يا حادي العيس
رغم قصر القصيدة الا انها خلدت بحناجر عراقية وكويتية وشامية ومصرية ، حيث ترسم مشهدا دراميا يصف ألم رحيل المحبوب وجنونه في تذكرها
فهل حقا كان الشاعر مجنونا؟؟؟؟
ما هي قصتها..؟؟؟
ذكرت القصة في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه انه والقصة حدثت في الفترة العباسية في سنة ست وأربعين وأربعمائة هـ :
حدثنا عبد الله بن عبد العزيز السامري قال: مررت بدير هرقل أنا وصديق لي.... ( الدير موجود على طريق بغداد وواسط)
فقال هل لك أن تدخل فتنظر إلى ما فيه من ملاح المجانين،
دخلنا وإذا بشاب حسن الوجه، مرجل الشعر، مكحول العين، أزج الحواجب، كأن شعر أجفانه قوادم النسور، وعليه طلاوة تعلوها حلاوة، مشدود بسلسلة إلى جدار،فحين بصر بنا قال مرحبا بالوفد قرب الله بكم بابي، من أين أقبلتم ؟ فقلنا جعلنا فداءك ومتسع الله بك أقبلنا من كذا، ثم قلنا له ما أجلسك ههنا وأنت لغير هذا المكان أهل وهو لغيرك محل، فتنفس الصعداء وهو مشدود إلى الجدار في سلسلة وصوب طرفه إلينا وأنشد:
الله يعلم أنني كمد ... لا أستطيع أبث ما أجد
روحان لي روح تضمنها ... بلد وأخرى حازها بلد
أما المقيمة ليس ينفعها ... صبر وليس يقرها جلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكانها تجد الذي أجد
ولما فرغ من شعره التفت إلينا فقال هل أحسنت فقلنا نعم ثم ولينا، فقال بأبي ما أسرع ذهابكما أعيراني سمعكما فعدنا إليه فأنشد:
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم
وحمّلوها وسارت في الدجى الأبل
و أرسلت من خلال الشق ناظرها
ترنو اليّ و دمع العين ينهمل
و ودّعت ببنان عقدهُ علم
وناديت لا حملت رجلاك يا جملُ
يا حادي العيس عرِّجْ كي أودعهـم
يا حادي العيس في ترحالك الأجـل
اني على العهد لم انكر مودتهم
يا ليت شعري بطول البعد ما فعلوا
ويلي من البين ما حل بي وبهم
من ناظرِ البين حل البينُ فارتحلوا
لما علمت أن القوم قد رحلوا
و راهب الدير بالناقوس منشغلُ
شبكت عشري على رأسي وقلت له
يا راهب الدير هل مرت بك الابلُ
يا راهب الدير بالإنجيـل تخبرنـي
عن البدور الللواتي ها هنـا نزلـوا
فحن لي وبكى وأنّ لي وشكى
و قال لي يا فتى ضاقت بك الحيلُ
ان البدور الواتي جئت تطلبها
بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا
شبكت عشري على رأسي وقلت له
يا حادي العيس لا سارت بك الإبـل
ليت المطايا التي سارت بهم ضلعت
يوم الرحيل فلا يبقـى لهـم جمـل
فقلنا له ( على سبيل المزاح الثقيل )لننظر ما يفعل : لقد ماتوا.
قال: أقسمت عليكم ماتوا
قلنا: نعم
فجذب نفسه في السلسلة جذبة دلع منها لسانه وبرزت عيناه وانبعث الدم من شفتيه وشهق فإذا هو ميت. فما ندمنا على شيء أعظم منه.
____________
شرح بعض المفردات
الدجى : الهودج الذي يوضع على ضهر الجمل
العيس : جمع الجمال
عرج : مر من صوبنا
حادي العيس : قوّاد الجمال
بنان : اصابع اليد
الاجل : الموت
البَينِ : الفراقشبكت عشري : اي وضعت يداي على رأسي
___________________
وللعلم ان الكثير من الشعراء لهم قصائد بعنوان ياحادي العيس..
وذلك لان حادي العيس هو ماسك خطام الابل عند السفر وقائد الركب من القوافل
والسفر في ذلك الزمان كان متعبا ومملا،، لذلك قيلت الكثير من القصائد للتخفيف من وحدة السفر ومشاقه..
وهذه بعض الابيات لشعراء مشهورين وكلها بعنوان ياحادي العيس::
ابو العلاء المعري
وما كان حادي العيس في غربة النوى *-*-*- علي كحادي النجم حين قلاه
احمد البهلول
وإن سار حادي العيس سرت بسيره *-*-*- وقالوا تسلى عن هواه بغيره
دع العيس يا حادي الركائب واتئد *-*-*- وها مقلتي العبرا فخذ ماءها ورد
احمد تقي الدين
يا حادي العيس عرج بي على الخيم *-*-*- على منازل أعراب بذي سلم
ابن الزيات
يا حادي العيس لا تربع فإن لنا *-*-*- بها لحاقا قبيل الصبح أو سحرا
ابن الكيزاني
يا حادي العيس اصطبر ساعة *-*-*- فمهجتي سارت مع الركب
ابن خاتمة الأندلسي
يا حادي العيس نحو القوم مرتهنا *-*-*- يرمي به الشوق من غور إلى تهم
ابن قلاقس
يا حادي العيس قف بها سحرا *-*-*- فحي رسم الكثيب من كثب
الباجي المسعودي
لو أن لسان الدين عاناه لم يقل *-*-*- عسى وقفة بالركب يا حادي العيس
الساعاتي
يا حادي العيس ذرها في ترادفها *-*-*- واقصد بها مهبط التنزيل من إضم
جرمانوس
يا حادي العيس لا ترفق براحلتي *-*-*- شرق و غرب عسى أن ندرك الأملا
وكذلك هناك قصيدة شهيرة بنفس الاسم للشاعر : ابو حسن المصري الشهير ب ماني الموَسوَس
هو محمد بن القاسم أبو الحسن المصري ، الملقب بـ : ماني الموسوس
وكما هو معروف أن الوسوسة ( او الجنون الخفيف ) كان شائعاً في العصر العباسي وذهب المؤرخون والأدباء في تفسير هذه الظاهرة مذاهب شتى لكن معظهم رأى أن الوسوسة كانت غير حقيقية بل أسلوب يجري عليه المسوس لقول مالا يستطيع العقلاء قوله عندما يكبت الحكام الحريات
وربما لهذا كان العرب يقولون (خذ الحكم من أفواه المجانين)
و قصيدته::
لمّا أناخوا، قُبيل الصبحِ، عيسهمُ
وثوّروها فثارت بالهوى الإبِلُ
وأَبرزت من خلال السّجف ناظرها
ترنو إليَّ ودمع العينِ ينهملُ
وودَّعتْ ببنانٍ خلتُهُ عنماً
فقلتُ: لا حملتْ رجلاكَ يا جملُ
ويلي من البينِ ماذا حلَّ بي وبها
من نازحِ الوجدِ حلَّ البينُ فارتحلوا
يا حادي العيسِ عرَّج كي أودِّعها
يا حادي العيسِ في ترحالكَ الأجلُ
إنّي على العهدِ لم أنقض مودتهم،
يا ليت شعري بطول العهدِ ما فعلوا؟
ذنبي إليه خضوعي حينَ أُبصرُه
وطولُ شوقيْ إليهِ حينَ أَذكرهُ
وما جرحتُ بطرفِ العينِ مهجتهُ
إلا ومنْ كبدي يقتصُ محجرهُ
نفسي على بُخلهِ تفديهِ من قمرٍ
وإنْ رماني بذنبٍ ليسَ يغفرهُ
وعاذلٍ باصطبارِ القلبِ يأمُرني
فقلتُ: مِنْ أينَ لي قلبٌ أُصبِّرُهُ
لا تنكرِنَّ رَحيليْ عنكَ في عجلٍ
فإنّني لرَحيلي غيرُ مختارِ
وربّما فارقَ الإنسانُ مُهجتَهُ
يومَ الوغى غيرَ قالٍ خيفةَ العارِ
مِن الظباءِ ظباءٌ همُّها السُّخُبُ
ترعى القلوبَ وفي قلبي لها عشبُ
أَفدي الظِّباءَ اللَّواتي لا قرونَ لها
وحليُها الدُّرُّ والياقوتُ والذَّهب
يا حسنَ ما سرقتْ عيني وما انتهيت
والعينُ تسرق أحياناً وتنتهِبُ
فتلكَ من حُسن عينيها وهبتُ لها
قلبيَ ولوْ قبلتْ منِّي الذي أَهبُ
وما أريدهما إلا لرؤيتها
فإنْ تأبّت فما لي فيهما أَربُ
إذا يدٌ سَرقتْ فالحدُّ يقطعها
والحدُّ في سرقِ العينينِ لا يجبُ
لو يكتبُ أسماءَ الملوكِ إذاً
أَعطوطَ موضعَ بسمِ اللهِ في الحَسَبِ
لو كانَ يقعدُ فوقَ الشّمس من كرمٍ
قومٌ لقيل اقعدوا يا آل عبّاسِ
ثمَّ ارتقوا في شُعاع الشمس كلكمُ
إلى السماءِ فأنتمْ سادة الناسِ