وجاء الحق
وجاء الحق
حكي عن بعض العلماء أنه كان يميل إلى الراحات و كثيراً و كان يخلو في بستان له بأصحابه فلا يأذن لأحد سواهم فبينما هو في البستان إذ رأى رجلاً يتخلل الشجر فغضب و قال : من أذن لهذا و جاء الرجل فجلس أمامه ، و قال : ما ترى في رجل ثبت عليه الحق فزعم أن له مدافعة تدفعه عنه ؟ فقال ينظره الحاكم بقدر ما يرى . قال السائل : قد ضرب له الحاكم أجلاً فلم يأت بمنفعة و لا أقلع عن اللدد و المدافعة : قال يقضي عليه . قال فإن الحاكم رفق به و أمهله أكثر من خمسين سنة فأطرق الفقيه و تحدر عرق و جهه و ذهب السائل ، ثم إن العالم أفاق من فكرته فسأل عن السائل فقال البواب : ما دخل أحد عليكم و لا خرج من عندكم أحد : فقال لأصحابه انصرفوا فما كان يرى بعد ذلك إلا مجلس يذكر فيه العلم .
فصل : و قد رأيت أن أصل بهذه الحكاية حكايات في الشيب على سبيل الوعظ و التذكير و التخويف و التحذير . حكي عن بعض المترفين أنه رفض ما كان فيه بغتة على غير تدريج ، فسئل عن السبب فقال ما معناه : كانت لي أمة لا يزيدني طول الاستمتاع منها إلا غراماً بها فقلبت شعرها يوماً فإذا فيه شعرتان بيضاوان فأخبرتها فارتاعت : و قالت أرني فأريتها : فقالت جاء الحق و زهق الباطل ثم نظرت إلي و قالت : أعلم أنه لو لم تفترض علي طاعتك لما أويت إليك فدع لي ليلي أو نهاري لأتزود فيه لآخرتي ، فقلت لا و لا كرامة .فغضبت و قالت : أتحول بيني و بين ربي و قد آذنني بلقائه ؟ اللهم بدل حبه لي بغضاً قال : فبت و ماشيء أحب إلي من بعدها عني و عرضتها للبيع فأتاني من أعطاني فيها ما أريد ، فلما عزمت على البيع بكت فقلت أنت أردت هذا ، فقالت : و الله ما اخترت عليك شيئاً من الدنيا هل لك إلى ما هو خير لك من ثمني ؟ قلت : و ما هو قالت : تعتقني لله عز وجل ، فإن أملك لك منك لي و أعود عليك منك علي ، فقلت : قد فعلت . فقالت : أمضى الله صفقتك و بلغك أضعاف أملك و تزهدت فبغضت إلى الدنيا و نعيمها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق