الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025

ظهور المهدي

ظهور المهدي

يُعَدّ تصنيف ظهور المهديّ أمراً مختلفاً فيه بين العلماء؛ إذ إنّ منهم من اعتبره من العلامات الكُبرى، ومنهم من قال إنّه من العلامات الصغرى؛ وذلك نتيجة لأنّ الروايات لم يرد فيها نصٌّ واضح على تصنيفه ضمن العلامات الكُبرى، أو الصُّغرى

حيث ينتشر في آخر الزمان الفساد، والظلم، وتَكثُر المُنكَرات، فيأذن الله بخروج رجل صالح يجتمع له المؤمنون، فيكون قائداً حاكماً يُصلِح اللهُ على يديه أحوالَ الأمّة، ويكون اسمه محمد بن عبدالله، ويُعرَف عند أهل السنّة بالمَهديّ، وهو يخرج من قِبَل المشرق، وتحديداً من مكّة المُكرَّمة، فيُبايعه الناس عند الكعبة على السمع، والطاعة، والاتِّباع، فيحكم المسلمين بضع سنين يَنعمون فيها بالعدل والخيرات، ويعظُم أمر الأمة

وقد ذكر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- المهديّ في العديد من الأحاديث، منها ما رواه الألباني عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله أنّه قال: (يخرجُ في آخرِ أُمَّتي المهديُّ، يَسقِيه اللهُ الغَيْثَ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتَها، ويُعطِي المالَ صِحاحًا، وتكثُرُ الماشيةُ، وتَعظُمُ الأُمَّةُ، يعيشُ سبعًا، أو ثمانيًا)، وقد تحدّث رسول الله أيضاً عن صفاته الخَلقيّة بقوله: (المَهْديُّ منِّي، أجلى الجبهةِ، أقنى الأنفِ، يملأُ الأرضَ قسطًا وعدلًا)

يافع الملك

غزوة بدر

 

غزوة بدر

 

 

تعد غزوة بدر الكبرى أول معركة في الإسلام قامت بين الحق والباطل؛ لذلك سميت يوم الفرقان، وكانت البداية حينما خرج المسلمون للقاء قافلة أبو سفيان ولم يكونوا خارجين للقتال، ولكن الله أراد لهم النصرة والعزة للإسلام واستئصال شوكة الكفر، فكم كان عدد المسلمين والمشركين في غزوة بدر؟ وما هي النعم التي أنعمها الله على المسلمين في تلك الغزوة؟

عندما هاجر الرسول والمسلمون إلى المدينة شرعوا في تكوين دولتهم الوليدة وسط مخاطر كثيرة وتهديدات متواصلة من قوى الكفر والطغيان في قريش التي ألبت العرب كلهم على المسلمين في المدينة، وفي هذه الظروف الخطيرة أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الإسلام.

واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم سياسة حكيمة في القتال تقوم أساسًا على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على القوافل التجارية المتجهة للشام، وبالفعل انطلقت شرارة السرايا بسرية سيف البحر في رمضان 1هـ بقيادة حمزة بن عبد المطلب وتوالت السرايا والتي اشترك في بعضها الرسول بنفسه، مثل: الأبواء وبواط، حتى كانت غزوة ذي العشيرة عندما جاءت الأخبار للرسول بأن عيرًا لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب قد خرجت إلى الشام فخرج يطلبها ففاتته إلى الشام فرجع المدينة وهو ينتظر عودتها من الشام ليأخذها..

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتمد على سياسة بث العيون وسلاح الاستخبارات لنقل الأخبار بحركة القوافل التجارية وقد نقلت له العيون بأن القافلة راجعة من الشام محملة بثروات هائلة تقدر بألف بعير فندب الرسول الناس للخروج لأخذ هذه القافلة فتكون ضربة قاصمة لقريش ولم يعزم على أحد فاجتمع عنده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معظمهم من الأنصار،ويقال: إن هذا العدد هو عدد جند طالوت الذين عبروا معه النهر ولم يشربوا منها لمذكورة قصتهم في سورة البقرة، ولم يكن سوى فارسين الزبير والمقداد والباقي مشا هو كل ثلاثة يتعاقبون على بعير واحد وخرجوا وهم يظنون أنهم لا يلقون حربًا كبيرة وأرسل الرسول رجلين من الصحابة يتجسسان له أخبار القافلة

الخبر يصل إلى قريش:

كان أبو سفيان قائد القافلة في غاية الذكاء والحيطة والحذر وكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان حتى عرف بخروج الرسول والصحابة لأخذ القافلة فاستأجر رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب إلى قريش ليستنفرها لنجدتهم، وفي هذا الوقت كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي قد رأت رؤيا بهذا المعنى وانتشر خبرها في قريش وسخر منها الناس، على رأسهم أبو جهل لعنه الله، ولكن سرعان ما بان تأويل الرؤيا وعرفت قريش بحقيقة الخبر فثاروا جميعًا وأسرعوا للإعداد لحرب المسلمين،وخرج من كل قبائل العرب رجال سوى قبيلة بني عدي حتى بلغ الجيش المكي ألف وثلاثمائة ومعهم مائة فارس وستمائة درع، ولما أجمعوا على المسير خافوا من غدر قبائل بني بكر وكانت بينهما عداوة وحرب، فتبدى لهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة وقال لهم: "أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه".

العير تفلت:

استخدم أبو سفيان ذكائه وحذره الشديد حتى استطاع أن يعرف موقع جيش المسلمين بـ بدر ويحول هو خط سير القافلة نحو الساحل غربًا تاركًا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار،وبهذا نجا بالقافلة وأرسل رسالة للجيش المكي بهذا المعنى، فهمّ الجيش بالرجوع ولكن فرعون هذه الأمة أبو جهل صدهم عن ذلك، ولكن قبيلة بني زهرة بقيادة الأخنس بن شريق عصوه ورجعوا ولم يشهدوا غزوة بدر.

المجلس الاستشاري:

لم يكن يظن المسلمون أن سير الحرب سيتحول من إغارة على قافلة بحراسة صغيرة إلى صدام مع جيش كبير مسلح يقدر بثلاثة أضعاف جيشهم، فعقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسًا استشاريًّا مع أصحابه ليعرف استعدادهم لمواصلة الحرب المقبلة، وعرض عليهم مستجدات الأمر، وشاورهم في القضية، فقام أبو بكر وعمر والمقداد فتكلموا وأحسنوا، وبينوا أنهم لا يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا، ولا يعصون له أمرًا، فأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر، وقال: "أشيرواعليّ أيها الناس"..

وكان يريد بذلك الأنصار ليتعرف استعدادهم لذلك، فقال سعد بن معاذ: "والله لكأنك تريدنا يا رسول الله!" قال: "أجل"،قال: "فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة؛ فامض يا رسول الله لما أردت؛ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا، وإنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك مناما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله"، فسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم بما قاله المهاجرين والأنصار، وقال: "سيرواوأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين".

قبل غزوة بدر:

تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم واختار مكانًا للقتال أشار الحباب بن المنذر بتعديله ليسهل على المسلمين التحكم في مصدر المياه، وإن كانت هذه الرواية ضعيفة إلا إنها منتشرة بأسانيد كثيرة في كتب السيرة والتاريخ.

الصحابة يأسرون غلامين من جيش قريش، والرسول صلى الله عليه وسلم يستجوبهما ليعرف عدد الجيش ومن على رأسه فيتضح أن الجيش قرابة الألف، على رأسه سادة قريش وكبرائها.

أرسل الله مطرًا من عنده، فنزل بردًا وسلامًا وتثبيتًا على المسلمين،ووابلاً ورجزًا على الكافرين، وقد كان الشيطان قد أصاب المسلمين أثناء نومهم، فاحتلم منهم الكثير، فنزل المطر فطهرهم بذلك.

عندما نزل المسلمون في مقرهم اقترح سعد بن معاذ بناء مقر لقيادة النبي صلى الله عليه وسلم استعدادًا للطوارئ؛ فبنى المسلمون عريشًا للنبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه في العريش لحراسته أبو بكر الصديق لذلك كان علي بن أبي طالب يقول: "أبو بكر أشجع الناس على الإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم"، وأقام سعد بن معاذ كتيبة لحراسة العريش مقر القيادة.

قضى الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة في الصلاة والدعاء والتبتل والتضرع لله وقد عبأ جيشه ومشى في أرض المعركة وهو يقول: "هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله غدًا"، وقد استبشر الناس بالنصر.

أما الجيش المكي فقد وقع في صفهم انشقاق بدأ عندما طلبوا من عمير بن وهب الجمحي أن يدور دورة حول المعسكر الإسلامي ليقدر تعداده، فدار دورة واسعة أبعد فيها ليتأكد من عدم وجود كمائن للجيش الإسلامي، ثم عاد فقال لهم: "عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ فوالله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم".

وهنا دبَّ الرعب في قلوب الكافرين وقامت حركة معارضة بقيادة حكيم بن حزام الذي أقنع عتبة بن ربيعة أن يتحمل دية عمرو بن الحضرمي المقتول في سرية نخلة رجب 2هـ، ولكن فرعون الأمة الذي كان يسعى لحتفه بظلفه أفسد هذه المعارضة، وأثار حفائظ عامر بن الحضرمي، فقال: "هذا حليفك، أي عتبة، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك"، فقام عامر وكشف عن استه، وصرخ قائلاً:"واعمراه واعمراه"، فحمي الناس وصعب أمرهم واستوثقوا على ما هم عليه من الشر".

اندلاع غزوة بدر:

كان أول وقود المعركة  الأسود بن عبد الأسد المخزومي التي وردت بعض الآثار أنه أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة وكان رجلاً شرسًا سيئ الخلق أراد أن يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فقتله حمزة بن عبد المطلب قبل أن يشرب منه، ثم خرج ثلاثة من فرسان قريش هم عتبة وولده الوليد وأخوه شيبة وطلبوا المبارزة، فخرج ثلاثة من الأنصار فرفضوهم، وطلبوا مبارزة ثلاثة من المهاجرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وكانوا أقرب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم واستطاع المسلمون قتل الكافرين.

استشاط الكافرون غضبًا لمقتل فرسانهم وقادتهم فهجموا على المسلمين هجمة رجل واحد ودارت رحى حرب طاحنة في أول صدام بين الحق والباطل وبين جند الرحمن بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجند الشيطان بقيادة فرعون الأمة أبو جهل، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم يناشد ربه ويتضرع ويدعو ويبتهل، وقال: "اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم"،وبالغ الاجتهاد والتضرع حتى سقط رداؤه عن منكبيه.

أغفى رسول الله إغفاءة واحدة ثم رفع رأسه، فقال: "أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع"، فلقد جاء المدد الإلهي ألف من الملائكة يقودهم جبريل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر"، ثم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشً، وقال: "شاهت الوجوه!"، ورمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه.

مواقف خالدة في غزوة بدر:

قام الرسول صلى الله عليه وسلم يحرض المسلمين على القتال، فقال لهم: "والذي نفسي بيده لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض"، فقال عمير بن الحمام: "لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة"، فرمى بما كان معهمن التمر ثم قاتلهم حتى قُتل رحمه الله.

سأل عوف بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟"، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "غمسه يده في العدو حاسرًا"،فنزع عوف درعًا كانت عليه، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل.

جاء غلامان صغيران هما معاذ بن عمرو ومعوذ بن عفراء، وظلا طوال القتال يبحثان عن أبي جهل لأنهما أقسما أن يقتلاه؛ لأنه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل وصلا إليه حتى قتلاه، وقام ابن مسعود بحز رأسه وحملها للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عندما رآها: "الله أكبر والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، هذا فرعون هذه الأمة".

ضرب لصحابة أروع الأمثلة في الاستعلاء بإيمانهم وعقيدتهم، وبينوا لنا كيف تكون عقيدة الولاء والبراء، فلقد قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه وقتل عمر بن الخطاب خاله وهمَّ أبو بكر أن يقتل ولده عبد الرحمن، وأخذ أبو عزيز أسيرًا في المعركة، فأمر أخوه مصعب بن عمير بشد وثاقه وطلب فدية عظيمة فيه.

نهاية غزوة بدر:

استمرت المعركة الهائلة والملائكة تقتل وتأسر من المشركين، والمسلمون يضربون أروع الأمثلة في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينهم ورسولهم حتى انتهت المعركة بفوز ساحق للمسلمين بسبعين قتيلاً وسبعين أسيرًا، ومصرع قادة الكفر من قريش، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطرح جيف المشركين في قليب خبيث في بدر، ثم أخذ يكلمهم: "بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس"، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.

ونزل خبر هزيمة المشركين في غزوة بدر كالصاعقة على أهل مكة، حتى إنهم منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون، فحين جاءت البشرى لأهل المدينة فعمتها البهجة والسرور، واهتزت أرجاؤها تهليلاً وتكبيرًا، وكان فتحًا مبينًا ويومًا فرق الله به بين الحق والباطل.
وكانت هذه الموقعة العظيمة في السابع عشر من شهر رمضان من العام الثاني للهجرة.

قصة قابيل و هابيل

قصة قابيل و هابيل

       

ورد ذكر القصة في سورة المائدة الآيات 27-31.

القصة:

يروي لنا القرآن الكريم قصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل. حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض. وكانت قصتهما كالتالي.

كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا. وفي البطن التالي ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني.. ويقال أن قابيل كان يريد زوجة هابيل لنفسه.. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل. قال تعالى في سورة (المائدة):

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27 ) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) (المائدة)

لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل الشهيد، ويتجاهل تماما كلمات القاتل. عاد القاتل يرفع يده مهددا.. قال القتيل في هدوء:

إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) (المائدة)

انتهى الحوار بينهما وانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا. بعد أيام.. كان الأخ الطيب نائما وسط غابة مشجرة.. فقام إليه أخوه قابيل فقتله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل". جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض. كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد. وحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها.. ثم رأى القاتل غرابا حيا بجانب جثة غراب ميت. وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر الأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب.. بعدها طار في الجو وهو يصرخ.

اندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم. اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى. نقص أبناء آدم واحدا. وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم. واهتز جسد القاتل ببكاء عنيف ثم أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر شقيقه.

قال آدم حين عرف القصة: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبينٌوحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه. مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني. صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض: إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه. ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه.

 

 

الاثنين، 29 سبتمبر 2025

قصة بقرة بنى إسرائيل

 قصة بقرة بنى إسرائيل

  

ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 67-73.

قال الله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ))

القصة:

مكث موسى في قومه يدعوهم إلى الله. ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، وتبدو لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة. فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت. وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا، واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.

إن الأمر هنا أمر معجزة، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، أو المعتاد بين الناس. ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعت، لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني إسرائيل؟ إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم، وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثير الدهشة.

لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل. مجرد التعامل معهم عنت. تستوي في ذلك الأمور الدنيوية المعتادة، وشؤون العقيدة المهمة. لا بد أن يعاني من يتصدى لأمر من أمور بني إسرائيل. وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، ويعاود أمره أن يذبحوا بقرة، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور، تعود اللجاجة والالتواء، فيتساءلون : أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان؟ أم أنها خلق تفرد بمزية، فليدع موسى ربه ليبين ما هي. ويدعو موسى ربه فيزداد التشديد عليهم، وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها بقرة وسط. ليست بقرة مسنة، وليست بقرة فتية. بقرة متوسطة.

إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر، غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات. ما هو لون البقرة؟ لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة؟ لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم، وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع بسيط لا يستحق كل هذه اللجاجة والمراوغة. ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة. فيقول أنها بقرة صفراء، فاقع لونها تسر الناظرين.

وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها.

وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته. سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه ( وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث ) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم.

نود أن نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: ( الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة.

ساعتها قالوا له: "الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ". كأنه كان يلعب قبلها معهم، ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة. ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم: ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق ؟ هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى.

 

لمثل هاذا اليوم فاعمل


 ﴿ (16)  كتيب أخي لمثل هذا اليوم فاعمل ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞

 بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لهر، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد:
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى
في كتاب الله آية تتفطر لها الأكباد، وتخشع لها قلوب الصادقين من العباد ما تأمَّل فيها مؤمن صادق بعقيدة ويقين إلاَّ أسرت قلبه وأشغلت باله وكانت كل همه إنها آية نذير وصيحة تحذير تنذر بيوم لا كالأيام وبوقفة سيحشر فيها كل الأنام.
آية لأجلها بعث الله الرسل، ولأجلها أنزل الكتب، وفيها يفترق الناس: فريق في الجنة وفريق في السعير.
تلك الآية هي قول الله جل وعلا: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281].
إنه يوم ترجع فيه النفس كل نفس إلى بارئها وخالقها!
إنه يوم تحاسب النفس كل نفس على أعمالها وأفعالها! فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8].
أخي: إنه يوم الدين يوم يفزع فيه الأنبياء، فكلامهم يومئذ: «اللهم سلم سلم»، ويرتجف فيه الأولياء فهم على خوف ووجل يوم عبوس قمطرير، تبلى فيه السرائر وتنشر فيه الصحائف، وتفتن فيه الخلائق يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18].
يوم يقوم فيه الأشهاد تسود فيه وجوه وتبيض فيه وجوه يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا [النحل: 111]، يوم يفر فيه المرء من أبيه ويتنكر من أمه وأخيه وصاحبته وبنيه لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 37]، يوم الدين يوم الجزاء يوم الندامة يوم التبديل يوم التلاق يوم الآزفة يوم المآب يوم القضاء يوم الحكم يوم الوزن يوم عقيم يوم عسير يوم مشهود يوم الفصل يوم الفرار يوم لا ريب فيه ولا مرد له من الله. ولا تكلم نفس إلا بإذنه تخشع فيه الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا وكلٌ يومئذ يرجو سلامة نفسه ولا يهمه من حوله يقول: نفسي نفسي!!
أخي: أين أنت من هذا اليوم أين تذكرك لحاله؟ أين همك لفزعه وهوله!
عن أبي هريرة  قال رسول الله : «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم» [رواه البخاري].
قال إبراهيم التيمي: «شيئان قطعا عنِّي لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله».
مثل لنفسك إن غفلت عن الردى

يوم القيامة والسماء تمورُ

إذ كُوِّرت شمسُ النهار وأُدنيتْ

حتى على رأس العباد تسيرُ

وإذا النجوم تساقطت وتناثرت

وتبدلت بعد الضياء تدورُ

وإذا البحار تفجرت من خوفها

ورأيتها مثل الجحيم تفورُ

وإذا الجبال تقلعت بأصولها

فرأيتها مثل السحاب تسيرُ

وإذا الصحائف نُشِّرتْ فتطايرت

وتهتكت للمؤمنين ستورُ

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها

فلها على أهل الذنوب زفيرُ

أخي: إن لكل شيء حقيقة وحقيقة إيمانك بهذا اليوم وأحواله أن تحمل له في القلب همَّك وأن تعمل فيه فكرك وأن تلازم ذكره وتذكره فإنه يوم عسير، على الكافرين غير يسير قد خاب فيه من حمل ظلمًا وقد خسر فيه من كان غافلاً عنه: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: 22]، فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر: 15].
أيا شابًا لرب العرش عاصي

أتدري ما جزاء ذوي المعاصي

سعير للعصاة لها زفير

وغيظ يوم يؤخذ بالنواصي

فإن تصبر على النيران فاعصه

وإلا كن عن العصيان قاصي

وفيما قد كسبت من الخطايا

رهنت النفس فاجهد بالخلاص

يوم الاحتضار
۞۞۞۞۞۞۞


أخي: تقوم قيامة المرء عند موته فتظهر حينها منزلته ويتبين وقتها معدنه فيوم منيته يكشف سره ويتبين نوعه وتتضح أعماله ويجري عليه من الأحوال والصفات والجزاء ما يناسب سالف عمله.
إنَّها لحظة الاحتضار لحظة الفراق المشهودة لحظة يعاين فيها العبد أول معالم الغيب فيشهد وبصره حديد – ملائكة يأتونه وهيأتهم بحسب ما هو عليه من العمل!
وفي الحديث، قال رسول الله : «إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيًا عنك، إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فيخرج كأطيب ريح المسك؛ حتى إنه ليناوله بعضهم بعضًا، حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه. فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا. فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهب به إلى أمه الهاوية.
وإن الكافر إذا حضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطة عليك إلى عذاب الله، فيخرج كأنتن ريح جيفة يأتوا بها باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح؟ حتى يأتوا بها أرواح الكفار».
أخي: فلله در عاقل تأمل ختمته، وأعد لها عدته، فطيب نفسه بالطاعة، وعطر روحه بمرضاة ربه، فراح ينشدها في اتباع أمره، واجتناب نهيه، والمسارعة إلى خيره، يرجو النجاة يوم الاحتضار، والرفعة لحظة الفراق، فما تطيب الأرواح إلا بالعمل الصالح الطيب، الذي يجمع توحيد الله واجتناب الشرك به، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، ويجمع الأعمال الطيبة من الأخلاق الحسنة والعبادات الصحيحة الخالصة، فهذه الأرواح هي التي قال الله عز وجل فيها: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32]، وهي التي يستقبلها خزنة الجنة بقولهم: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر: 73].
وفي الاحتضار أخي تظهر حقائق الأعمال وتبين حقارة الدنيا ودناءتها إذ لا يبدو للمحتضر من شيء ينفعه فيها سوى عمله وبحسبه يختم له وبحسب خاتمته يكن بعثه ففي الحديث قال رسول الله : «من مات على شيء بُعث عليه» [رواه الحاكم، وانظر: صحيح الجامع رقم: 6419].
إذًا فاحتضارك يعكس بعثك ويعكس حالك في قبرك وحالك يوم الحساب!
قيل لمحتضر قل: لا إله إلا الله. فقال: ما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ركبتها ثم قضى ولم يقلها.
وقيل لآخر ذلك فقال: وما يغني عنِّي، وما أعرف أنِّي صليت لله صلاة، ولم يقلها.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فقال: كلما أردت أن أقولها، لساني يمسك عنها.
فهؤلاء أدمنوا على المعاصي فخذلوا عن الشهادة، وختم لهم بالسوء، نسأل الله السلامة.
كم ذا التشاغل والأمل

كم ذا التواني والكسل

حتى متى وإلى متى

يحصى عليك فلا تمل

يا من يعذب نفسه

وعن الصلاح قد امتهل

الموت أقرب نازل

والقبر صندوق العمل

۞۞۞۞۞۞۞


أخي واعلم أن الإنسان ما دام يؤمل الحياة فإنه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجيها الشيطان التوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت، وأيس من الحياة، أفاق من سكرته بشهوات الدنيا، ندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة ليتوب ويعمل صالحًا، فلا يجاب إلى شيء من ذلك، فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت.
قد حذَّر الله تعالى عباده من ذلك في كتابه؛ ليستعدوا للموت قبل نزوله، بالتوبة والعمل الصالح، قال الله تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 54-56].
سمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه ويقول: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.
وقال آخر: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي.
وقال آخر عند موته: لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني.
وقال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون: 99، 100]، وقال تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون: 10، 11]، وقال الله تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ: 54].
وفسر طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله هذه الآية بأنهم طلبوا التوبة حين حيل بينهم وبينها. قال الحسن: اتق الله يا ابن آدم، لا يجتمع عليك خصلتان؛ سكرة الموت، وحسرة الفوت.
وقال ابن السماك: احذر السكرة والحيرة أن يفجأك الموت وأنت على الغرة، فلا يصف قدرة ما تلقى ولا قدر ما ترى. [لطائف المعارف لابن رجب ص575].
لو قيل للقوم: ما مناكم؟ طلبوا

حياة يوم ليتوبوا فاعلمي

ويحك يا نفس ألا تستيقظي

بنفع قبل أن تزل قدمي

مضى الزمان في توان وهوى

فاستدركي ما قد بقي واغتنمي

 
۞۞۞۞۞۞۞


يوم دخول القبر
في ذلك اليوم ينقطع أخي وجود المرء من الدنيا يحمله أهله يبكونه يقبرونه يحثون عليه التراب ويمكثون أيامًا محزونين ثم ينسونه!
أما هو فقد دخل في عالم البرزخ وأقعد يوم دخوله قبره للسؤال فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8].
وتعال أخي نعش مع هذه الموعظة النبوية التي تبين مآل الإنسان في قبره وتخبرنا بما يجري فيه من الغيب.
يقول : «إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل. ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل. فيقال له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس. وقد أذنت للغروب، فيقال له: أرأيت هذا الذي كان قبلكم، ما تقول فيه، وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي. فيقولون: إنك ستفعل. أخبرنا عما نسألك عنه. أرأيت هذا الرجل الذي كان قبلكم. ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد. أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها.
فيزداد غبطة وسرورًا، ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعًا، وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدئ منه فتعجل نسمته فيه النسم الطيب، وهي طير تعلم في شجر الجنة فذلك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ.
وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء، ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء، ثم أتى عن شماله فلا يوجد شيء، ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء، فيقال له اجلس، فيجلس مرعوبًا خائفًا، فيقال: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه، وماذا تشهد عليه فيقول: أي رجل؟ ولا يهتدي لاسمه. فيقال له: محمد، فيقول: لا أدري. سمعت الناس قالوا قولاً فقلت كما قالوا. فيقال له: على ذلك حييت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم يُفتح له من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار، وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورًا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124].
أخي ألا فاستعد للسؤال وتأهب لتلك الأهوال فإن القبر أول منازل الآخرة وفيها تظهر حقائق الأعمال.
كان عثمان بن عفان  إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فسئل عن ذلك قيل له: تذكر الجنة والنَّار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفت على قبر! فقال: سمعت رسول الله  يقول: «إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه».
فلمثل هذا اليوم يعمل اللبيب ففيه صاحب العمل الصالح يظفر وفيه صاحب السوء يخيب.
يوم الحشر
أخي لمثل هذا اليوم فاعمل فإنما فداء نفسك يومئذ عملها الصالح وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا.
مالك يومها لن ينفعك فلا تبع به اليوم دينك!
وجاهك يومها لن يرفعك يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وقال النبي : «يُقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ فيقول: نعم. فيقول الله: كذبت قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك» [صحيح الجامع: 8123].
أخي تذكر أنه فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ، وأن لك رجعة إلى الله إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى، وأنك فيها ستسأل وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ، فاحسب لرجعتك حسابًا، وهيئ للسؤال الجواب، واحذر أن تُطلب للرجوع على غرة، فتتمنى وقتها لو زيد في العمر وتقول: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

معالم على طريق التوفيق 1


  كتيب معالم على طريق التوفيق (1) 
۞۞۞۞۞۞۞

 في بداية الطريق

أحمد الله وأشكره أن وفقك لاختيار هذه الرسالة، لعل وعسى أن تنير دربك وتزيد في إيمانك، وأن تسير في ركاب الموفقين في حياتك الدنيا 
إخواني الفضلاء: 
إن من تأمل في أحوالنا وواقعنا المعاصر الذي نعيش فيه معا، ونظر يمينًا وشمالًا، وجد أن هناك أناسًا قد وفِّقوا في حياتهم الدنيا، وساروا في طريق التوفيق والسداد والرشاد الموصل بإذن الله إلى جنات النعيم. 
أخي الغالي: 
انطلاقًا من قول الباري جل وعلا: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
تأملت هذه الآية الكريمة كثيرًا، فوجدت أن التوفيق عزيز المنال ومطلب سامٍ، وهو عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة، فإذا به فواتح الخير كله؛ أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وما من لحظة وحركة وطرفة عين إلا وأنت تتقلب في نعمه التي لا تعد ولا تحصى، {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
ولا يعرف ذلك ولا يوفق لهذا كله إلا الموفقون
فسألت نفسي ما هي صفاتهم؟! ما علاماتهم؟! ماذا عملوا؟! 
ماذا قدموا؟ ماذا بذلوا؟ لماذا سهروا؟ 
لماذا سافروا؟ لماذا أنفقوا؟ لماذا بكوا؟ 
لماذا صبروا؟ لماذا تكلموا؟ لماذا خافوا؟ 
لماذا تركوا؟ لماذا صَلّوا؟ لماذا أحسنوا؟ 
أسئلة كثيرة وخواطر عديدة، كلها تدور حول التوفيق، وهو سلوك طريق الاستقامة والهدى والرشاد 
إن الخير كله والتوفيق كله بيد الله ، فلما أفلح عبد ونجا من فتنة الدنيا وأناب إلى الآخرة إلا بتوفيق الله سبحانه وإعانته، {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران: 74].
تأمل معي – يا رعاك الله – في هذا الحديث النبوي لترى معنى التوفيق في حياتك. 
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله  إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر. اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحبه ربنا ويرضى، ربنا وربك الله»
[رواه الدارمي في سننه (1639)، وقال الألباني: صحيح بشواهده، انظر: تخريج الكلم الطيب ص139]. 
أرأيت – أيها الموفق – كيف كان نبي الهدى  يتلمَّس التوفيق داعيًا ربه لما يحبه ويرضاه؟ 
نسأل الله الكريم المنان علمًا نافعًا وعملًا صالحًا وتوفيقًا لما يحبه ويرضاه، فهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل. 
محبكم على الطريق
فيصل بن سعيد شهوان الزهراني


۞۞۞۞۞۞۞


قبل الانطلاق
أذكركم بقول ربنا تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].
نعم، إنه الفائز الموفق الرشيد الذي عرف ربه وآمن به، ثم استقام على طاعته حتى الممات، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وإحسانه، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]. {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12].
تأمل – أيها الموفق – كلمة «صبروا»؛ 
صبروا على طاعة ربهم في زمن الغربة! 
صبروا وابتعدوا عن الآثام والملذات والمغريات في حياتهم الدنيا! 
صبروا على ما نزل بهم من الأقدار والأكدار! 
ولا يوفق لهذه الأنواع الثلاثة إلا من وفقه ربه العلي العظيم. 
قال الله تعالى لنبيه : {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج].
إن من أول معالم توفيق الله لعبده المؤمن أن يرزقه اليقظة والمحاسبة في حياته الدنيا، فتراه خائفًا أن يزيغ قلبه، أو تزل قدمه بعد ثبوتها، تراه يجأر إلى الله؛ يسأله الثبات والتوفيق في كل ساعة وحين، غير مبدل ولا مغير {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]. 
نعم، لقد كان أكثر دعاء رسول الله : «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك». 
عن أنس بن مالك  أن رسول الله  كان يقول: «يا وليَّ الإسلام وأهله، ثبِّتني به حتى ألقاك». [السلسلة الصحيحة 1823]. 
هكذا الموفق يسير في حياته الدنيا، موفقًا مُسددًا حتى يلقى ربه على خاتمة طيبة وعمل صالح. 
يسير في الدنيا، يأكل ويشرب، وينكح ويتمتع، ويعمل ويكدح ويسافر هنا وهناك، لكن قلبه معلق بدار القرار. 
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
ويقول ربنا في محكم التنزيل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
* * *
 
مدرسة التوفيق!
يقول ابن القيم (رحمه الله): «وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه وإعانتهُ؛ فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك. فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به والخذلان في مواضعه اللائقة به وهو العليم الحكيم». 
نعم يا ابن القيم في أي مدرسة درست، أو من أي جامعة تخرجت؟! 
إنها مدرسة التوفيق بفضل الكريم المنان. 
إنها كلمة تهز القلوب هزًا، تجعله يتلفت يمينًا وشمالًا في حاله وكلامه وعمله ومدخله ومخرجه، هل هو سائر على طريق التوفيق والسداد أم لا؟! 
قال الحكيم العليم: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [الإسراء: 80].
وإذا أحب الله عبدا وفقه وحباه، وجعل من أخلاقه الرحمة والحب والعطاء، والصبر والوفاء والكرم والعفو، والتجاوز عن الغير، والتواصل بالبر والإحسان، وهذا – وربي – طريق التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة خير وأبقى. 
تأمل وفقك الله في هذا الحديث النبوي: 
عن أبي عنبة الخولاني  قال: سمعت رسول الله  يقول: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته». [السلسلة الصحيحة 2442]. 
فأي منزلة، وأي توفيق، وأي فضل هذا أن يوفقك ربك لإعلاء كلمته ونصرة دينه وتتبع مرضاته؟! وبقدر ما تقدم وتبذل لدينك يجتبيك ربك ويوفقك ويحفظك، وهو خير الحافظين، والجزاء من جنس العمل. 
ويؤكد ابن رجب (رحمه الله) هذا المعنى الراقي قائلًا: « التوفيق كله بيد الله ، فمن يُسر عليه الهدى اهتدى، ومن لم يُيسره عليه لم يُتيسر له ذلك»، وفي الحديث قوله : «أما أهل السعادة، فيُسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُسرون لعمل أهل الشقاوة». [رواه البخاري ومسلم]. 
ويحلِّق بنا ابن القيم (رحمه الله) قائلًا: «وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكل شرٍّ فأصله خذلانه لعبده، وأجمعوا أن التوفيق ألَّا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلِّي بينك وبين نفسك، والتوفيق بيد الله، فمفاتحه: الدعاء، والافتقار، وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أُعطي العبد هذا المفتاح، فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضله عن المفتاح، بقي باب الخير مرتجًّا دونه». 
ويؤكد الشيخ خالد المصلح – حفظه الله – على هذا المعنى بقوله: «من أعظم أسباب التوفيق الكبرى: سلامة القصد، وصفاء النية وخلوصها من الغل والدغل؛ ولهذا قال الله  مُنبهاً على هذا المعنى في الحكمين عند اختصام الزوجين {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].
ورحم الله من قال: إذا حانت فرص الأجر فلم يغتنمها العبد، ودعاه داعي الخير فأعرض عنه؛ فهذا من خذلان الله – عياذاً بالله – ألم يقل ربنا: {وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46].
فينبغي أن نجيب داعي الخير دائما، وهذا لا يتأتى إلا بتوفيق رب العالمين». 
يقول الشيخ سفر الحوالي حفظه الله: «إن القلوب تنشط أحيانا وتتكاسل أحيانا، والواجب علينا أن نستغل ساعة نشاطها في قطع الطريق إلى الله، أما ساعة فتورها فلا تفتر، بل علينا أن نجاهدها ونضربها بسياط الخوف من الله تعالى، ونحدوها بحادي الرجاء. 
وتأمل في هذا الأفق البعيد حيث قال أبو سليمان الداراني (رحمه الله): «إن التوفيق على قدر القُربة!». 
وصدق: أي على قدر طاعتك وقربتك واجتهادك في عمل الطاعات آناء الليل وأطراف النهار، يكون توفيقك من ربك الكريم المتعال، فالتوفيق ينزل من عند الله – جل في علاه – الذي بيده خزائن السموات والأرض، فتضرع، وانكسر، وانطرح، وألح، وسارع في الخيرات وأكثر من السجود بين يديه، واقرع أبواب السماء، واستمطر التوفيق من ذي الجلال والإكرام. {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
أيها الموفق، يناديك ابن الجوزي (رحمه الله) قائلا لك:  متى رأيت في نفسك عجزًا فاسأل المنعم، أو كسلاً فالجأ إلى الموفق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولا يفوتك خير إلا بمعصيته. 
وقد أجمع العلماء على أن التوفيق: ألا يكل الله العبد إلى نفسه، وأن الخذلان كل الخذلان أن يخلي بينه وبين نفسه. 
وبين لنا ابن تيمية (رحمه الله) الطريق إلى التوفيق بقوله: وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته. 
فتحسس – يا رعاك الله – مواضع قدميك، وانظر أين تسير بهما. 
إضاءة على الطريق: 
اللهم إنا ندعوك باسمك الأعظم 
أن توفقنا لمرضاتك، وأن تستعملنا في طاعتك 
يا أكرم من دُعي، ويا خير من رُجي. 

۞۞۞۞۞۞۞


تأملوا وتفكروا!!
أبو طالب بالقرب من الحجر الأسود! 
أبو لهب عند زمزم! 
أبو جهل بجوار الصفا والمروة! 
لكنهم لم يُوفقوا إلى الهدى والنور والإيمان! لم يُوفقوا لوضع جباههم لربهم! 
ولم يستجيبوا لرسول الله ، إنه الخذلان والحرمان من حرمة الرحيم الرحمن. 
ورحم الله من قال: الأنساب والبقاع لا تزكي أحدا. 
أما صهيب الرومي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وأبو هريرة، وبلال الحبشي، وابن مسعود، فقد جمعتهم كلهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله. 
وفقهم الباري بتوفيقه، فشقوا الطرق والأودية والهضاب، يحملهم الحب والحنين لرسول رب العالمين؛ حتى وصلوا مكة وعاشوا على أرضها وتحت سمائها، فاطمأنت قلوبهم وأرواحهم، ونالوا شرف صحبة رسول الله ، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فرضوان الله عليهم، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
بل، وتأمل في قول الحق تبارك وتعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
قال ابن كثير (رحمه الله): «هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتًا أي: في الضلالة هالكًا حائرًا، فأحياه الله أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له، ووفقه لإتباع رسله». 
وكما قيل: «الناس كلهم متساوون في تلقي نور الهداية ورسالة الوحي: كتاب الله وسنة رسول الله ، وبعد ذلك يأتي توفيق الله ورعايته. {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125]».


۞۞۞۞۞۞۞


بل انظر معي إلى فضل الله وكرمه وتوفيقه: 
بلقيس خرجت إلى سليمان  ترجو الحفاظ على عرشها وملكها، فرجعت مسلمة لله رب العالمين {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
وتأمل في كرم الكريم الأكرم وتوفيقه لعبده: 
• عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، كيف كان؟ وكيف أصبح؟ كان راعيًا لغنم سيده الكافر عقبة بن أبي مُعيط، يخدمه ليلًا ونهارًا، ثم أصبح بعد ذلك خادمًا لمن؟! لرسول رب العالمين . 
• وهذا النجاشي ملك الحبشة لم ير النبي  في حياته، فيلتقي مع أحد أصحاب النبي  فيسمع آيات تتلى من القرآن العظيم، ويسمع عن أخلاق نبينا الكريم في موعظة قصيرة، فتقوده إلى الإيمان والإسلام ويموت عليهما، ثم يصلي عليه نبينا  صلاة الغائب، رسول رب العالمين يصلي ويدعو له بالرحمة والمغفرة. 
فأي توفيق بعد هذا؟! 
فتوفيق الله للعبد لا يكون بالنسب، ولا باللون، ولا بالوطن، وإنما فضل الله يؤتيه من يشاء. 
• وهذا سُراقة بن مالك في بداية أمره يريد القبض على رسول الله ، ويسلمه لزعماء قريش في مكة؛ لينال «الجائزة الدنيوية» مائة ناقة، وإذا بالأمور تنقلب رأسًا على عقب، ويصبح يرد الطلب عن رسول الله ، فجعل لا يلقى أحدًا من الطلب إلى رده، قائلا: كفيتم هذا الوجه! أي: هذا الطريق. 
فلما اطمأن أن النبي  وصل إلى المدينة، جعل سراقة يقص ما كان من قصته وقصة فرسه، واشتهر هذا عنه، وتناقلته الألسن حتى امتلأت به نوادي مكة. 
لقد عاد بعد هذه المغامرة الخاسرة ماديًا بأوفر ربح وأطيب رزق، وهو رزق الإيمان والهداية والتوفيق، ثم يُتوج بعد ذلك بأفضل من مائة ناقة؛ بسواري كسرى، فسبحان مقلب القلوب، وموفق من شاء من عباده! 
وفي هذا المقام – مقام التوفيق – يقول الحسن بن علي بن أبي طالب : يا أصمعي، إن الله خلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبدًا حبشيًا، وخلق النار لمن عصاه، وإن كان ولدًا قرشيًا! يا أصمعي، أما سمعت قول الله جل وعلا {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} [المؤمنون: 101].
ولنعلم ونحن في بداية طريقنا أن من أعظم العقوبات هو إصابة الإنسان بالخذلان في حياته الدنيا والغفلة عن آخرته {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].
عندها يصرخ صرخة الندم والألم! {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100].
قال الفضيل بن عياض (رحمه الله): «من استحوذت عليه الشهوات، انقطعت عنه مواد التوفيق». 
نعم، إنها مواد التوفيق والخيرات والبركات والفضائل. 
نُذكر بذلك؛ لتعرف – أيها الموفق – أين تضع خطواتك في سيرك إلى ربك. 
وفي رسالة لطيفة يقول الشيخ صالح المغامسي حفظه الله: أعظم شيء ارتفع وصعد إلى السماء الإخلاص، وأعظم شيء نزل إلى الأرض التوفيق، وبقدر الإخلاص يكون التوفيق. ا.هـ. 
وأعظم أمر يستدل به المرء على إخلاصه عبادته في حال السر والخفاء، فإن قام بطاعة الله عند غياب الناس إليه فهو مخلص، كما ذكر ذلك الشيخ عبد العزيز الطريفي وفقه الله. 
والآن، هيا بنا – أيها الأحبة – نقف وإياكم على هذه المعالم على طريق التوفيق؛ لعلنا نسير في ركابهم، ونقتفي آثارهم، فالقافلة في انتظارنا. 
إضاءة على الطريق: 
التوفيق: 
لا يُطلب بالمال ولا بالحسب ولا بالجاه. 
وإنما توفيق من الله يصطفي من يشاء من عباده. 

۞۞۞۞۞۞۞

 
أولًا: القرآن الكريم

إن من أعظم معالم التوفيق: حبك للقرآن الكريم، والعيش معه، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، والعمل به والدعوة إليه، ودعمه وتشجيعه. 
القرآن الذي ما أُعطي حقه وقدره في هذا الزمان {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9].
أيها الموفق تأمل في هذا الأجر الكبير: 
عن عقبة بن عامر : خرج رسول الله  ونحن في الصفة فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله  خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع ومن أعدادهن من الإبل». [صحيح مسلم]. 
الله أكبر ولله الحمد! 
كم تستغرق هذه الآيات من دقائق معدودة، فترى العبد الموفق مثلا بعد صلاة الفجر أو العصر يجلس في مسجده ولو لعشر دقائق يقرأ ويتدبر في كتاب ربه ومولاه، يحرك قلبه ويستجيش مشاعره، يجمع من الحسنات آناء الليل وأطراف النهار، يستزيد منه رحمة وهدى وشفاء وتوفيقا. 
تأمل أيها الموفق: 
عن عبد الله بن مسعود  قال: قال رسول الله : «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». [رواه الترمذي (2910)، وقال حديث صحيح]. 
إنه القرآن الكريم! أعظم كتاب نزل من السماء {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105].
قال بعض السلف: «القرآن ثقيل لا يقدر أن يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق مزين بالتوحيد». 
ألم يقل ربنا: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]؟
يقول الصحابي الجليل أبو هريرة : «البيت الذي يتلى فيه كتاب الله كثر خيره، وحضرته الملائكة، وخرجت منه الشياطين، والبيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله، وقل خيره، وحضرته الشياطين، وخرجت منه الملائكة». ا.هـ. 
{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
ويهتف الشيخ صالح المغامسي حفظه الله قائلاً: «لا يُرام صلاح قلب وإصلاح نفس إلا بالقرآن، ولا يقام ليل حق القيام إلا بالقرآن، ولا يوجد كتاب قرأته كنت أقرب إلى ربك أعظم من القرآن، ولا شفاء لأرواح الموحدين وقلوب العابدين إلا بالقرآن». ا.هـ.
أخي الموفق: 
تأمل في هذه الآية التي تهز قلب المؤمن وتزيده إيمانا وحبا وإقبالا على كتاب ربه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51].
أيها الموفق: 
أكثر من قراءة كتاب ربك الكريم، ليلًا ونهارًا، ابدأ يومك بالقرآن واختم يومك بالقرآن، واجعل لك وردًّا لا يفوتك أبدًا بإذن الله، اجعل لك محفوظًا يوميًا ولو آية واحدة من كتاب الله، تزيد بها إيمانك، إن العجز كل العجز من عجز عن حفظ ودراسة وتفسير آية واحدة فقط، ابذل الجهد، فرّغ نفسك، لا يمر عليك يوم إلا وقد قرأت فيه القرآن، اجعل بجوارك تفسيرًا ميسرًا، تطالع فيه ما لا تعرفه وتجهله، مع الاجتهاد في العمل به، والدعوة إليه، فإن هذا هو طريق الموفقين. 
إضاءة على الطريق: 
كتاب الله بين يديك.  
فماذا أعطيته من جهد ووقت وتلاوة وتدبر وعمل واستجابة؟ 
أجب على نفسك بكل صراحة! 

۞۞۞۞۞۞۞

ثانيًا: السنة نجاة

ومن معالم التوفيق السير على ما سار عليه محمد ، واتباع سنته ظاهرًا وباطنًا؛ في صلاته وصيامه وحجه وذكره وبيعه وشرائه وبيته ومعاملته وحِلَّه وترحاله، وفي كل شأن من شئون حياته، بل لا يكتفي بذلك، بل يدعو لها ويبلغها أسرته وأقاربه وأحبابه وجيرانه وكل من يعرف. هذا دأب الموفق إلى أن يلقى ربه وهو على سنة المصطفى . {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163].
هذا هو الإسلام حقًّا، حياتك كلها لله، وهذا والله هو طريق التوفيق. 
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].
فالسنة كالسفينة؛ من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق كما قال مالك (رحمه الله)، وبقدر ما تعلم وتعمل بسنة رسولك  يكون توفيقك وسعادتك في الدنيا والآخرة. 
هذا فاروق هذه الأمة يقول: والله إني لأُقبّلك، وأني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله  قبَّلك ما قبلتُك. 
وهذا يدل دلالة واضحة صادقة في اتباع سنة نبينا محمد  والحرص عليها قولًا وعملًا. 
قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله): وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدِّين وحُسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي  فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه. 
يقول الشيخ صالح بن طالب حفظه الله: منزلة المؤمن تقاس باتباعه للرسول ، وكلما كان تطبيقه للسنة أكثر كان عند الله أعلى وأكرم؛ فالتمسك بالسنن تحصين للفرائض والواجبات، وباب لزيادة الأجر والحسنات وجنوح إلى الأجمل والأكمل، وهو شرف الاتباع وحلاوة الاقتداء، فلا تزيغ به الأهواء، وفوق هذا كله محبة الله الجليل. 
ويذكرنا الحافظ ابن حجر (رحمه الله) بقوله: وقد كان صدر الصحابة ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، لا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما. 
، ذلكم هو الجيل المتميز الموفق. 
آهٍ ثم آه! كم تُركت من سُنة من سنن المصطفى في هذا الزمن مع الأسف! وما ذاك إلا لضعف الإيمان في تلك القلوب، وعدم استشعار الأجور الكبيرة المترتبة على ذلك، وسيأتي علينا يوم نعرف فيه قدر وعظمة الحسنة الواحدة. 
بل إن من علامات حب السُّنة النبوية أيها الموفق ما يلي: 
• كثرة قراءتها ومطالعة كتبها – وها هي بين أيدينا مطبوعة أجمل الطبعات الفاخرة – صحيح البخاري، ومسلم، إلخ، فهل من قارئ لها؟ 
• محاولة حفظها والحزن والأسف على فوات ذلك. 
• الفرح بمجالسها ومنتدياتها ولقاءاتها. 
• الشوق إليها إذا طالت الغيبة عنها. 
• تطبيقها في جميع جوانب الحياة. 
• كما ذكر ذلك د: خالد اللاحم في كتابه الرائع مفتاح تدبر السنة، بل وتأمل في كلام ابن بطة (رحمه الله) في الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة قال: 
ومن السنة اتباع رسول الله ، والاقتفاء لأمره، والاقتداء بهديه والأخذ بأفعاله، والانتهاء إلى أمره، وإكثار الرواية عنه في كل ما سنّه واستحسنه وندب إليه، وحرض أمته عليه ليتأدبوا به، فتحسن بذلك في الدنيا آدابهم، ويعظم عند الله قدرهم. 
ويقول الدكتور خالد أبو شادي – وفقه الله – في رسالة بعنوان: حبا بحب. 
إنه باب عظيم أن تحيا ورسول الله  في خاطرك، في ضميرك، يُملي عليك أفعالك، أقواله تصنع أفعالك، سيرته تصوغ سيرتك في امتزاج بديع، وتآخ رفيع بينك وبين نبيك ، والحب كان ولا يزال ثمرة المعرفة، فكلما كانت معرفتك بنبيك أكبر، كلما كان حبك له أقوى واقتداؤك به أشد؛ لأجل هذا كان الناس متفاوتين في محبتهم لنبيهم واقتدائهم به تبعًا لتفاوت معرفتهم به وبقدره. 
أيها الموفق: 
ارفع رأسك، واعتز بدينك، واتبع نبيك؛ فهو الأسوة والقدوة لك، وسر على بركة الله؛ فإنك على الحق المبين. 
وتذكر دائما قول فاروق هذه الأمة : «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]».
قال ابن سعدي (رحمه الله): «وهذه الأسوة الحسنة إنما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول ». 
وصدق الله: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
إضاءة على الطريق: 
كتاب الموفق من جعل سنة نبيه .  
أمام عينيه، متبعًا لها عاملًا بها، داعيًا إليها. 
۞۞۞۞۞۞۞
 

الأحد، 28 سبتمبر 2025

الاحتضار عند الموت


 ﴿ (15)  كتيب لحظات الاحتضار ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞

 بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم: تذكر أن الآخرة مقبلة، وأن الدنيا مدبرة، وأن الموت حقيقة لا محيد لك عنها، وشراب لا بد لك أن تشربه، وباب لا أبالك أن تلجه. فهل أعددت للقبر عدته؟ وللسؤال جوابه؟ !!
فلا أحد يجهل حقيقة الموت، ولا أحد يجادل في وقوعه وحصوله، ولكن أين من يصدق علمه عمله؟ ومقاله فعاله؟ !! ولذلك قيل: ما رؤي شيء يقين أشبه بالشك من الموت!!
فالموت يأتي بجهازه على الصغير والكبير، والرفيع والوضيع، والغبي والذكي والأبله والداهية، والمعسر والموسر، والملك والمملوك.
قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ.
وقال سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فالعاقل من يفكر في المآل، ويدع ما يكون مصيره إلى زوال، ويشغل النفس بالبر والتقوى وما فيه خير الآخرة والعقبة.
والهالك، من أتبع نفسه هواها، وضيع أيامه في شهوات وملذات، وولج أبواب المعاصي والسيئات، وباع خسيسًا بنفيس.
يا نفس ويحك! للمتاب فبادري

من قبل أن تأتي الذنوب مسطره

يا نفس جدي في التقى وتزودي

عملاً وكوني للقا مستشعره

يا نفس كم قوم على الدنيا احتووا

ظلمًا وما لهم إذا من آخره

يا نفس توبي اليوم من قبل الردى

فعسى تكوني في غد مستبشره

وتذكر أخي الكريم: أن الدنيا أيام معدودة، مستعارة مردودة، وأنك فيها في ابتلاء وأنها لك دار حظ وعمل، وأنه لا مفر لك من نهاية الأجل، وأن القبر فتنة وحساب فإما نعيم وإما عذاب، وأن المرء يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه. ففريق في الجنة وفريق في السعير.
فهل أعددت للموت عدته؟ وهل فكرت يومًا في وحشة القبور؟ وهل تأملت في أهوال الحشر والنشور؟ 
أعد على فكرك أسلاف الأمم

وقف على ما في القبور من رمم

ونادهم أين القوي منكم

والقاهر أم أين الضعيف المهتضم

تفاضلت أوصافهم فوق الثرى

ثم تساوت تحته كل قدم

۞۞۞۞۞۞۞
 
أولاً: لحظات المحتضرين
أخي الكريم: هل فكرت في يوم من الأيام كيف ستكون خاتمتك؟ هل خلوت بنفسك يومًا وسألتها: كيف قد تكونين يا نفسي ساعة الاحتضار؟ كيف سيكون حالك والناس مجتمعون حولك يبكون، ويتأسفون ولا أحد منهم يجد لك حيلة أو شفاء؟ 
كيف سيكون جوابك إن لقنك الحاضرون «لا إله إلا الله»؟ هل ستقولينها أم ينقبض اللسان؟ هل ستقبلينها أم تردينها فيختم لك بالكفر؟ 
فلربما كانت تلك الأسئلة من دواعي يقظتك، ومن موجبات زوال غفلتك، وانقطاعك عن اللهو واللعب، وتناسي لحظات الاحتضار العصبية، وثواني الفراق الأليمة، حيث سكرات الموت وخروج الروح وانتهاء العمر والأجل.
أخي: 
هب أنك قد ملكت الأرض طُرًا

ودان لك البلاد فكان ماذا

أليس غدًا مصيرك جوف قبر

ويحثو الترب هذا ثم هذا

فتفكر يا عبد الله، فإنما هي أيام ولحظات وساعات معدودات، ويأتي داعي الموت، فلا هروب ولا محيد. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ.
مشيناها خطى كتبت علينا

ومن كُتبت عليه خطى مشاها

وأرزاق لنا متفرقات

فمن لم تأته منا أتاها

ومن كتبت منيته بأرض

فليس يموت في أرض سواها

۞۞۞۞۞۞۞

من أحوال المحتضرين: 
ولا بأس أخي الكريم، أن أذكر لك بعض لطائف المحتضرين، ممن فتح عليهم لحظة الموت بالثبات واليقين وختم لهم بصالح الأعمال، جزاء ما قدموا في حياتهم من الطاعات والقربات.
فقد حكى القرطبي في كتابه التذكرة: عن شيخ شيخه أحمد بن محمد القرطبي أنه احتضر فقيل له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول: لا. فلما أفاق ذكرنا له ذلك، فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن يساري. يقول أحدهما: مت يهوديًا فإنه خير الأديان. والآخر يقول: مت نصرانيًا فإنه خير الأديان. فكنت أقول لهم: لا. لا. أنى تقولان هذا!! فكان الجواب لهما (لا) لكم.
فالله، الله، إذا نزل بك الموت، فلا يكن لك هم إلا الثبات على الدين والاستغفار من الذنوب، والتوبة النصوح، لعلك تلقى ربك طاهرا نقيًا. فإن عوارض الفتن عند الاحتضار لا تحصى، فربما وجد المرء تشوقًا إلى الدنيا، وانزعج لفراق الأحبة، أو ضعف عن تحمل سكرات الموت وزفراته، أو فتنه شيطان مريد فمال الإنسان عن دينه نسأل الله الثبات وحسن الخاتمة.
وعن عبد الله بن الإمام أحمد، قال: حضرت وفاة أبي، فكان يغرف ثم يفيق ويقول: لا بعد. لا بعد. فعل هذا مرارًا، فقلت له: يا أبتّ أي شيء يبدو منك؟ قال: الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله يقول: فتني يا أحمد. وأنا أقول: لا بعد حتى أموت.
فتذكر – أخي الكريم – عسر هذه اللحظات، وتذكر ما يحصل فيها من البلاء والفتن، فوالله إنها لأحرى بالتذكر والتأمل، والاستعداد والتشمير عن ساعد الجد بالانتهاء عما حرم الله، وفعل ما افترضه وأوجبه، والإكثار من الخيرات وما ينفع في الدار الآخرة. فإن ذلك من أعظم ما يسهل على المرء سكرة الموت، ويجعله ثابتًا موقنًا من دينه ساعة الاحتضار.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر ويقرأ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 54، 55].
وهذا العلاء بن زياد لما حضرته الوفاة، بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كنت والله أحب أن استقبل الموت بتوبة. قالوا: فافعل رحمك الله فدعا بطهور فتطهر، ثم دعا بثوب له جديد فلبسه، ثم استقبل القبلة، فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك، ثم اضطجع ومات. ولما احتضر عامر بن عبد الله بكى، وقال: لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون، اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي، وأتوب إليك من جميع ذنوبي، لا إله إلا الله ثم لم يزل يرددها حتى مات.
ومن لطيف قدرة الله، أنه سبحانه وتعالى يثبت المؤمنين بالقول الثابت لحظة الاحتضار وما ذلك إلا ثمرة صبرهم وتقواهم وملازمتهم للطاعات وبعدهم عن الخطايا والمعاصي والسيئات.
وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله، عند موته يقول: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحد النظر. فقالوا له: إنك لتنظر نظرًا شديدًا يا أمير المؤمنين. قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تاليًا يتلو: تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83].
أخي: 
فكن بالله ذا ثقة وحاذر
هجوم الموت من قبل أن تراه

وبادر بالمتاب وأنت حي
لعلك أن تنال به رضاهُ

۞۞۞۞۞۞۞


ثانيًا: كيف نستعد للموت؟
أخي المسلم: أما وقد عرفت أن لحظة الاحتضار، لحظة امتحان، وأن الموت حتم لازم، ليس منه بد ولا منه مفر، فكن لتلك اللحظات على استعداد، وتزود بالتقوى ليوم المعاد، واعلم أنك تموت على ما حييت عليه، وأنك تبعث على ما مت عليه. فكيف نستعد للموت؟ !
1- اجتناب المنهيات: 
فاجتنب أخي الكريم ما نهاك الله عنه، وجاهد نفسك بالابتعاد عن الشهوات والشبهات واعلم أن الله جل وعلا يغار على محارمه. فعن أبي هريرة . أن النبي  قال: «إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرءُ ما حرم الله عليه». وقد أوعد الله جل وعلا من تعدى حدوده وانتهك حرماته بالفتنة والعذاب. فقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63].
واعلم حفظك الله، أن جملة ما نهى الله جل وعلا عنه يتلخص في ثلاثة أمور: 
الأول: الشرك. الثاني: الظلم. الثالث: الفواحش.
قال تعالى في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان: 68].
فعامة ما نهى الله جل وعلا ينضوي تحت هذه الثلاثة. فمن وفق لاجتنابها فقد استعد للموت حق الاستعداد، وكان اجتنابه نجاة له يوم المعاد.
فقد حرم الله جل وعلا عنه الشرك وجعله موجبًا للخلود في النار فقال: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء».
وحرم الظلم فقال: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [الحج: 71].
وعن جابر  أن رسول الله  قال: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» [رواه مسلم، 2578].
وحرم الله جل وعلا الفواحش فقال: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ[الشورى: 37]. فهذه الثلاثة أصول المنهيات كلها، فمن حقق اجتنابها فقد اجتنب عامة ما نهى الله عنه. من الغيبة والنميمة والكذب وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والغش والخداع والمكر والغدر والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك مما يعد انتهاكًا لحرمات الله وحدوده.
نادي القصور التي أقوت معالمها

أين الجسوم التي طابت مطاعمها

أين الملوك وأبناء الملوك ومن

ألهاه ناضر دنياه وناعمها

أين الأسود التي كانت تحاذرها

أسد العرين ومن خوف تسالمها

أين الذين لهوا عما له خلقوا

كما لهات في مراعيها سوائمها

أين العيون التي نامت فما انتبهت

واهًا لها نومة ما هب نائمها

2- أداء الفرائض والواجبات: 
ولا تنجلى حقيقة إسلام العبد إلا بأداء ما افترضه الله عليه، ومن ذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلا، فهذه هي ثوابت الإسلام وأركانه. فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله  يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».
فمن حافظ على هذه الفرائض وأداها على الوجه الذي يليق كما بين رسول الله  فقد جمع خصال الخير والفضل، وكان له ذلك أكبر عون على سكرات الموت ووحشة القبر وأثابه الله على ذلك أجرًا عظيمًا.
فعن أبي هريرة : أن أعرابيًا أتى النبي  فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة، قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا فلما ولى»، قال النبي : «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا».
نسأل الله أن يوفقنا للاستعداد ليوم الحاجة والمعاد، باجتناب ما حرم وفعل ما أمر ولا يجعلنا في النادمين ولا من الذين يطلبون الرجعة، ويسهل علينا شدة القبر وعلى جميع المسلمين.
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى

تقلب عريانًا وإن كان كاسيا

وخير خصال المرء طاعة ربه

ولا خير فيمن كان لله عاصيا

3- تذكر الموت ومحاسبة النفس: 
أخي الكريم: ومما يعلي الهمة، ويدفع النفس إلى الاستعداد للموت، دوام ذكره ومذاكرته، وتوقع حصوله في كل لحظة وحين، ومحاسبة النفس على الأقوال والأفعال والخواطر.
قال سفيان: من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار.
وقال حاتم الأصم: من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم. ولذلك فقد رغب رسول الله  في زيارة القبور لما لها من أثر بليغ على النفوس. فعن علي  عن النبي  قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكركم الآخرة».
وروي عن داود الطائي أنه مر على امرأة تبكي على قبر وهي تقول: 
عدمت الحياة ولا نلتها
إذا كنت في القبر قد لحدوكا

فكيف أذوق طعم الكرى
وأنت بيمناك قد وسدوكا

ثم قالت يا ابناه ليت شعري بأي خديك بدأ الدود؟ فصعق دواد مكانه وخر مغشيًا عليه.
فأكثر أخي الكريم، من ذكر هادم اللذات، واعلم أنه آت لا محالة، واستعد للحساب وامتحان القبر.
قال عمر بن الخطاب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.
ولذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه كل وقت وحين على أداء الفرائض، واجتناب النواهي وأين قضى يومه، ومن أين اكتسب ماله، وفيم أنفقه، وماذا بطش بيده وأين سارت رجله، وماذا رأت عينه وماذا سمعت أذنه؟ 
فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداومًا على التوبة والاستغفار مما يجده من التقصير والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء.
3- الإكثار من الطاعات والقربات: 
ومن ذلك الحرص على النوافل والأذكار، وأعمال الخير وبذل المعروف، والتخلق بالخلق الحسن مع الناس، فإنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من الخلق الحسن.
قال رسول الله : «كل معروف صدقة».
وقال : «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة».
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموتُ دعا عمر فقال له: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار ولا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فرضيته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدًا أن يكون ثقيلاً».
فاغنم العمر وبادر
بالتقى قبل الممات

وأنب وارجع وأقلِعْ
من عظيم السيئات

واطلب الغفران ممن
ترتجي منه الهبات

ثم نادي في الدياجي
يا مجيب الدعوات

اعف عنا يا رحيما
وأقلنا العثرات

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التوحيد والشرك

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

نذكر في هذا الموطن أمرين على أحدهما مدار سعادة العبد في الدنيا والآخرة.

وعلى الآخر مدار شقاوة العبد في الدنيا والآخرة.

ألا وهما التوحيد والشرك

.

التوحيد الذي من أجله خلق الله الخليقه، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)﴾. التوحيد الذي من أجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، قال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ

وقال الله عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إليه أنه لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾.

 التوحيد الذي من أجله شرع الله عز وجل الجهاد، قال الله عز وجل: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)﴾.

التوحيد الذي هو رأس الفضائل، فعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شُعْبة، فأفضلُها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعْبة من الإيمان».

التوحيد الذي من مات عليه دخل الجنة، قال الله عز وجل ﴿فَاعْلَمْ أنه لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وعنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أنه لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الْجَنَّةَ». أخرجه مسلم, وعن معاذِ بن جبل، قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-: "من كان آخرُ كلامهِ لا إله إلا اللهُ دخل الجنة" أخرجه أبو داود (3116), وفي سنده صالحُ بن أبي عَرِيبٍ لكنه في الباب .

التوحيد الذي هو أعظم ما يؤدي إلى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل لا شفاعة لغير موحد، قال الله عز وجل: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)﴾. وفي حديث: أبي هريرة رضي الله عنه عند "البخاري" قَالَ: يا رَسولَ اللهِ مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ قالَ رَسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبَا هُرَيْرَةَ أنْ لا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ».

التوحيد الذي لا يدخل الجنة إلا أهله، في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي: «وَالذِّي نَفْسِي بِيَدِه لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ», في أدلة كثيرة في الباب .

وأول ما بدأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعوته التوحيد، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  يسير في الأسواق ذي المجاز, والمجنة وعكاظ والموسم يعرض نفسه على قبائل العرب يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا». أخرجه الدارقطني عن طارق المحاربي رضي الله عنه

وقَالَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمرتُ أَنْ أُقاتِل النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا لاَ إِلهَ إِلاَّ الله فَمَنْ قَالهَا، فقَدْ عَصَمَ مِني مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّه، وَحِسَابُهُ عَلى الله» متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنه.

و وعن طارق بن أشيم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مَن دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ علَى اللهِ» أخرجه مسلم.

التوحيد حسنته لا تحبط إلا بالشرك، وإلا فهو أعظم حسنة، قال الله عز وجل: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] , والسيئة هنا الشرك, كما هو تفسير السلف.

وفي حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ قَالَ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَوْ حَسَنَةٌ ؟فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً، لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ، فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: أَحْضِرُوهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، قَال: فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، ولَا يَثْقُلُ شَيْءٌ معَ اسْمِ اللهِ»

والتوحيد أصحابه هم الكرام، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ﴾.

وأصحابه هم أولياء الله، قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾.

وأصحابه هم المقربون من رب العالمين وهم الموعودون بجنة النعيم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54- 55] ، ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١)﴾.

 والتوحيد من أتى به على وجهه يدخل من أي أبواب الجنة الثمانية ففي حديث عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَىٰ عَبْدُ اللهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ الله مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ» متفق عليه.

وفضائله عظيمة فهو حق الله المقدم وحقه المعظم، ففي حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ  رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟» قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا» متفق عليه .

فشأن التوحيد عظيم، فعن جابر رضي الله عنه  قال أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً فقال يا رسول الله ما الموجبتان فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن ماتَ يُشْرِكُ باللهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ» أخرجه مسلم .

فعلى الإنسان أن يتعلم هذا الباب العظيم, وأن يكون موحدا لله بقلبه، وقوله، وجوارحه، وفي جميع شأنه، فإن الله عز وجل أمر بهذا ﴿وَمَا أمروا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾، وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ﴾ .

لأن الشرك محبط للعمل, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تركته وشركه». أخرجه مسلم

 إذ أن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً له وحده، ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)﴾.

راقب أقوالك، وأفعالك ونياتك فربما تتكلم بمخالفة التوحيد وأنت لا تدري, وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة يقولون: (ما شاء الله وشاء محمد), فَقَالَ: "قُولُوا: مَا شَاءَ الله ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ",  وكثير من الناس يحلفون"بالأمانة" والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا». رواه أبو داود في "سننه" عن بريدة رضي الله عنه .

فراجع اعتقاداتك وليكن اعتمادك وتوكلك على الله، وليكن رجاءك ورغبتك في الله، وراجع أفعالك من صلاة وحج وطواف وذبح ونذر. يجب أن تكون كلها لله عز وجل فلا يجوز أن يشرك معه غيره لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا, وجميع ما يتعين عليك لله, قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي الله رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أمرتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾.

وأما الشرك فخطره عظيم، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (٧٢)﴾، ﴿وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله ۚ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠)﴾، وقال الله عز وجل: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ ، وقال الله عز وجل: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ، وقال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)﴾.

فالشرك أعظم ذنب عصي الله عز وجل به، ولذلك لا يغفره ولا يتجاوز عن أهله إلا بتوبة نصوحا، قبل موتهم. قال الله عز وجل: {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، ويدخل في عموم الآية الشرك الأكبر والأصغر, إلا أن الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار, والأصغر يُعذب صاحبه بقدر شركه, ثم يكون إلى الجنة .

قال الله عز وجل: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)﴾, وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: يا رسول الله! أيُّ الذنبِ أعظمُ قال : «أن تجعلَ للهِ نِدًّا وهو خلقكَ» متفق عليه .

فالشرك أردى أهله وأخزاهم، في الدنيا والآخرة, أما في الدنيا فهم شر البرية، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦)﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ إذا نٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)﴾, وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12], فهم في الدنيا كالأنعام السائبة التي لا تعرف لنفسها مصلحة ولا مضره ولا يهمها إلا أن تأكل وتشرب وتتنعم.

وهم في الآخرة في النار ﴿يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ (٢٩)﴾، وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١)﴾، وقال الله عز وجل: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى (١٣)﴾, وقال تعالى: ﴿لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (٣٧)﴾.

وقال تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 19 - 22]

والشرك قسمان: أكبر يخلد صاحبه في النار، وأصغر يستوجب صاحبه النار ولا يمكن أن يدخل الجنة حتى يعذب على شركه, ومن أعظم أسباب الشرك: الكبر, قال تعالى: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأنهم  كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146].

وقد استكبر الكفار عن قول لا إله إلا الله, فما أفلحوا, قال تعالى: ﴿أنهم  كَانُوا إذا  قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥)﴾.

والمشكلة أن الشيطان جعل طرقا إلى الشرك وزينها, فعظم لهم شأن الصالحين، وجعل تشييد القباب، وزيارتها، والطواف بها، والدعاء، والنذر لها من التوحيد، ومن تعظيم الأولياء وما هو إلا مخالفة صريحة لدين رب العالمين, إذ يقول الله عزوجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ الله فَلَا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَدًا} [الجن: 18] ولأمر سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» أخرجه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجعلوا قَبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتَكُم تبلغُني حَيثُ كنتُمْ» أخرجه أبو داود (2042) .

وعن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ الله إليهودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». يحذر ما صنعوا» متفق عليه, وفي حديث جندب رضي الله عنه  « أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» أخرجه مسلم (532) .

ومن وسائل الشرك العبادة في أماكن الزور والقبور, وهذا إذا  كنت لله تذبح وتنذر وتصلي عند القبر لله فأنت متشبه بهؤلاء الملعونين، فكيف بمن صلاته وحجه ونذره ودعائه للقبر، وكيف بمن رجاؤه ورغبته وخوفه من القبر، وهكذا نذره، وذبيحته للقبر، فلا شك أن هذا مشرك شركاً أكبر مخرج من الملة.

وقد انتشر هذا البلاء في بلاد المسلمين، وعم وطم لا سيما مع وجود أهل الضلال من غلاة الصوفية والباطنية والرافضة عباد القبور فينبغي للمسلمين أن يتعلموا التوحيد، وأن يحذروا الشرك، والكفر، والتنديد، فإنه والله لا رفعة ولا سعادة لهذه الأمة إلا بتعظيم حق رب العالمين، والبعد عن طرق الشياطين، قال تعالى: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55], والبعد عن وسائل الشرك من تصوير ذوات الأرواح, وشد الرحال إلى القبور والمشاهد, والغلو في الصالحين, وغير ذلك من الوسائل, والله المستعان, الحمد لله رب العالمين.


زوجة أبي لهب

زوجة أبي لهب

أم جميل بنت حرب بن أمية، حمّآلة الحطب، زوجة أبي لهب بن عبد المطلب :   وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ   (سورة المسد، الآيتين 4). غضبت عندما نزلت سورة المسد وازداد كرهها لرسول الله رغم أن ولديها عتبة وعتيبة تزوجا بنتي الرسول وهما أم كلثوم ورقية اللتان تزوجهما عثمان بن عفان تباعا بعدهما

ذكرت في القرأن الكريم في سورة المسد بوصفها امرأة أبي لهب ولم يذكرها باسمها صراحة فقال عز وجل :  وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ  فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ   (سورة المسد، الآيتين 4-5). من نار. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله:  وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ  . قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبي ليعقره وأصحابه

فقد كانت تحمل الشوك، فتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجها أبو لهب : عبد العزى، كني بذلك لتلهّب وجنتيه وإشراقهما، أو في النار مناسبة لحاله فيه والنساء منهم من ذكر اسمها بشكل صريح أو ضمني