبا

ودع المويلج والأزيلم جانباً ** يا من غدا بالغانيات معذبا

من بيض مجد عاليات الحسن أو ** من خضر سعد إن نشا أن تخطبا

عند الغواني والمعالي أيما تشأ ** فاختر بعد وصفي مذهباسلطان ألوان الغواني 


أبيض ** وله وزير أصفر قد قربا

والأخضر الميمون أضحى عنده ** أيضاً أميراً بالسعادة مخضبا

لم يبق إلا جندي أو سائس ** فاختر لما يهواه طبعك فاصحبا

كل امرء بالطبع يهوى مشرباً ** يحلو ولو أضحى أجاجاً مشربا

لكن بيض الغانيات تفاوتت ** ألوانها فاسمع مقالاً صوبا أبهى

أزهاها بياض مشرب ** من صفرة يحكي لجيناً مذهبا

إن عذب ما للظما جاء مذهبا ** فظمي الهوى تلقى له ذا مذهبا

ذاك الذي ما زلت أهوى والذي ** أختار من بين المذاهب مذهبا

دري لون معجب في ناهج ** في كفه العناب يزهو معجبا

في خده تفاح روض ** يحببا وبصدره رمانً مرة أرطبا

والدر منثوراً يرى في ** لفظه ومنظماً في بسمه مترتبا

والمسك مع شهد الماء ** حايم في درة ظلم المفلج أشيبا

في فرد بيت حدثاني ما حوى ** بعدها بيت أتى مستنجبا

ودعص رمل غصن بان مثقل ** على عمودي وبردي قد ركبا

وطول جعد كالغراب مجاور ** وجهأ حكى بدر الدياجي مذهبا

ولون بيض من نعام شبه ** المولى به الحور الحسان مرغبا

لكن على مقدار أفهام الورى ** قد شبه الرحمن تلك مقربا

هيهات ابن البيض ممن لو بدت ** في مشرق ليلاً أضاءت مغربا

أو في الأجاج البحر تبرق أودجا ** تبسمت ذا ضاء وذاك استعذابا

والمخ في ساق تراه من ورا ** سبعين من جلبابها لن يحجبا

وعجبت من قوم صفر رجحوا ** منها وممن مدح خضر أطيبا

مع أن لون الحور أقوى حجة ** للبيض لا تلقى بذلك مكذبا

والكل ذموا لون جص لم يكن ** ما رونق أو لون در أشربا

مع قول هادي العيس أعني مسلما ** بخل الوليد المستنجد المغربا

إن المطية لا يلذ ركوبها ** حتى تذلل بالزمام وتركبا

والحب ليس بنافع أربابه ** حتى يفضل بالنظام ويثقبا

وجوابا جلد يافعي في الحمى أبداً ** مع التفضيل تفضيل النبا أبدا

قريضا في يراع حاكما ** ومبينا فضلا لكل مطيبا أولى مطايا

العبد ما لم يمتطي لن يعد ** روض ما يرى مستصعبا

والدر سهل الانتفاع تقية ** وغير ممغوث سهى جربا

هذا لعمري في الحكومة قد كفى ** فضلاً وإن فضلاً ترم يا مرحبا

فالبسط في نظم وشر عادة ** لي حببت والقلب مع ما حببا

مستثنياً قل في روض هجت ** محبوبة تلك الرعات تحببا

ما تهتدي فيه ثواني ** سهلة و تريك ما لا تهتديه مطربا
في الكل فضل معجب لكنه ** في غير ممغوث تراه أعجبا

مهلاً هديت الرشد يا من قلبه ** نحو الغواني و الأغاني قد صبا

اعلم بأناكم نفيس مطية ** قد امتطينا و اختبرنا المركبا

فالكل الفينا سراباً كالهبا ** في قاع دنيا حين جر الهبا

وإليه عن حصب رأى كم سالك ** في سفره ملنا تام المجدبا

فلا سراباً فيه ألقينا ولا سرنا ** فألقينا البهيج المخصبا

مع ما ارتكبنا من مخوف كالتي ** عن ركبها مالت اليه لتشربا

ظنته ماء فانتحته فلم تجد ** شيئاً و خافت عنده أن ينهبا

وهكذا الأيام تنهب عمرنا ** في غير خير يختشى أن تذهبا



ليست هناك تعليقات: