الخميس، 8 نوفمبر 2012

الإيمان بالقرآن الكريم





الإيمان بالقرآن الكريم




يؤمن المسلم بأن القرآن الكريم كتاب الله أنزله على خير خلقه ، وأفضل أنبيائه ورسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أنزل غيره من الكتب على من سبق من الرسل ، وأنه نسخ بأحكامه سائر الأحكام في الكتب السماوية السابقة كما ختم برسالة صاحبه كل رسالة سالفة .
وأنه الكتاب الشامل لأعظم تشريع رباني ، تكفل منزله لمن أخذ به أن يسعد في الحياتين ، وتوعد من أعرض عنه فلم يأخذ به بالشقاوة في الدارين ، وأنه الكتاب الوحيد الذي ضمن الله سلامته من النقص والزيادة ، ومن التبديل والتغيير وبقاءه حتى يرفعه إليه عند آخر أجل هذه الحياة . وذلك للأدلة النقلية والعقلية التالية :
الأدلة النقلية :
1 _ إخباره تعالى بذلك في قوله : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) وفي قوله : ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) وفي قوله عز وجل : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً ) . وفي قوله : ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير ، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) . وفي قوله : ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى ) وفي قوله عز وجل : ( كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وفي قوله سبحانه : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .
2 _ إخبار رسوله المنزل عليه صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ) وفي قوله : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) وقوله : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ) وقوله : ( ما من الأنبياء إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي ، فأرجو ان أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) وفي قوله : ( لو كان موسى أو عيسى حياً لم يسعه إلا اتباعي ) .
3 _ إيمان البلايين من المسلمين بأن القرآن كتاب الله ووحيه أوحاه إلى رسوله ، واعتقادهم الجازم بذلك مع تلاوتهم وحفظ أكثرهم له وعملهم بما فيه من شرائع وأحكام .
الأدلة العقلية :
اشتمال القرآن الكريم على العلوم المختلفة الآتية ، مع أن صاحبه المنزل عليه أمي لم يقرأ ولم يكتب قط ، ولم يسبق له أن دخل كُتاباً ولا مدرسة البتة :
1 _ العلوم الكونية .
2 _ العلوم التاريخية .
3 _ العلوم التشريعية والقانونية .
4 _ العلوم الحربية والسياسية .
فاشتماله على هذه العلوم المختلفة دليل قوي على أنه كلام الله تعالى ووحي منه ، إذ العقل يحيل صدور هذه العلوم عن أمي لم يقرأ ولم يكتب قط .
2 _ تحدي الله منزله الإنس والجن على الإتيان بمثله بقوله : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) . كما تحدى فصحاء العرب وبلغائهم على الإتيان بعشر سور من مثله ، بل بسورة واحدة فعجزوا ولم يستطيعوا .
فكان هذا أكبر دليل وأقوى برهان على أنه كلام الله وليس من كلام البشر في شيء .
3 _ اشتماله على أخبار الغيب العديدة ، والتي ظهر بعضها طبق ما أخبر بلا زيادة ولا نقصان .
4 _ ما دام قد أنزل الله عز وجل كتباً أخرى على غير محمد صلى الله عليه وسلم كالتوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى عليهما السلام ، لم ينكر أن يكون القرآن قد أنزله الله تعالى ، كما أنزل الكتب السابقة له ؟ . وهل العقل يحيل نزول القرآن أو يمنعه ؟ . لا .. بل العقل يحتم نزوله ويوجبه .
5 _ قد تتُبِّعت تنبؤاته فكانت وفق ما تنبأ به تماماً ، كما قد تتبعت أخباره فكانت طبق ما قصه واخبر به سواءً بسواءٍ ، كما جربت أحكامه وشرائعه وقوانينه فحققت كل ما أريد منها من أمن وعزة وكرامة ، وعلم وعرفان يشهد بذلك تاريخ دولة الراشدين رضوان الله عليهم .
وأي دليل يُطلب بعد هذا على كون القرآن كلام الله ووحيه أنزله على خير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله ؟ .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

الإيمان بالقضاء والقدر






الإيمان بالقضاء والقدر




يؤمن المسلم بقضاء الله وقدره وحكمته ومشيئته ، وأنه لا يقع شيء في الوجود حتى أفعال العباد الإختيارية إلا بعد علم الله به وتقديره ، وأنه تعالى عدل في قضائه وقدره ، حكيم في تصرفه وتدبيره ، وأن حكمته تابعة لمشيئته ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا به تعالى ، وذلك للأدلة النقلية والعقلية التالية :
الأدلة النقلية :
1 _ إخباره تعالى عن ذلك في قوله : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) وقوله عز وجل : ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) وفي قوله : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) وفي قوله : ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ) وقوله : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) وقوله : ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) وفي قوله عز وجل : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) وقوله : ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) وقوله : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) وفي قوله : ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) وفي قوله : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) .
2 _ إخبار رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله وعمله وشقيٍ أو سعيد ، فوالذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) ، وفي قوله عليه السلام لعبد الله بن عباس : ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) ، وفي قوله : ( إن اول ما خلق الله تعالى القلم فقال له أُكتب ، فقال : رب ، وماذا أكتب ؟ قال : أُكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( احتج آدم وموسى ، قال موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال آدم : أنت موسى اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك التوراة بيده تلومني على أمرٍ قدره الله على قبل أن يخلقني بأربعين عاماً فحج آدم موسى ) وفي قوله عليه السلام في تعريف الإيمان : ( أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن النذر لا يرد قضاءً ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس : ( يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمةً هي من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال : ما شاء الله وشئت ( قل ما شاء الله وحده ) .
3 _ إيمان مئات الملايين من أمة محمدصلى الله عليه وسلم من علماء وحكماء وصالحين وغيرهم بقضاء الله تعالى وقدره ، وحكمته ومشيئته ، وأن كل شيء سبق به علمه ، وجرى به قدره ، وأنه لا يكون في ملكه إلا ما يريد ، وأن ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأن القلم جرى بمقادير كل شيء إلى قيام الساعة .
الأدلة العقلية :
1 _ إن العقل لا يحيل شيئاً من شأن القضاء والقدر ، والمشيئة ، والحكمة ، والإرادة ، والتدبير ، بل العقل يوجب كل ذلك ويحتمه ، لما له من مظاهر بارزة في هذا الكون .
2 _ الإيمان به تعالى وبقدرته يستلزم الإيمان بقضائه وقدره وحكمته ومشيئته .
3 _ إذا كان المهندس المعماري يرسم على ورقة صغيرة رسماً لقصر من القصور ، ويحدد له زمن إنجازه ، ثم يعمل على بنائه فلا تنتهي المدة التي حددها حتى يخرج القصر من الورقة إلى حيز الوجود ، وطبق ما رسم على الورقة بحيث لا ينقص شيء وإن قل ، ولا يزيد ، فكيف ينكر على الله أن يكون قد كتب مقادير العالم إلى قيام الساعة ، ثم لكمال قدرته وعلمه يخرج ذلك المقدر طبق ما قدره في كميته وكيفيته ، وزمانه ومكانه ومع العلم بأن الله تعالى على كل شيء قدير .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الإيمان بالرسل







الإيمان بالرسل




يؤمن المسلم بأن الله تعالى قد اصطفى من الناس رسلاً وأوحى إليهم بشرعه وعهد إليهم بإبلاغه لقطع حجة الناس عليه يوم القيامة وأرسلهم بالبينات وأيدهم بالمعجزات ، وابتدأهم بنبيه نوح وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وأنهم وإن كانوا بشراً يجري عليهم الكثير من الأعراض البشرية فيأكلون ويشربون ، ويمرضون ويصحون ، وينسون ويذكرون ، ويموتون ويحيون ، فهم أكمل خلق الله تعالى على الإطلاق وأفضلهم بلا استثناء ، وأنه لا يتم إيمان عبد إلا بالإيمان بهم جميعاً جملة وتفصيلا ، وذلك للأدلة النقلية والعقلية الآتية :
الأدلة النقلية :
1 _ إخباره تعالى عن رسله وعن بعثتهم ورسالاتهم في قوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وفي قوله ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير ) وفي قوله ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً ) وفي قوله( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) وفي قوله : ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) وفي قوله ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) وفي قوله ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ) الآية، وفي قوله : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذاباً أليما ) .
2 _ إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعن إخوانه من الأنبياء والمرسلين في قوله : ( ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب ) (المسيح الدجال) وفي قوله : ( لا تفاضلوا بين الأنبياء ) وفي قوله لما سأله أبو ذر عن عدد الأنبياء والمرسلين منهم فقال : ( مائة وعشرون ألفاً والمرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ) وفي قوله : ( والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ) وفي قوله : ( ذاك إبراهيم ) (لما قيل له يا خير البرية تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم ) . وفي قوله ( ما كان لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ) ، وفي إخباره صلى الله عليه وسلم عنهم ليلة الإسراء إذ جمعوا له هناك ببيت المقدس وصلى بهم إماماً لهم ، كما أنه وجد في السموات يحيى وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم ، وأخبر عنهم وعما شاهده من حالهم.
وفي قوله : ( وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) .
3 _ إيمان البلايين من البشر من المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب من يهود ونصارى برسل الله وتصديقهم الجازم برسالاتهم واعتقادهم كمالهم ، واصطفاء الله لهم .
الأدلة العقلية :
1_ ربوبيته ورحمته تعالى ، تقتضيان إرسال رسل منه إلى خلقه ليعرفوهم بربهم ، ويرشدوهم إلى ما فيه كمالهم الإنساني ، وسعادتهم في الحياتين الأولى والثانية .
2 _ كونه تعالى خلق الخلق لعبادته إذ قال عز وجل : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، فهذا يقتضي اصطفاء الرسل وإرسالهم ليعلموا العباد كيف يعبدونه تعالى ويطيعونه ، إذ تلك هي المهمة التي خلقهم من أجلها .
3 _ إن كون الثواب والعقاب مرتبين على آثار الطاعة والمعصية في النفس بالتطهير والتدسية أمر يقتضي إرسال الرسل ، وبعثة الأنبياء ، لئلا يقول الناس يوم القيامة : إننا يا ربنا لم نعرف وجه طاعتك حتى نطيعك ، ولم نعرف وجه معصيتك حتى نتجنبها ، ولا ظلم اليوم عندك ، فلا تعذبنا ، فتكون لهم الحجة على الله تعالى . فكانت هذه حالاً اقتضت بعثة الرسل لقطع الحجة على الخلق ، قال تعالى : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً ) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم





محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم




هذه الكلمة هي الشهادة الثانية، وتعني أن محمداً صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه بالرسالة الخاتمة ، التي نسخت جميع الرسالات السابقة وهي الرسالة الشاملة لجميع ماتحتاجه الحياة الدنيا ، وجميع مايوصل إلى رحمة الله سبحانه وتعالى . وهي الرسالة المرنة التي تتوافق وتتلاءم مع جميع الظروف والأحوال .فتعني شهادة أن محمداً رسول الله :أنه صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ، وكتابه خاتم الكتب وخيرها ، وتعني الإيمان بجميع الرسل والكتب السابقة ، فرسالة الإسلام مصدقة لها غير مكذبة . وتعني هذه الشهادة : أن محمداً صلى الله عليه وسلم بشر خلقه كبقية البشر ، لكن الله فضله عليهم بالنبوة والرسالة ، كما فضل الأنبياء السابقين على أقوامهم بالنبوة والرسالة أيضاً . قال تعالى : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد )) [الكهف ، الآية : 110] ، فهو صلى الله عليه وسلم بشر لايملك لنفسه ضراً ولانفعاً إلا ماشاء الله ، ولايعلم الغيب إلا ماأطلعه الله عليه ، يصيبه مايصيب غيره من الناس من الأمراض والأوجاع ليرفع له في درجاته ، وليكون أسوة لمن بعده من أتباعه ، وليعلم الناس أنه بشر لايملك لنفسه ضراً ولانفعاً ، فلا يقدس فيجعل رباً وإلهاً كما غلت النصارى في المسيح فجعلوه إلهاً ، ومنهم من جعله ابناً للرب سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ، قال تعالى : (( قل لاأملك لنفسي ضراً ولانفعاً إلا ماشاء الله ، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ومامسني السوء ، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون )) [ سورة الأعراف ، الآية : 188] . وقال تعالى : (( قل إني لاأملك لكم ضراً ولا رشداً . قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً )) [الجن ، الآيتان : 21-22 ].
وتعني شهادة أن محمداً رسول الله أنه عليه الصلاة والسلام معصوم عن الكذب وعن الخطأ في كل مايبلغه عن ربه ، فهو الصادق المصدوق ، قد شهد له بها قومه الذين هم أدرى الناس به قبل أن ينزل عليه الوحي ، وشهد له بعد ذلك جميع الناس بصدق الحديث والوعد ، ومازال النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم مضرب المثل عبر أجيال العالم بالصدق والأمانة والإخلاص .
وتعني شهادة أن محمداً رسول الله : أنه صلى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي من ربه بواسطة جبريل عليه السلام ، فبلغه تبليغاً كاملاً لا نقص فيه ولا خلل ، ومازال القرآن المعجز ظاهراً بين الناس دون أي تحريف أو تبديل بخلاف الكتب الأخرى ، فإن أصحابها ضيعوها ولم يرعوها حق رعايتها ، فدخلها التحريف والتبديل ، والتناقض والتعارض .
وتعني هذه الشهادة أنه صلى الله عليه وسلم له سنة وطريقة وهدي ( وهي ما كان من كلامه وأمره ونهيه وإرشاده ، وهي غير القرآن الذي هو من كلام الله تعالى ) وأن هذه السنة محفوظة بحفظ الله لهذا الدين ، شرحت القرآن وبينته ، واستقلت بأحكام أخرى ، وذلك بإذن الله له في ذلك .
وهذه الشهادة تتضمن الإيمان بما أتى به صلى الله عليه وسلم من معجزات كثيرة ، وأعظمها القرآن الكريم الذي أعجز العرب وهم أهل الفصاحة والبيان أن يأتوا بمثله . ومن هذه المعجزات : انشقاق القمر في عهده صلى الله عليه وسلم حتى رآه الناس فلقتين ، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة ، والدعاء بتكثير الطعام وحصول ذلك ، وتسليم الحجر عليه في مكة ، وحنين جذع النخل لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الخطبة عليه ، فتأثر ذلك الجذع من ترك النبي صلى الله عليه وسلم له . ومنها الإخبار عن بعض المغيبات التي أطلعه الله عليها ، فكانت كما أخبر صلى الله عليه وسلم . فدل ذلك على صدقه فيما أخبر به عن ربه عز وجل .
ومن مقتضيات هذه الشهادة أن يؤمن العبد بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتبعه بصدق فيما جاء به من الشرع عن ربه مخلصاً في هذا الاتباع ، لا يريد عرضاً زائلاً من الدنيا ، ولا يتكبر عليه ، وأن يصدقه فيما أخبر به عن الله سبحانه ، وأن يحبه حباً يفوق حبه لنفسه أو لماله أو لأحد من العالمين .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم







نبي الإسلام محمد

صلى الله عليه وسلم



هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي من ولد عدنان وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، اصطفاه الله سبحانه على الناس كافة فشرّفه بالرسالة الخـاتمة، حيث اختاره سبحانه وتعالى من بين العالمين (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) [ الأنعام:124 ] .
ولد بمكة عام الفيل سنة 571م يتيماً، فرباه جده عبد المطلب، إلى سن الثامنة، حيث مات عبد المطلب، فرباه عمه أبو طالب.
ولما كبر اشتغل برعي الغنم والتجارة، فظهرت البركة في تجارته وسعيه، وظهرت الأمانة في معاملته، وكان صادق الحديث والوعد، فلُقِّب بالصادق الأمين، ثم حُبب إليه التعبد والخلوة بنفسه، فكان يذهب إلى غار حِراء، حتى أتاه الوحى بعدما أكمل أربعين سنة، فأمره الله تعالى بتبليغ رسالة الإسلام سراً ثم جهراً .
فامتثل صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به، فكان يدعو القريب والبعيد، حتى أوذي في الله، وعارضه أقرباؤه، منهم عمه أبو لهب، واتهموه بالكذب وقد كان أصدق الناس صلى الله عليه وسلم واتهموه بالجنون وهو أعقل الناس، فانقلبت الموازين عند المشركين، فصاروا يعادونه بعد ما كانوا يعترفون له بالصدق والإخلاص ورجاحة العقل، وتآمروا لقتله فعصمه الله تعالى قال تعالى : (( يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) [ المائدة : 67 ] .
وبعد ثلاثة عشر سنة من الدعوة إلى الله في مكة، أذن الله سبحانه لنبيه بالهجرة إلى المدينة المنورة، ( وهو ما يعرف بالعهد المدني ) وكان قد مهّد النبي صلى الله عليه وسلم لذلك حيث كان له أتباع، يأتون موسم الحج فيدعوهم ويعلمهم تعاليم الإسلام، وأرسل بعض الصحابة إليهم ليعلموهم أمر دينهم، وليدعو أهل المدينة إلى الإسلام، فلما هاجر إلى المدينة وجد عند أهلها قبولاً وترحيباً واشتياقاً، فسكن المدينة ومكنه الله فيها، وأصبحت مستقره إلى أن توفي فيها صلى الله عليه وسلم .
ولما هاجر إلى المدينة المنورة انتشر الإسلام انتشاراً كبيراً، فأظهر ناس الإسلام كذباً ونفاقاً وهم الذين عرفوا بالمنافقين، فكانوا يتآمرون مع اليهود الذين كانوا في المدينة للمكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ولقتله .
وفي العهد المدني خاض الرسول صلى الله عليه وسلم جميع معاركه مع المشركين ، الذين آذوه واخرجوه والمسلمين من دياره ، ولم يكتفوا بذلك بل جاءوا إلى المدينة ليقتلوه وساعده في ذلك اليهود . وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض المناطق والقرى حوله ، بعدما دعاهم للإسلام وأبوا ، وكانت كل المعارك الكبرى والصغرى لصالح الإسلام والمسلمين ، ثم أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل للقبائل ويدعوهم للإسلام ، ويراسل الملوك الكبار يدعوهم للإسلام والدخول فيه مع شعوبهم .
ومع ذلك ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً وداعياً ذا خلق عظيم وكرم لا مثيل له ، فقال تعالى عنه : (( وإنك لعلى خلق عظيم ))[ سورة القلم ] حتى انتشر الإسلام في كثير من القبائل ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قد انتشر صيته وقويت شوكته ، ثم حمل المسيرة من بعده أصحابه يبلغون ما أمرهم الله بتبليغه عن رسوله صلى الله عليه وسلم . حتى وصل إلينا الإسلام صافياً وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم معنا ، فالقرآن محفوظ وسنته محفوظة إلى يوم القيامة فله الحمد والشكر .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

لا إله إلا الله






لا إله إلا الله






أعظم كلمة قالها إنسان ، وهي الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، بها أرسلت الرسل، ولبيانها أنزلت الكتب، فمن قالها مخلصاً من قلبه دخل الجنة، ومن تكبر عنها دخل النار نعوذ بالله من النار .
فمعناها : أنه لا أحد يستحق أن يكون إلهاً إلا الله سبحانه ، فلا معبود بحق إلا هو سبحانه ، فهو الخالق البارئ المصور ، وهو المدبر لأمورالكون ، ومقدر لمقادير الخلق ، وهو الضار النافع ، بيده ملكوت كل شيء وهو السميع المجيب ، يسمع دعاء السائلين ، ويجيب نداء المضطرين ، وليس أحد يفعل ذلك إلا هو سبحانه وتعالى ، فكيف لا يعبد وهذه صفاته ، بل كيف يجحد وهو الذي خلق الجاحد من عدم ، وأنشأه صغيراً وهداه حتى ثدي أمه التقم ، ولما كبر أعطاه القوى ليكسب من الحياة ما يقوى به على المعاش .
وكيف يشرك به ويعبد غيره ، وغيره لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، ولا يملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، فمن صرف العبادة لغيره فقد جعل حق الله لغيره وهذا هو الشرك بالله.
وهي ذات شقين : النفي والإثبات ، نفي أن يستحق الإلهية أحد غير الله ، وإثبات إستحقاق الإلهية والعبودية لله سبحانه وتعالى وحده .
ولها شروط سبعة :
1 _ العلم : بأن يعلم معناها وما تضمنته من توحيد ونفي للشرك .
2 _ اليقين : بأن يوقن بما علم مما تضمنته ولا يشك في شىء منها .
3 _ القبول : أي يقبل ما تضمنته هذه الكلمة من توحيد ونبذ للشرك ولا يتكبر عما فيها .
4 _ الإنقياد : أن يعمل بما تقتضيه من توحيد واتباع للشرع الحنيف .
5 _ الصدق : أن يصدق في قولها والإعتقاد والعمل بما فيها .
6 _ الإخلاص : أن يقولها بنية خالصة ، لا يريد بذلك عرضاً من الدنيا ، وأن يكون عمله بما فيها مقروناً بالإخلاص .
7 _ المحبة : أن يحب هذه الكلمة ، وما تقتضيه من توحيد وعمل .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحيينا عليها ويميتنا عليها .آمين .

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الإسلام





الإسلام




الإسلام دين الله سبحانه وتعالى، وقد جعله الله دين جميع الأنبياء والمرسلين، قال عز وجل: (( إن الدين عند الله الإسلام ))، وقال سبحانه عن خليله إبراهيم وأولاده عليهم السلام : (( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين . ووصى بـها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمين . أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ماتعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون )) [البقرة :131-133] .
وقال عن يوسف عليه السلام : (( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين )) [يوسف:101] .
وقال تعالى عن سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ : (( قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين )) [النمل:44] .
وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام : (( وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ))[يونس : 84 ] .
فدين الله هو دين حميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا يعني أن جميع الرسالات جاءت بعقيدة واحدة وعبودية واحدة لله تعالى ، وهي الإستسلام لله سبحانه وتعالى والإنقياد التام له عز وجل ، بجميع ما يأمر وينهى ، وإن اختلفت الشرائع والأحكام، وذلك لما تقتضيه مصلحة الناس في تلك الأزمان الماضية ، فشرائع الله جاءت وفق مقتضيات كل عصر ومصر، حتى جاء النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم فكانت شريعته خاتمة الشرائع وأحكامه أحكم الأحكام ، ناسخة لكل الشرائع السابقة، متضمنة أحسن ما فيها، وزادت عليها أحكاماً وتشريعات أخرى لتبقى صالحة إلى يوم القيامة، بخلاف التشريعات السابقة فإنها كانت لزمن معين أو لشعب معين، قال تعالى : (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً )) [المائدة : 48] .لأن النبي كان يبعث لقومه خاصة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة .
قال الله تعالى : (( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تـهتدون )) [الأعراف: 58] .
فنسخت شريعة الإسلام الخاتمة جميع الشرائع السابقة لشمولها ومرونتها على مر الأزمان والعصور، وهذا التنوع في الشرائع السابقة هو فقط في الأحكام وما يلزم المسلم معرفته من حلال وحرام وما أشبه ذلك،وأما في الإعتقادات وما يجب على الإنسان اعتقاده في حق الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار وأمور الغيب، فجميع الشرائع متفقة عليها، وأما مانجده من أتباع الديانات السابقة من تحريف وتبديل واعتقادات باطلة في حق الله عز وجل من جعل الولد والزوجة له سبحانه وتعالى، أو وصفه سبحانه بما لا يليق كما وصفته اليهود بالبخل، فهي أمور لم تأتي بها الشرائع السابقة، بل أتى بها المنتسبون لهذه الأديان .
وأما التشريعات التي أتى بها الدين الخاتم [ الإسلام ] فهي تشريعات وأحكام في غاية الدقة والحكمة، فالإسلام بُني على خمسة أركان أساسية وله واجبات ومستحبات تزيده حسناً وبهاءً، قال النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم : [ بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ] رواه البخاري ومسلم .
ومن حكمة الله أن جعل هذه الأركان الخمسة مشتركة بين العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم، أو المالية المحضة، كالزكاة، أو المشتركة بين المال والبدن الحج .
وهناك شرائع أخرى وأحكام، منها الواجب والمستحب، التي تزيد المجتمع الإسلامي تكافلاً وتكاتفاً، كالصدقة والصلة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

الـلـه جل جلاله






الـلـه

جل جلاله




الله سبحانه وتعالى رب العالمين، خالق السموات وما فيها من أبراج، وخالق الأرض وما فيها من فجاج، وخالق البحار والأنهار، ومقلب الليل والنهار، قال الله تعالى : (( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )) [الأعراف:54] .
وقال سبحانه وتعالى : (( إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون )) [الأنعام : 95-98] .
وهو سبحانه خالق الإنسان في أحسن تقويم وأجمل تصوير، قال تعالى : (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) [التين : 4 ] .
وقال سبحانه (( ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين )) [البلد:8-9] . وهو خالق كل شيء، وله الملك والحمد، وهو على كل شيء قدير، عالم الغيب والشهادة .
له الأسماء الحسنى والصفات العلى، لا شيءٌ مثله ولا شيءٌ يعجزه، ولا إله غيره قال تعالى : (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون )) [الأعراف:180] .
تقدس سبحانه عن الزوجة والولد، وعن الشريك والند والمثيل، وقال تعالى : (( قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد ))[ الإخلاص] .وقال تعالى : (( وأنه تعالى جدّ ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً )) [ الجن : 3 ] .
ولأنه سبحانه وتعالى هو أهل الكمال المطلق، وأهل الثناء والمجد، استحق العبودية له سبحانه دون أحد من خلقه، لا يحتاج إلى واسطة في الوصول إليه، ولا إلى شريك للدخول عليه، فهو سبحانه قريب من عباده، يسمع نجواهم ويجيب دعائهم، فمن جعل مع الله سبحانه وتعالى واسطة في العبادة من صنم أو شخص معظم وظن أن في هذا الشخص خصوصية يشفع له عند الله، وأنه يتقرب به إليه سبحانه فقد أشرك في عبادة ربه، لأن العبادة حق الله سبحانه وتعالى وليست لأحد من خلقه، فمن صرف حق الله لغيره فقد أشرك بعبادة ربه، كما فعل المشركون الأولون، وكما يفعله الجاهلون في قبور الأولياء والصالحين، حيث يتقربون بهم إلى الله تعالى ويتخذونهم وسائط تقربهم إليه .
ولقد ضل كثير من الناس في حق الله سبحانه وتعالى، فهناك طوائف نسبت لله الولد كاليهود والنصارى، وطائفة جعلت له البنات كبعض مشركي العرب، وطائفة نسبت الخلق لغيره، فجعلوا خالقاً للخير وخالقاً للشر، وهم المجوس، وطائفة نفت وجود الله ونفت خلقه لأي شيء في الوجود، وهناك طوائف نسبت لله النقائص كاليهود الذين نسبوا لله البخل، وقالوا يد الله مغلولة، وقالوا إن الله لما خلق الخلق تعب فاستراح تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
وهناك فرق تنتسب إلى الإسلام وصفت الله عز وجل بأوصاف هو منـزه عنها، فنفوا عنه صفاته التي وردت في الكتاب والسنة الصحيحة، وبعضهم غلا حتى نفى عنه كل صفة له، وبعضهم غلا في اثبات الصفات حتى شبه الله بخلقه، واعتقد أن الله مثل البشر، تعالى الله وتقدس عن هذه العقائد الباطلة، فله سبحانه الأوصاف العُلى، والأسماء الحسنى التي ثبتت في الكتاب والسنة، لا نزيد عليها ولا ننقص منها، فالقرآن الكريم وسنة النبي المعصوم هما مصدر معرفة الله سبحانه وتعالى ومعرفة دينه ومعرفة نبيه، نسأل الله أن يثبتنا عليهما إلى أن نلقاه إنه على كل شيء قدير .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

توحيد العبادة







توحيد العبادة



يؤمن المسلم بألوهية الله تعالى للأولين والآخرين ، وربوبيته لجميع العالمين ، وأنه لا إله غيره ، ولا رب سواه ، فلذا هو يخص الله تعالى بكل العبادات التي شرعها لعباده ، وتعبدهم بها ، ولا يصرف منها شيئاً لغير الله تعالى ، فإذا سأل ، سأل الله ، وإذا استعان استعان بالله ، وإذا نذر لا ينذر لغير الله ، فلله وحده جميع أعماله الباطنة من خوف ورجاء ، وإنابة ومحبة ، وتعظيم ، وتوكل ، والظاهرة من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد ، وذلك للأدلة النقلية والعقلية الآتية :
الأدلة النقلية :
1- أمره تعالى بذلك في قوله : ( لا إله إلا أنا فاعبدوني ) وفي قوله : ( وإياي فارهبون ) وفي قوله : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وانتم تعلمون ) وفي قوله تعالى : ( فاعلم انه لا إله إلا الله ) وفي قوله عز وجل : ( فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) ، وقوله : ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) .
2- إخباره تعالى عن ذلك بقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وفي قوله : ( ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ) وفي قوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) وفي قوله تعالى : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) وفي قوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وفي قوله جل جلاله : ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون )
3- إخبار رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن : ( فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى ) وفي قوله أيضاً:( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) وفي قوله لعبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ) ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له ما شاء الله وشئت : ( قل ما شاء الله وحده ) وفي قوله : ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء ، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء ؟ ) وفي قوله : ( أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ ) قالوا : بلى، قال : ( فتلك عبادتهم ) قاله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما قرا قوله : ( اتخذواأحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) فقال عدي : ( يا رسول الله لسنا نعبدهم )
وفي قوله : ( إنه لا يستغاث بي ، وإنما يستغاث بالله ) قاله لما قال بعض الصحابة قوموا نستغيث برسول الله من هذا المنافق ( لمنافق كان يؤذيهم ) .
وفي قوله : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) وفي قوله : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك )
الأدلة العقلية :
1- تفرده تعالى بالخلق والرزق ، والتصرف ، والتدبير ، يوجب عبادته وحده لا شريك له في كل منها .
2- جميع المخلوقات مربوبة له تعالى ، مفتقرة إليه فلم يصلح شيء منها أن يكون إلهاً يعبد معه تعالى .
3- كون من يدعى ، او يستغاث به ، او يستعاذ ، لا يملك ان يعطي أو يغيث ، أو يعيذ من شيء يوجب بطلان دعائه ، أو الإستغاثة به ، أو النذر له ، أو الإعتماد والتوكل عليه .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

توحيد الألوهية






توحيد الألوهية


يؤمن المسلم بألوهية الله تعالى لجميع الأولين والآخرين ، وأنه لا إله غيره ، ولا معبود بحق سواه ، وذلك للأدلة النقلية والعقلية التالية ، ولهداية الله تعالى له قبل كل شيء ، إذ من يهدي الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له .
الأدلة النقلية :
1_ شهادته تعالى ، وشهادة ملائكته ، وأولي العلم على ألوهيته سبحانه وتعالى ، فقد جاء في سورة آل عمران قوله : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) .
2_ إخباره تعالى بذلك في غير آية من كتابه العزيز ، قال تعالى : (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) ، وقال : (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ، وقال لنبيه موسى عليه السلام : (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) ، وقال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : (فاعلم أنه لا إله إلا الله) وقال مخبراً عن نفسه : (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس) .
3_ إخبار رسله عليهم الصلاة والسلام بألوهيته تعالى ودعوة أممهم إلى الإعتراف بها ، وإلى عبادته تعالى وحده دون سواه ، فإن نوحا قال : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، وكنوح هود وصالح وشعيب ما منهم أحد إلا قال : ( يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، وقال موسى لبني إسرائيل : ( أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين ) ، قاله لبني إسرائيل لما طلبوا منه أن يجعل لهم إلهاً صنماً يعبدونه ، وقال يونس في تسبيحه : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول في تشهده في الصلاة : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) .
الأدلة العقلية :
1 _ إن ربوبيته تعالى الثابتة دون جدل مستلزمة لألوهيته وموجبة لها ، فالرب الذي يحيي ويميت ، ويعطي ويمنع ، وينفع ويضر هو المستحق لعبادة الخلق ، والمستوجب لتأليههم له بالطاعة والمحبة ، والتعظيم والتقديس ، وبالرغبة إليه والرهبة منه .
2 _ إذا كان كل شيء من المخلوقات مربوباً لله تعالى بمعنى أنه من جملة من خلقهم ورزقهم ، ودبر شؤونهم ، وتصرف في أحوالهم وأمورهم ، فكيف يعقل تأليه غيره من مخلوقاته المفتقرة إليه ؟ ، وإذا بطل أن يكون في المخلوقات إله تعين أن يكون خالقها هو الإله الحق والمعبود بصدق .
3 _ اتصافه عز وجل دون غيره بصفات الكمال المطلق ، ككونه تعالى قوياً قديراً ، علياً كبيراً سميعاً بصيراً ، رؤوفاً رحيماً لطيفاً خبيراً ، موجب له تأليه قلوب عباده له بمحبته وتعظيمه ، وتأليه جوارحهم له بالطاعة والإنقياد .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

توحيد الأسماء والصفات






توحيد الأسماء والصفات




يؤمن المسلم بما لله تعالى من أسماء حسنى ، وصفات عليا ، ولا يشرك غيره تعالى فيها ، ولا يتأولها فيعطلها ، ولا يشبهها بصفات المحدثين فيكيفها أو يمثلها ، وذلك محال ، فهو إنما يثبت لله تعالى ما أثبت لنفسه ، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات ، وينفي عنه تعالى ما نفاه عن نفسه ، ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من كل عيب ونقص ، إجمالاً وتفصيلاً ، وذلك للأدلة النقلية والعقلية الآتية .
الأدلة النقلية :
1 _ إخباره تعالى بنفسه عن أسمائه وصفاته ، إذ قال تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) ، وقال سبحانه : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) كما وصف نفسه بأنه سميع بصير ، وعليم حكيم ، وقوي عزيز ، ولطيف خبير ، وشكور حليم ، وغفور رحيم ، وأنه كلم موسى تكليماً ، وأنه استوى على عرشه ، وأنه خلق بيديه ، وأنه يحب المحسنين ، ورضي عن المؤمنين ، إلى غير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية ، كمجيئه تعالى ونزوله وإتيانه ، مما أنزله في كتابه ، ونطق به رسوله صلى الله عليه وسلم .
2 _ إخبار رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فيما ورد وصح عنه من أخبار صحيحة وأحاديث صريحة كقوله صلى الله عليه وسلم : ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ، كلاهما يدخل الجنة ) ، وقوله : ( لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله – وفي رواية : قدمه- فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول قط قط ) وقوله صلى الله عليه وسلم (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : ( من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له )) وقوله عليه الصلاة والسلام : ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته ) الحديث ، وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية : ( أين الله ؟ فقالت في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة ) ، وقوله : ( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ) .
3_ إقرار السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين بصفات الله تعالى ، وعدم تأويلهم لها ، أو ردها أو إخراجها عن ظاهرها ، فلم يثبت أن صحابياً واحداً تأول صفةً من صفات الله تعالى ، أو ردها ، أو قال فيها أن ظاهرها غير مراد ، بل كانوا يؤمنون بمدلولها ، ويحملونها على ظاهرها ، وهم يعلمون أن صفات الله تعالى ليست كصفات المحدثين من خلقه ، وقد سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن قوله عز وجل : ( الرحمن على العرش استوى ) فقال : الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة .
وكان الشافعي ، رحمه الله تعالى يقول : آمنت بالله وبما جاء عن الله ، على مراد الله وآمنت برسول الله ، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ، وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول في مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ، وإن الله يرى يوم القيامة ، وانه تعالى يعجب ، ويضحك ويغضب ، ويرضى ويكره ويحب ، كان يقول : نؤمن بها ، ونصدق بها ، لا بكيف ولا معنى ، يعني أننا نؤمن بأن الله تعالى ينزل ويرى ، وهو فوق عرشه بائن من خلقه ، ولكن لا نعلم كيفية النزول ، ولا الرؤية ، ولا الاستواء ولا المعنى الحقيقي لذلك ، بل نفوض الأمر في علم ذلك إلى الله قائله وموحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا نرد على رسول الله ، ولا نصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله ، بلا حد ولا غاية ، ونحن نعلم أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
الأدلة العقلية :
1_ لقد وصف الله تعالى نفسه بصفات ، وسمى نفسه بأسماء ولم ينهنا عن وصفه وتسميته بها ، ولم يأمرنا بتأويلها ، أو حملها على غير ظاهرها ، فهل يعقل أن يقال إننا إذا وصفناه بها نكون قد شبهناه بخلقه فيلزمنا إذاً تأويلها ، وحملها على غير ظاهرها ؟ وإن أصبحنا معطلين نفاةً لصفاته تعالى ، ملحدين في أسمائه ، وهو يتوعد الملحدين فيها بقوله : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) .
2 _ أليس من نفى صفة من صفات الله تعالى خوفاً من التشبيه كان قد شبهها أولا بصفات المحدثين ، ثم خاف من التشبيه ففر منه إلى النفي والتعطيل ، فنفى صفات الله تعالى التي أثبتها لنفسه وعطلها ، فكان بذلك قد جمع بين كبيرتين ، التشبيه والتعطيل ؟ .
أفلا يكون من المعقول إذاً ، والحالة هذه ، أن يوصف الباري تعالى بما وصف بها نفسه ووصفه به رسوله مع اعتقاد أن صفاته تعالى لا تشبه صفات المحدثين ، كما أن ذاته عز وجل لا تشبه ذوات المخلوقين ؟ .
3 _ إن الإيمان بصفات الله تعالى ووصفه بها لا يستلزم التشبيه بصفات المحدثين ، إذ العقل لا يحيل أن تكون لله صفات ٌ خاصة بذاته لا تشبه صفات المخلوقين ، ولا تلتقي معها إلا في مجرد الاسم فقط ، فيكون للخالق صفات تخصه ، وللمخلوق صفات تخصه .
والمسلم إذ يؤمن بصفات الله تعالى ، ويصفه بها لا يعتقد أبداً ولا حتى يخطر بباله أن يد الله تبارك وتعالى مثلاً تشبه يد المخلوق في أي معنىً من المعاني غير مجرد التسمية ، وذلك لمباينة الخالق للمخلوق في ذاته وصفاته وأفعاله ، قال تعالى : ( قل هو الله ، أحد الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ) وقال : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

توحيد الربوبية






توحيد الربوبية




يؤمن المسلم بربوبيته تعالى لكل شيء ، وأنه لا شريك له في ربوبيته لجميع العالمين ، وذلك لهداية الله تعالى له أولاً ، ثم للأدلة النقلية والعقلية الأتية ثانياً .
الأدلة النقلية :
1 _ إخباره تعالى عن ربوبيته بنفسه ، إذ قال تعالى في الثناء على نفسه : ( الحمد لله رب العالمين ) ، وقال في تقرير ربوبيته : ( قل من رب السموات والأرض ؟ قل الله ) . وقال في بيان ربوبيته وألوهيته : ( رب السموات والأرض ، وما بينهما إن كنتم موقنين ، لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين ) .
وقال في التذكير بالميثاق الذي أخذه على البشر وهم في أصلاب آبائهم بأن يؤمنوا بربوبيته لهم ، ويعبدوه ولا يشركوا به غيره : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) .
وقال في إقامة الحجة على المشركين وإلزامهم بها : ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون ) .
2 _ إخبار الأنبياء والمرسلين بربوبيته تعالى وشهادتهم عليها وإقرارهم بها ، فآدم عليه السلام قال في دعائه : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ونوح قال في شكواه إليه تعالى : ( رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً) . وقال : ( رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين) ، وقال إبراهيم عليه السلام في دعائه لمكة حرم الله الشريف ، ولنفسه وذريته : (رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) . وقال يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في ثنائه على الله ودعائه إياه : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) . وقال موسى في بعض طلبه : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي ) وقال هارون لبني إسرائيل : ( وإنَّ ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) وقال زكريا في استرحامه : ( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً ) . وقال في دعائه : ( رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين ) وقال عيسى في إجابته له تعالى : ( ما قلت لهم إلا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم ) . وقال مخاطباً قومه : ( يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) .
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه المرسلين ، كان يقول عند الكرب ( لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ، ورب العرش الكريم ) . رواه مسلم
فجميع هؤلاء الأنبياء والمرسلين وغيرهم من أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام كانوا يعترفون بربوبية الله تعالى ، ويدعونه بها وهم أتم الناس معارف واكملهم عقولاً وأصدقهم حديثاً ، وأعرفهم بالله تعالى وبصفاته من سائر خلقه في هذه الأرض .
3 _ إيمان البلايين من العلماء والحكماء بربوبيته تعالى لهم ، ولكل شيء ، واعترافهم بها ، واعتقادهم إياها اعتقاداً جازماً .
4 _ إيمان البلايين والعدد الذي لا يحصى من عقلاء البشر وصالحيهم بربوبيته تعالى لجميع الخلائق .
الأدلة العقلية :
من الأدلة العقلية المنطقية السليمة على ربوبيته عز وجل لكل شيء ما يلي :
1 _ تفرده تعالى بالخلق لكل شيء ، إذ من المسلم به لدى كل البشر أن الخلق والإبداع لم يدَّعِهما أو يقو عليهما أحدٌ سوى الله عز وجل ، ومهما كان الشيء المخلوق ، صغيراً وضئيلاً حتى ولو كان شعرة في جسم إنسان أو حيوان ، أو ريشة صغيرةً في جناح طائر ، أو ورقة في غصن مائل ، أو .. فضلاً عن خلق جسم تام أو حي من الأجسام ، أو جرم كبير ، أو صغير من الأجرام .
أما الله تبارك وتعالى فقد قال مقرراً الخالقية له دون سواه : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) وقال : ( والله خلقكم وما تعملون ) . وأثنى على نفسه بخالقيته فقال : ( الحمد لله الذي يبدأُ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) . أفليست إذاً خالقيته سبحانه وتعالى لكل شيء هي دليل وجوده وربوبيته ؟ بلى ، وإنا يا ربنا على ذلك من الشاهدين .
2 _ تفرده تعالى بالرزق ، إذ ما من حيوان سارح في الغبراء أو سابح في الماء ، أو مستكن في الأحشاء ، إلا والله تعالى خالق رزقه وهاديه إلى معرفة الحصول عليه وكيفية تناوله والانتفاع به .
فمن النملة كأصغر حيوان ، إلى الإنسان الذي هو أكمل وأرقى أنواعه ، الكل مفتقر إلى الله عز وجل في وجوده وتكوينه ، وفي غذائه ورزقه والله وحده موجده ومكونه ومغذيه ورازقه ، وها هي ذي آيات كتابه تقرر هذه الحقيقة وتثبتها ناصعةً كما هي . قال تعالى : ( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ً ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً ) .
وقال تعالى : ( وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم ) . وقال لا إله إلا هو ولا رب سواه : ( وأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه ، وما أنتم له بخازنين ) وقال لا رازق إلا هو سبحانه : ( وما من دابة ٍ في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ) .
وإذا تقرر بلا منازع أنه لا رازق إلا الله كان ذلك دليلاً على ربوبيته سبحانه وتعالى لخلقه .
3 _ شهادة الفطرة البشرية السليمة بربوبيته تعالى ، وإقرارها الصارخ بذلك ، فإن كل إنسان لم تفسد فطرته يشعر في قرارة نفسه بأنه ضعيف وعاجز أمام ذي سلطان غني قوي ، وأنه خاضع لتصرفاته فيه ، وتدبيره له بحيث يصرخ في غير تردد : أن الله ربه ورب كل شيء.
وإن كانت هذه الحقيقة مسلمةً لا ينكرها ، أو يماري فيها كل ذي فطرة سليمة فإنه يذكر هنا زيادة في التقرير ما كان القرآن الكريم ينتزعه من اعترافات أكابر الوثنيين بهذه الحقيقة التي هي ربوبية الله تعالى للخلق ولكل شيء ، قال الله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ) وقال جل جلاله : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ) وقال عز وجل : ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله ) .
4 _ تفرده تعالى بالملك لكل شيء ، وتصرفه المطلق في كل شيء ، وتدبيره لكل شيء دال على ربوبيته ، إذ من المسلم به لدى كافة البشر أن الإنسان كغيره من الكائنات الحية في هذا الوجود لا يملك على الحقيقة شيئاً ، بدليل أنه يخرج أول ما يخرج إلى هذا الوجود عاري الجسم حاسر الرأس حافي القدمين ، ويخرج عندما يخرج منه مفارقاً له ليس معه شيء سوى كفن يواري به جسده . فكيف إذاً يصح أن يقال : إن الإنسان مالك لشيء على الحقيقة في هذا الوجود ؟ .
وإذا بطل أن يكون الإنسان ، وهو أشرف هذه الكائنات مالكاً لشيء منها ، فمن المالك إذاً ؟ المالك هو الله والله وحده ، وبدون جدل ، ولا شك ولا ريب ، وما قيل وسلم في الملكية يقال ويسلم كذلك في التصرف والتدبير لكل شأن من شؤون هذه الحياة ، ولعمر الله إذاً لهي صفات الربوبية : الخلق الرزق ، الملك ، التصرف التدبير . وقديماً قد سلمها أكابر الوثنيين من عبدة الأصنام ، سجل ذلك القرآن الكريم في غير سورة من سوره .قال تعالى :( قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

قال الواثق لا أترك الفرج يموت في حبسي







قال الواثق لا أترك الفرج يموت في حبسي



وحدثني علي بن هشام الكاتب، قال: سمعت أبا عبد الله الباقطائي، يقول: سمعت عبيد الله بن سليمان، يقول في وزارته، قال لي أبي:
كنت يوماً في حبس محمد بن عبد الملك الزيات، في خلافة الواثق، آيس ما كنت من الفرج، وأشد محنة وغماً، حتى وردت علي رقعة أخي الحسن بن وهب، وفيها شعر له:
محنٌ أبا ايّوب أنت محلّها * فإذا جزعت من الخطوب فمن لها
إنّ الّذي عقد الّذي انعقدت به * عقد المكاره فيك يحسن حلّها
فاصبر فإنّ اللّه يعقب فرجة * ولعلّها أن تنجلي ولعلّها
وعسى تكون قريبة من حيث لا * ترجو وتمحو عن جديدك ذلّها
قال: فتفاءلت بذلك، وقويت نفسي، فكتبت إليه:
صبّرتني ووعظتني وأنالها * وستنجلي، بل لا أقول: لعلّها
ويحلّها من كان صاحب عقدها * ثقة به إذ كان يملك حلّها
قال: فلم أصل العتمة ذلك اليوم، حتى أطلقت، فصليتها في داري ولم يمض يومي ذاك، حتى فرج الله عني، وأطلقت من حبسي.
وروي أن هاتين الرقعتين وقعتا بيد الواثق، الرسالة والجواب، فأمر بإطلاق سليمان، وقال: والله، لا تركت في حبسي من يرجو الفرج، ولا سيما من خدمني، فأطلقه على كره من ابن الزيات لذلك.