نونية ابن زيدون *
تعد هذه النونية درة من درر الادب العربي , فهي من عيون الشعر العربي في المشرق والمغرب على مدى العصور ,وهي كنز ثمين زاخر بأجمل كلمات الحب , وبأصدق العواطف الجياشة , وبأروع المعاني , وبأرق واعذب الاساليب ذات الايقاع الساحر , فابن زيدون من خلال هذه النونية الغزلية فنان بارع رسم لنا صورا رائعه لاشواقه المتزاحمة وعواطفه الدافقة , بالوان زاهية وارفة الظلال , حيث خالط بين الحب ووصف الطبيعه والحنين الى موطنه الاصلي ( قرطبة ) متنذكرا ذكريات الصبا وساعات اللقاء , ولوعة الفراق , فنراه يقول:
اضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
الا وقد حان صبح البين صبحنا
حين فقام بنا للحين ناعينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم
حزنا مع الدهر لايلبى ويبلينا
ان الزمان الذي مازال يضحكنا
انسا بقربهم قد عاد يبكينا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا
بان نغض فقال الدهر امينا
فانحل ماكان معقودا بانفسنا
وانبت ماكان موصولا بايدينا
وقد نكون وما يخشى تفرقنا
فاليوم نحن ومايرجى تلاقينا
ياليت شعري ولم نعتب اعاديكم
هل نال خطا من العتبى اعادينا
لم نعتقد بعدكم الا الوفا لكم
رايا ولم نتقلد غيره دينا
ماحقنا ان تقروا عين ذي حسد
بنا ولا ان تسروا كاشحا فينا
كنا نرى الياس تسلينا عوارضه
وقد يئسا فما للياس يغرينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحانا
شوقا اليكم ولاجفت ماقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الاسى لولا تاسينا
حالت لفقدكم ايامنا فغدت
سودا , وكانت بكم بيضا ليالينا
اذ جانب العيش طلق من تالفنا
ومربع اللهو صاف من تصافينا
واذ هصرنا فنون الوصل دانية
قطوفها فجنينا منه ماشينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما
كنتم لارواحنا الارياحينا
لاتحسبوا نايكم عنا يغيرنا
ان طالما غير الناي المحبينا
والله ماطلبت اهواؤنا بدلا
معكم ولاانصرفت عنكم امانينا
ياساري البرق غاد القصر واسق به
من كان صرف الهوى الود يسقينا
واسال هنالك : هل عنى تذكرنا
الفا , تذكره امسى يعنـــــــــــــــينا
ويانسيم الصبا بلغ تحيتنـــــــــا
من لو على البعد حيا كان يحينا
فهل ارى الدهر يقضينا مساعفه
منه , وان لم يكن غبا تقاضيـــــنا
ربيب ملك كان الله انشـــــــــــاه
مسكا وقدر انشاء الورى طيـنا
او صاغه ورقاً محضا , وتوجه
من ناصع التبر ابداعا وتحســينا
اذا تاود ادته رفاهيــــــــــــــــة
تود العقود وادمته البرى لينــــــــــــا
كانت له الشمس ظئراً في اكلته
بل ماتجلى لها الا احايينـــــــــا
كانما اثبتت في صحن وجنتيه
زهر الكواكب تعويذا وتزييـــــــــنا
ماضر ان لم نكن اكفاءه شرفا
وفي المودة كاف من تكافيـــــــنا
ياروضه طالما اجنت لواحظنا
وردا جلاه الصبا غضا ونسرينــا
ويا حياة تملينا بزهرتها
منى ضروبا, ولذات افانيــــــــــــــنا
ويانعيما خطرنا من غضارتـــــه
في وشي نعمى , سحبنا ذيله حينا
لسنا نسميك اجلالا وتكرمــــــــة
وقدرك المعتلى عن ذاك يغنيـــــــنا
اذا انفردت وماشوركت في صفة
فحسبنا الوصف ايضاحا وتبييــــنا
ياجنة الخلد , ابدلنا بسدرتـــــها
والكوثر العذب زقوما وغسلينـــــــــا
كاننا لم نبت و الوصل ثالثنــــا
والسعد قد غض من اجفان واشينا
ان كان قد عز في الدنيا اللقاء بكم
في موقف الحشر نلقاكم وتلقونـــا
سران في خاطر الظلماء يكتمنا
حتى يكاد لسان الصبح يفشيــــنا
لاغرو في ان ذكرنا الحزن حين نهت
عنه النهى , وتركنا الصبر ناسينا
انا قرأنا الاسى , يوم النوى , سوراً
مكتوبة . واخذنا الصبر تلقيــــنا
اما هواك فلم نعدل بمنهله
شربا وان كان يروينا فيظميــــنا
لم نجف افق جمال انت كوكبة
سالين عنه , ولم نهجره قالينا
ولا اختيارا تجنبناه عن كثب
لكن عدتنا , على كره , عوادينا
نأسى عليك اذا حثت مشعشعة
فينا الشمول وغنانا مغنينا
لااكؤس الراح تبدي من شمائلنا
سيما ارتياح ولا الاوتار تلهينا
دومي على العهد , مادمنا , محافظة
فالحر من دان نصافا كما دينا
فما استعضنا خليلا منك يحسبنا
ولااستفدنا حبيبا عنك يثنينا
ولو صبا نحونا من علو مطلعه
بدر الدجى لم يكن - حاشاك -يصيبنا
ابكي وفاء , وان لم تبذلي صلة
فالطيف يقنعنا , والذكر يكفيـــــــــــــــنا
وفي الجواب متاع , ان شفعت به
بيض الايادي التي مازلت تولينا
عليك مني سلام الله مابقيت
صبابة بك نخفيها فنخفينــــــــــا
حقا انها درة ولا كل الدرر , زينت صدر ديوان العرب , انيقة رشيقة شفافة رقيقة رقراقة , منسابة كالماء الزلال عذبة فواحة ندية نضرة خلابة خيالية عاطفية واقعية , حكت لنا وللاجيال حرارة الحب الصادق والمشاعر الملتهبة تجاه المحبوبة التي غدرت بحبيبها , وعلى الرغم من ذلك يخاطبها المحبوب باسلوب الاحترام والتقدر , ويلقي عليها السلام والتحية , فهل هناك اروع من ذلك ؟
وفي هذه النونية دليل على احترام المراة العربية , ووضعها في المكانه التي تليق بها , فلا ننسى ان ولادة كانت اميرة , فهي ابنه الخليفة المستكفي بالله .
والحقيقة انني لااستطيع ان اذكر عن هذه النونية اكثر مما ذكره الادباء والمؤرخون , سواء اكانوا عربا ام مستشرقين , لاسيما اولئك الذين نالت اعجابهم ومنهم ( غريسه غومس) , الذي قال عنها : " انها اجمل قصيدة حب نظمها الاندلسيون , وغرة من ابداع غرر الادب العربي كله , عارضها ناس كثرون ولا زالوا يعارضونها الى اليوم . اما ( بالنثيا) فقد ذكر ابياتا منها .
وقد عارضها كثير من الشعراء منهم احمد شوقي ( امير الشعراء) , حينما نفي الى اسبانيا , واطلع على خزائن الكتب والمخطوطات والدواوين الشعرية الموجودة هنالك , فتأثر بهذه النونية وعاضها بقصيدة طويلة , هذا مطلعها :
يانائح الطلح اشباه عوادينا
نأسى لواديك ام تأسى لوادينا
هذه هي النونية الاولى التي ظلت محافظة على شهرتها الى يومنا هذا . وكان موضوعها الغزل والحب وسعادة المحبوب بلحظات اللقاء وتعاسته ولوعته عند الفراق , وقد خلدت لنا حكاية الحب العاصف بين ابن زيدون وولادة , فقد خلقت هذه النونية اصداء ششبيهه بما كنا نسمع من حكايات واساطير حول عنترة وعبلة , ومجنون ليلى , وجميل بثينة , وكثير عزة وغيرهم .
ومن الواضح ان هذه النونية ماهي الا رسالة غرام وعتاب وطلب لقاء من الحبيبة فالجديد في شاعرية ابن زيدون انه احسن استخدم الشعر في المراسلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق