الجمعة، 29 يونيو 2012

ستعطاف تميم بن جميل




 



 ستعطاف تميم بن جميل 









 قال أحمد بن أبي داوود القاضي: ما رَأيتُ رَجلاً قَط نَزلَ به الموتُ، وعايَنَهُ، فما أدهشه، ولا أذهله، ولا أشغله عما كان أراده، وأحبَّ أنْ يَفعَلَهُ، حتى بلغه، وخَلَّصَهُ الله تعالى مِن القتل، إلا تميم بن جميل الخارجي، فإنه كان خرج على أمر المُعتصم (تَمَرَّد)، فأُخِذ، وأُتي به إلى المعتصم بالله. فرأيته بين يديه، وقد بُسِط له النَّطعُ والسيف (النطع هو بِساطٌ من الجِلد يوضع تحت مَن يُقتل بالسيف)، فجعل تميم ينظر إليهما، وجعل المعتصم يصعد النظر فيه، ويصوبه. وكان تميم رجلاً جميلاً، وسيماً، جسيماً، فأراد المعتصم أن يستنطقه، لينظر أين جنانه ولسانه، من منظره ومخبره. فقال له المعتصم: يا تميم، تكلم، إن كان لك حجة أو عذر فابده. فقال: أما إذا أذن أمير المؤمنين بالكلام ...
فأقول: الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وقد خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، يا أمير المؤمنين، جبر الله بك صدع الدين، ولم شعث المسلمين، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح نهج الحق، إن الذنوب تخرس الألسنة، وتعمي الأفئدة، وأيم الله، لقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجة، وكبر الجُرم، وساء الظن، ولم يبق إلا عفوك، أو انتقامك، وأرجو أنْ يكون أقربهما مني وأسرعهما إلي، أَولاهُما بإمامتك، وأشبههما بخلافتك، وأنت إلى العفو أقرب، وهو بك أشبه وأليق، ثم تمثل بهذه الأبيات:
أرى الموتَ بين السيفِ والنطع كامناً -- يُلاحِظُني مِن حيثما أتلفّت
وأَكبَرُ ظنّي أنّك اليوم قاتلي -- وأيُّ امرئٍ مما قضى اللّه يَفلَت
ومَن ذا الذي يُدلي بعذرٍ وحجّةٍ -- وسَيفُ المنايا بينَ عينَيهِ مُصلَتِ
يَعزّ على الأوس بن تغلب موقفٌ -- يهزّ عليّ السيف فيه وأسكتْ
وما جَزَعي مِن أن أموتَ وإنّني -- لأَعلَمُ أنَّ الموتَ شيء موقّت
ولكن خَلفي صِبيَةٌ قَد تَرَكت
ُهُم -- وأكبادُهم مِن حَسرةٍ تَتَفَتّتِ
كأنّي أراهُم حينَ أُنعى إليهِم -- وقد خمشوا حرّ الوجوه وصوّتوا
فإن عشت عاشوا سالمين بِغِبطَةٍ -- أذودُ الأذى عنهُم وإنْ مِتُّ مُوِّتوا
فكم قائلٍ لا يُبعِدُ الله دارَهُ -- وآخرُ جَذلانُ  يُسَرُّ ويَشمَتُ
قال: فتبسم المعتصم.. ثم قال: أقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً. ثم قال: يا تميم كاد والله أن يسبق السيف العذل، إذهب، فقد غفرت لك الهفوة، وتركتك للصبية، ووهبتك لله ولصبيتك. ثم أمر بفك قيوده، وخلع عليه، وعقد له على ولاية على شاطئ الفرات، وأعطاه خمسين ألف دينار.

ليست هناك تعليقات: