الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

أيها المقصر متى تتوب


 ﴿ (18)  كتيب أيها المقصر متى تتوب ؟ (1) ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞

 الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه المصطفى ورسوله المجتبى
أمَّا بعد:
فإنَّ التوبة إلى الله تعالى نورٌ يتلألأ وسط ظلام المعصية الحالك، وبريق يلوح في الأفق فيغري العصاة بالرجوع إلى ربِّهم، ويُزيِّن لهم الكفَّ عن العصيان.
وما زالت التوبة تنادي العصاة والمقصرين: 
أن هلمُّوا إلى بارئكم، أقبلوا على ربكم؛ فإنَّ رحمته واسعة، وفضله عظيم، وفرحه بالتائبين ليس له منتهى وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: 25].
فيا أيها العاصي، تُبْ إلى ربِّك، وابكِ على خطيئتك! 
ويا أيها المقصِّر، تُبْ إلى ربِّك من تقصيرك، واسألْه العفو والغفران. 
ويا أيها المطيع، تُبْ إلى ربِّك من رؤيتك لطاعتك، وإدلالك بعملك وغفلتك عن عيوبك.
وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
وهذه الصفحات- أخي المسلم الموفَّق - قطوفٌ مختارةٌ وثمارٌ يانعةٌ في فضل التوبة وأحكامها وثمراتها وبعض قصص التائبين، نسأل الله تعالى أن يكون عونًا لكلِّ مسلمٍ على سلوك طريق التوبة، إنه خير مسؤول، وهو نعم المولى ونعم النصير
الناشـر
 
نِعم التوبة
أخي الحبيب:
الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين؛ فالدنيا ليست وطنًا ولا مقرًّا، بل هي معبرٌ و مَمرّ  ولا ينتهي السفر إلاَّ بالقدوم على الله، فمن أحسن في سفره كوفئ بالنعيم المقيم في الجنة، ومن أساء في سفره جوزء بالعذاب الأليم في جهنم  فالسعيد من تأهَّب لهذا السفر واستعدَّ له، واتَّخذ له زادًا من التقوى والعمل الصالح، والشقيُّ من ضيَّع عُمره في الغفلة والمعصية، فكان قُدومه على ربِّه قدوم العصاةِ والمُذنبين والمجرمين.
والعبد في سَفره إلى الله لا بدَّ أن يقع منه ما لا يُحمد من الأقوال والأفعال؛ لأنَّ الإنسان غير معصوم، وهو دائم النسيان والغفلة  ولَمَّا كانت المعاصي سبب سخط الله على العبد وإنزال العقوبة به، لم يترك الله عزَّ وجلَّ عِباده أسرى للمعصية أو عرضة للحيرة والقلق، بل أنعم عليهم بنعمة عظمى، ومنَّ عليهم بِمِنَّةٍ كبرى، وهي أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، ولولا أن وفَّق الله عباده إلى التوبة، وأنعم عليهم بقبولها؛ لوقع العباد في حرجٍ شديد، وأصابهم اليأس من المغفرة، وقصرت هممهم عن طلب القُرب من ربِّهم، وانقطع رجاؤهم من العفو والصفح والمسامحة.
الله غفور تواب رحيم
وقد وصف الله نفسه في القرآن ما يُقارب مائة مرَّة بأنه غفور رحيم، وامتنَّ على عباده بالتوبة في كثيرٍ من الآيات الكريمات، قال تعالى: واللهُ يُريدُ أن يتُوب عليكُم ويُريدَ الذين يتبعون الشهوات أن تميلُوا ميلاً عظيمًا [النساء: 27].
وقال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ [النور: 10].
وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم: 32] 
وقال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156].
فيا أخي الحبيب:
باب التوبة أمامك مفتوح ينتظرك، وطريق الأوبة مُمهَّد يشتاق إليك، فاطرق الباب، واسلك الطريق، واسأل ربَّك التوفيق والإعانة، وجاهد نفسك واقصرها على طاعة ربها وإذا تُبت إلى ربِّك وعُدت إلى المعصية مرَّةً أخرى ونقضت التوبة فلا تستحي من تجديد التوبة مرَّةً أخرى، مهما تكرَّر ذلك منك.
قال تعالى: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء: 25] 
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [الزمر: 53، 54].
وقال : «لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب الله عليكم».
فأين التائبون النادمون؟
أين العائدون الخائفون؟
أين الراكعون الساجدون؟
وجوب التوبة
التوبة: 
هي الرجوع عمَّا يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، وأصل التوبة الرجوع، ويقال: من رجع عن المخالفات حياءً من الله وخوفًا من عذابه فهو تائب.
والتوبة فرض عينٍ على كلِّ مسلم بالكتاب والسُنة والإجماع.
أما بالكتاب: 
فلقول الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم: 8].
ففي هاتين الآيتين الأمر الصريح بالتوبة لجميع المؤمنين، وهذا يدُلُّ على وجوب التوبة، يدُلُّ كذلك على أنَّ التوبة ليست خاصة بالعصاة والمخلطين؛ لأنَّ الله تعالى أمر بها أهل الإيمان.
ومِمَّا يدلُّ على وجوب التوبة كذلك قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11] 
حيث قسَّم العباد إلى قسمين: تائب وظالم، ولَمَّا كان الظُلم محرَّمًا كانت التوبة واجبة.
وأما السنة: 
فقد أمر النبي  بالتوبة فقال: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» .
وأما الإجماع: 
فقد قال ابن قدامة: الإجماع منعقدٌ على وجوب التوبة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا بدَّ لكلِّ عبدٍ من توبة، وهي واجبةٌ على الأوَّلين والآخرين .
وقال القرطبي: ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعيَّن .
أخي الحبيب: 
من رحمة الله تعالى عليك أن جعل التوبة فرضًا لازمًا، وذلك ليعفو عنك ويغفر ذنوبك ويمحو سيئاتك، فالله عزَّ وجلَّ غنيٌّ عنا وعن طاعتنا وأعمالنا كما قال سبحانه: لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37].
فبادر أخي بالتوبة الصادقة، وجدِّد التوبة في كلِّ يوم وفي كلِّ وقت، فإنَّ الراجع عن ذنبه والنادم عليه لا يكون مُصِرًّا وإن عاد في اليوم الواحد أكثر من سبعين مرَّة!
تب الآن
التوبة أخي الحبيب واجبة على الفور، بمعنى أنَّ تأخيرها والتسويف بها ذنب آخر يحتاج إلى توبة، وما يدري هذا المسوف الذي يقول: غدًا سأتوب أنه سيعيش إلى غد؟ بل ما يُدريه أنه سيقوم من مقامه؟ فإنَّ الموت قد يأتي بغتةً بلا أسبابٍ ولا مقدِّمات، وكم رأينا أناسًا ماتوا فجأة بسبب توقُّفٍ مفاجئٍ للقلب، أو بسبب حوادثٍ مروِّعة، أو بأسبابٍ لا يعلمها إلاَّ الله  قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34].
وأمر سبحانه بالمسارعة إلى ما يوجب المغفرة، ومنها التوبة، فقال سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران: 133].
وقال سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148] 
وقال عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 135].
وقال النبي : «ويلٌ للمُصِرِّين على ما فعلوا وهم يعلمون» .
فيا أخي الحبيب:
تُبِ الآن قبل أن تتراكم الظُلمة على قلبك، فلا تستطيع فكاكًا من المعاصي.
تُبِ الآن قبل أن يهجم المرض أو الموت فلا تجد مهلةً للتوبة.
تُبِ الآن قبل أن يأتيك ملك الموت فتقول: رَبِّ ارْجِعُونِ فيقال لك كَلَّا.
فضائل التوبة
التوبة في الحقيقة هي دِين الإسلام ومنازل الإيمان، ولا يستغني عنها الإنسان في جميع مراحل حياته، فالسعيد من جعلها ملازمة له في رحلته إلى الله والدار الآخرة والشقي من أهملها وتركها وراء ظهره.

۞۞۞۞۞۞۞


وللتوبة فضائل كثيرة منها:
1- أنها سببٌ جالبٌ لمحبَّة الله عزَّ وجل  قال تعالى: 
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222].
2- أنها سبب للفلاح قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
3- أنها سبب لقبول أعمال العبد والعفو عن سيئاته قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى: 25].
وقال تعالى: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا [الفرقان: 71] 
أي تُقبل توبته.
4- أنها سبب لدخول الجنة والنجاة من النار: 
قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم: 59، 60].
5- أنها سبب للمغفرة والرحمة: 
قال تعالى: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف: 153].
6- أنها سبب في تبديل السيئات إلى حسنات:
قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 68-70].
وقال النبي : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» .
7- أنها سبب لكلِّ خير:
قال تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [التوبة: 3].
وقال سبحانه: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ [التوبة: 74].
8- أنها سبب للإيمان والأجر العظيم: 
قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 146].
9- أنها سبب في نزول البركات من السماء وزيادة القوَّة:
قال تعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52].
10- ومن فضائل التوبة أنها سبب في دعاء الملائكة للتائبين:
وذلك كما قال تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7].
11- ومن فضائلها أنها طاعة مرادة لله عزَّ وجل:
وذلك كما قال تعالى: والله يُريدُ أن يتُوب عليكم [النساء: 27] فالتائب فاعل لِما يحبه الله ويرضاه.
12- ومن فضائلها أنَّ الله عزَّ وجلَّ يفرح بها:
وذلك كما قال النبي : «لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلِّها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدَّة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك" أخطأ من شدَّة الفرح» .
13- والتوبة كذلك سبب في نور القلب وإشراقه:
قال النبي : «إنَّ العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله تعالى كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ».
فيا أخي الحبيب:
جديرٌ بكلِّ عاقلٍ أن يبادر إلى ما هذا فضله وتلك ثمرته 
أخي:

قَدِّمْ لنَفسِكَ تَوبَةً مَرجُوَّةً
قَبلَ الممَاتِ وقَبلَ حَبسِ الأَلسُنِ

بَادِرْ بِها غَلْقَ النُفُوسِ فَإنَّهَا 
ذُخرٌ وَغُنْمٌ لِلمُنِيبِ الْمُحسِنِ

شروط التوبة الصادقة
هناك شروط للتوبة الصادقة لا تصحُّ ولا تُقبل إلاَّ بها، وهي:
أولاً- الإسلام: 
فالتوبة لا تصحُّ من كافر؛ لأنَّ كفره دليل على كذبه في ادِّعاء التوبة، وتوبة الكافر دخوله في الإسلام أولاً  قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 18].
ثانيًا- الإخلاص لله: 
فالله تعالى لا يقبل من الأعمال إلاَّ ما كان خالصًا له وحده ليس لأحد فيه شيء، وقد يتوب الإنسان من المعصية لأنه لا يستطيع فعلها، كمن لا يجد ثمن الخمر فيتوب من شربها وفي قرارة نفسه أنه لو وجد ثمنها لاشتراها وشربها، فهذا توبته باطلة لا تصحُّ؛ لأنه لم يُخلص لله تعالى فيها.
قال تعالى: فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2، 3].
وقال النبي : «إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى».
وكان من دعاء الفاروق عمر بن الخطاب: «اللهم اجعل عملي كلَّه صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا».
ثالثًا- الإقلاع عن المعصية: 
فلا تُتصوَّر صحَّة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة  أما إذا عاود الذنب بعد التوبة، وقد توفَّرت في التوبة شروطها، ومنها الإقلاع عن الذنب؛ فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج إلى توبةٍ أخرى  وهكذا.
قال النووي: «وإذا تاب توبةً صحيحةً بشروطها، ثم عاود الذنب؛ كُتِب عليه ذلك الذنب الثاني ولم تبطل توبته» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإذا تاب توبةً صحيحةً غُفِرت ذنوبه، فإن عاد إلى الذنب فعليه أن يتوب، وإذا تاب قبل الله توبته أيضًا» .
رابعًا- الاعتراف بالذنب: 
إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شيء لا يَعدُّه ذنبًا، كالذي يبتدع في دين الله عزَّ وجلَّ ما ليس منه، فإنه لا يعدُّ بدعته ذنبًا، بل إنه يتقرَّب إلى الله تعالى بها  وفي حديث الإفك قال النبي  لعائشة رضي الله عنها: 
«أمَّا بعد يا عائشة، إنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنَّ العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه» .
ومن هنا كانت المعصية أقلَّ خطورةً من البدعة، لأنَّ المعصية يُتاب منها في الغالب، أمَّا البدعة فلا يُتاب منها في الغالب.
خامسًا- الندم على ما سلف من الذنوب:
وهكذا المخالفات، ولا تتصوَّر التوبة إلا من نادم خائفٍ وجلٍ مُشفِقٍ على نفسه مِمَّا حصل منه، ولذلك قال النبي : «الندم توبة» .
سادسًا- ردُّ المظالم إلى أهلها: 
إن كانت المعصية مُتعلِّقة بحقوق الآدميين، قال النبي : «من كانت له مظلمة لأحد من عرض أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقَدْر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه» .
سابعًا- وقوع التوبة قبل الغرغرة: 
والغرغرة هي علامة من علامات الموت، تصل فيها الرُّوح إلى الحلقوم، فلا بدَّ أن تكون التوبة قبل الموت كما قال سبحانه: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
وقال النبي : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»  .
أخي الحبيب:
خُذ مِن شَبابِكَ قَبْلَ المَوتِ وَالهَرَمِ
وَبَادِر التَّوبَةَ قَبلَ الفَوتِ وَالنَّدَمِ

وَاعلَمْ بِأَنَّكَ مَجْزِيٌّ وَمُرْتَهَنٌ
وَرَاقِبِ اللهَ وَاحذَرْ زِلَّةَ القَدَمِ

لأنَّ الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس أجمعون وتيقَّنوا بقُرب قيام الساعة، ولكنَّ التوبة والإيمان عند ذلك لا تنفع  قال النبي : «إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل بالمغرب بابًا مسيرة عرضه سبعون عامًا للتوبة، لا يُغلق ما لم تطلع الشمس من قِبلَهِ، وذلك قول الله عز وجل يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ».
وقال : «إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» .
أقوال السلف في التوبة
للسلف عبارات جميلة وإضاءات عطرة تُبيِّن عظم منزلة التوبة وتُحِثُّ على سلوكها، ومن هذه الأقوال: 
1- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «جالسوا التوابين؛ فإنهم أرقُّ الناس أفئدة».
2- قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «عجبًا لمن يهلك ومعه النجاة! قيل له: وما هي؟ قال: التوبة والاستغفار».
3- قول أحمد بن عاصم الأنطاكي: «هذه غنيمة باردة، أصلح فيما بقي، يُغفر لك فيما مضى».
4- قول سعيد بن المسيب: «أنزل الله قوله تعالى: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (الإسراء: 25) في الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب».
5- قول الحسن البصري: «التوبة النصوح: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإضمار ألاَّ يعود».
6- قول الفضيل بن عياض: «كلُّ حزن يبلى إلى حزن التائب».
7- قول الربيع بن خثيم: «أتدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب ثم لا تعود».
8- قول طلق بن حبيب: «إنَّ حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العبد؛ فأصبحوا تائبين وأمسوا تائبين».
9- قول شقيق البلخي: «علامة التوبة: البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار».
10- قول أبي علي الروذباري: «من الاغترار أن تُسِيء فيُحسَن إليك، فتترك التوبة توهمًا أنك تُسامَح في الهفوات».
11- قول لقمان لابنه: «يا بني، لا تؤخِّر التوبة؛ فإنَّ الموت يأتي بغتة».
12- قول أبي بكر الواسطي: «التأنِّي في كلِّ شيء حسن إلاَّ في ثلاث خصال»، وذكر منها «التوبة عند المعصية».
13- قول إبراهيم بن أدهم: «من أراد التوبة فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة الناس (أي في الشر)، وإلاَّ لم ينل ما يريد».
14- قول يحيى بن معاذ: «الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كلِّ همَّة».
مناجاة تائب
قال منصور بن عمار: 
خرجت ليلة، وظننتُ أني قد أصبحت، وإذا عليَّ ليل، فقعدت عند بابٍ صغير، وإذا بصوت شاب يبكي ويقول: وعزَّتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك، ولا عصيتك حين عصيتك وأنا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرِّض، ولا بنظرك مستخفٌّ، ولكن سوَّلت لي نفسي، وغلبت عليَّ شقوتي، وغرّني سترك المُرخَى عليَّ  والآن، فمِن عذابك مَن ينقذني؟ وبحبل مَن أتصل إن قطعتَ حبلك عنِّي؟! 
وا سوأتاه من تصرُّم أيامي في معصية ربِّي! يا ويلي! كم أتوبَ وكم أعودَ قد حان لي أن أستحي من ربِّي!

۞۞۞۞۞۞۞

ليست هناك تعليقات: