الخميس، 8 نوفمبر 2012

يـا ابن الأربعين سـنـة





يـا ابن الأربعين سـنـة





الموضوع جديرٌ أن يُكتب فيه ، إذ أنّ الكثيرين في عمر الأربعين وما بعدها ، غفلوا عن قيمة الوقت ، وفرطوا في ساعات العمر ، وكان الأجدر بمثلهم أن يكونوا أكثر وعياً ، واستفادة من ساعات العمر، إذا أن الإنسان كلما كبر ، ازداد فهماً وتجربةً ، فيبعثه ذلك إلى فهم ما يجري حوله. 

أخي المسلم: العمر نافذة إلى تلك الحياة التي يحياها الجميع ، المؤمن والكافر .. فأما المؤمن ، فإنه في خدمة وعبودية خالقه تبارك وتعالى وضع أمامه قولهِ تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذاريات:56]. 
وأما الكافر ، فلم يرض بالخدمة والعبودية .. قطع أيام عمره كالبهائم .. بل إن البهيمة أفضل منه .. لأنها تسبح ربها وتعبده ! قال تعالى : ( أولئك كالأنعام بل أهم أضل أولئك هم الغافلون ) [الأعراف:179]
والإنسان يحب أن يحيا .. ويحب أن تكون أيامه كلها سروراً.. وسعادة ! بل مهما تمادى العمر بالإنسان ، فإنه يحب أن يصف نفسه : أن ما زال صغيراً.. ويود أن يحقق الآمال الكثيرة ! ومن طرائف ذلك: 
رأى الحسن البصري في يد أمه كراثة ، فقال: ( يا أمه ، ما هذه الشجرة الخبيثة في يدك ؟ ) قالت: يا بني إنك شيخ قد خرفت ) قال: ( يا أمه، أينا أكبر أنا أم أنت ؟! )
وقال رجل للفضل بن مروان: ( كم سنوك؟ ) قال: ( سبعين )، ثم سأله بعد سنين، فقال: ( سبعون! ) فقال: ( ألم تخبرني منذ عشرين سنة بهذا ؟! ) قال: بلى، ولكني رجل ألوف، إذا ألفت سنة ؛ أقمت فيها عشرين سنة ، لم أتجاوزها إلى غيرها ! )
وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك بأصدق بيان.. فقال : { يكبر ابن آدم، ويكبر معه اثنان: حب المال، وطول العمر } [رواه البخاري ومسلم]. 
أخي المسلم: ليت الناس انتبهوا لمرور الأيام.. وانقضاء الأعمار.. كما انتبهوا إلى طول الآمال.. ونسج الأحلام ! 
قال الحسن البصري: ( ابن آدم ! إنما أنت عدد أيام، إذا قضى منك يوم؛ مضى بعضك )
فكم من أعمار ضاعت.. وضاع أصحابها ! 
وكم من أعمار.. انقضت قبل أن تنقضي آمال أصحابها ! 
وكم من أعمار.. عاشها أصحابه بغير غاية ! 

وكم من أعمار.. انقضت في غير طاعة الله تعالى ! 
في طول العمر قيام لحجة الله على العبد !
نعم.. كلما امتدت أيامك؛ ازدادت حجة الله تعالى عليك ! 
كثير أولئك الذين غفلوا عن هذا المعنى ! وهم في حماة الحياة.. وصراع البقاء ! 
فأفق يا ابن آدم ! فكم حجة لله عليك ظاهرة وأنت غافل ! تظاهرت الحجج.. وتكالبت عليك البراهين ! 
قال رسول الله علية الصلاة والسلام : { من عمّر من أمتي سبعين سنة؛ فقد أعذر الله إليه في العمر } [رواه الحاكم: صحيح الترغيب للألباني:3360]
قال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر، (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) [فاطر:37]. 
أخي المسلم: وهذا لا يعني أن حجة الله لم تقم على من هو دون السبعين.. بل إن من تجاوز الحُلُم؛ كان ذلك أدعى لقيام حجة الله عليه. 
قال الحسن البصري( لقد أعذر إليك أن عمَّرك أربعين، فبادر المهلة قبل حلول الأجل، أما والله لقد كان الرجل فيما مضى إذا أتت عيه أربعون سنة عاتب نفسه ). 
وقال عمر بن عبد العزيز: ( لقد تمت حجة الله على ابن الأربعين، فمات بها ) 
فيا من طال بك العمر: حاسب النفس.. ولا تغفل.. وأخلص العمل لمن قامت حجته عليك.. فكم في طول السنين من برهان قاطع للعذر. 

طول العمر واعظ لمن اتعظ !
حقاً إن في مرور الأيام عظات و عظات.. لمن تفكر وتدبر ، بل لا يمضي يوم من أيام الحياة؛ إلا وفيه درس للعاقلين. 
وكم في عمرك أيها الإنسان من عظات ! 
من ذلك: في طول العمر؛ زيادة في الفهم.. فهل استفدت من ذلك؟! 
ومن ذلك: في طول العمر؛ ضعف.. ووهن.. فهل فطنت لذلك ؟! 
قال عبد العزيز بن أبي رواد: ( من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء: الإسلام، والقرآن، والشيب ).
وقال بعض الحكماء: ( من أخطأته سهام المنايا؛ قيدته الليالي والسنون ) 
هبنـي بقيـتُ علـى الأيـامِ والأبـدونلتُ ما رمتُ من مالٍ ومن ولدٍ
منْ لي برؤية من قـد كنـتُ آلفُـهُوبالشبـاب الـذي ولّـى فـلـم يَـعُـد
ومن ذلك: تجدد الأحداث.. ورؤية المصائب في النفس والولد.. فإن كان الاحتساب.. كان الثواب والأجر. 
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما: ( من تمنى طول العمر؛ فليوطّن نفسه على المصائب )

فضل طول العمر في الطاعات 
هذه هي المنقبة العظمى لطول العمر.. فإن الغاية من الخلق؛ عبودية الله تعالى.. فمن قام بهذه الوظيفة كاملة؛ فهو أسعد الناس حظاً بحياته.. وحُقّ لمثله أن يتمنى طول العمر. 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا أنبئكم بخيركم؟ } قالوا: نعم. قال: { خياركم أطولكم أعماراً، وأحسنكم أعمالاً } [رواه أحمد وابن حبان والبيهقي: صحيح الترغيب:3361]
دخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق، فرأى شيخاً يزحف، فقال: يا شيخ، أيسرك أن تموت ؟! قال: لا ! قال: ولم، وقد بلغت من السن ما أرى ؟! 
قال: ذهب الشباب وشره، وبقي الكبر وخيره، إذا أنا قعدت ذكرت الله، وإذا قمت حمدت الله، فأحب أن تدوم لي هاتان الخصلتان. 
وقال هلال بن يساف: ( كان الرجل من أهل المدينة إذا بلغ أربعين سنة؛ تخلى للعبادة )
وقال إبراهيم النخاعي: ( كانوا يطلبون الدنيا؛ فإذا بلغوا الأربعين؛ طلبوا الآخرة )

أخي المسلم: فاجعل من عمرك مزرعة لأخرتك.. واغتنم ساعاته في الطاعات.. وتعهد نفسك.. حتى تحصد الخير والنجاة. 

.
.

الدعوة إلى التوحيد






 

الدعوة إلى التوحيد



سبق الحديث في ما مضى عن فتنة الناس في القبور وذلك في مشارق الأرض ومغاربها، وما حصل بسبب ذلك من المنكرات العظيمة، والتي من أفظعها الشرك بالله، وصرف العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، أضف إلى ذلك ما يحصل من المنكرات الأخلاقية نتيجة الاختلاط بين الذكور والإناث، ونحو ذلك من الأمور. وقد كان وقع المصيبة أخف مما هي عليه في واقع الحال، لو أن هذه المنكرات تحدث من عوام الناس، والمتفلتين من الدين والخلق، لكن ما جعل الواقع بهذه المرارة هو أن بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي -ظلماً وبهتاناً- كانت لهم يد المشاركة في هذه القبائح الشركية، سواء كانت مشاركة فعلية أو مباركة حضورية -إن صح التعبير- أو سكوتاً على الباطل وعدم القيام بواجب الدعوة والنصح والتوجيه، مع علم الكثير منهم بفساد هذه الأحوال .
وهذا الموقف من هؤلاء حمل دهماء العامة والرعاع من الناس على المضي قدماً في مسيرتهم المنحرفة هذه، دون توقف لأنها -حسب تصورهم- مسيرة عبادة وقربة إلى الله ما دام أن شيخ الطريقة، أو العالم الفلاني شارك فيها أو باركها، ومن هنا تتضح المقالة المأثورة :( إذا زل العالِم ؛ زل بزلته عالَم ) .
ومن هنا وجب التنبيه إلى خطورة أمثال هؤلاء العلماء الذين باعوا الدين بالدنيا، أو تقاعسوا في بيان الحق، أو داهنوا في دين الله، وليعلم كل من سلك هذا المسلك المشين أنه عرضة لسخط الله ومقته، وأن هذا المسلك هو مسلك أهل الكتاب الذين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، فذمهم الله، ومقتهم.
وفي المقابل فيجب على من آتاه العلم ممن يغار على دين الله أن يقوموا لله خير قيام، وألا يتركوا ساحة الدعوة خالية يعبث بها أمثال هؤلاء الذين لا ينظرون إلا إلى متاع الدنيا وحطامها، وربما باعوا دينهم وأنفسهم لشياطين الأنس والجن . ورضوا بأن يكونوا عبيد الدينار والدرهم، أو المناصب الدنوية الفانية .
فالساحة اليوم بحاجة ملحة، والعلماء الربانيون يقلون، وأهل الباطل يكثرون، وأنواع الفساد والشرور في ازدياد.
وعلى طلاب العلم اليوم مسؤولية عظيمة، ومهمتهم ليست باليسيرة، فالأمة، تقبع في هاوية سحيقة، وقد أصيبت في مقتلها، وفقدت مقومات النهوض إلا في حس أفراد معدودين.
وإن مما يؤسف له أن كثيراً من طلاب العلم، وأصحاب التوجيه العقدي السليم من شوائب الشرك والخرافة والبدع، لا يقدرون واقع الأمة الإسلامية، ولا يتصورون خطورة ما آلت إليه من الانحراف والبعد عن دين الله، كما أن كثيراً منهم -بل أكثرهم- لا يدرك الواجب المتحتم عليه في تخليص الناس من هذا الشر المستطير، ودعوتهم إلى الصراط المستقيم .
فلا بد لطلاب العلم أن يعوا واقع الحال، وعظم المسؤولية، وأن يتصدوا للقضية العظمى، والمهمة الكبرى، وهي إخراج الناس من ظلمات الشرك والخرافة والبدع والمحدثات الدخيلة إلى نور الإسلام وصفاء التوحيد، وألا يشغلوا أنفسهم أو غيرهم بأمور لا فائدة فيها، وربما أفسدت أكثر مما أصلحت، وخربت أكثر مما عمرت، كما يجب أن يكون الشباب المسلم على جانب كبير في فقه الدعوة، يبدأون فيه بهمات الدين وكبرى قضاياه، من توحيد الله تعالى، وتحذير من الشرك والكفر بصوره وأشكاله، وألوانه، ويثنون بواجبات الدين وأركانه العظام، من الصلاة، والزكاة والصيام والحج، وما يتعلق بها من الأحكام، والأعمال. مع التحذير من البدع، والخرافات، والانحرافات.
كما يجب أن يركز في هذا الجانب على قضايا بدأت في الزوال، والأفول من واقع المسلمين، ولم يبق منها إلا صبابة قليلة، مثل أخوة الدين، وما يترتب عليها من حقوق بين المسلمين من النصرة، والنصح، والإعانة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبذل الجود، وأن ذلك من الأمور المهمة في البناء، وقد أولاها الرسول صلى الله عليه وسلم من الاهتمام ما لا يخفى على أحد من طلاب العلم، ويكفي في ذلك تلك المؤآخاة التاريخية التي أبرمها بين المهاجرين والأنصار، حتى أصبحت مثلاً يحتذى على مدى العصور والأزمان .
إن هذا الدين كل لا يتجزأ، فمن رام النهوض به، فلينهض به جميعاً، ولا يقتصر على جانب، ويغفل آخر، وإنما القضية في البداءة بالأهم، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل، وبغير هذا فكل إصلاح مهما عظم وبذل له من الأوقات والجهود والأموال فلن يؤتي ثماراً جيدة، وقد يجد البعض نفسه يدور في حلقة مفرغة، كلما أراد الخروج منها عاد من حيث بدأ، فينقضي العمر، ويذهب الزمن، دون حصول مأمول، ولا دفع مكروه .
على شباب الصحوة أن يضعوا نصب أعينهم مهمة عظيمة ألا وهي إعادة الأمة إلى سابق عهدها من الرفعة والعزة والقيام بما أوجب الله عليها من المسؤولية الكبيرة وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وكونها أمة وسطاً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله على حد قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .
يجب أن يعي الدعاة إلى الله تلك المقالة العظيمة التي أطلقها الإمام مالك -رحمه الله- إمام دار الهجرة عندما قال : ( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) .
إن صلاح أمتنا لن يكون بغير الإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله كما قال عمر -رضي الله عنه- وقد ربط الله مصيرنا بهذا الدين، فلا قيام لنا، ولا قوة لنا، ولا بركة فينا إن تخلينا عنه كما قال الله تعالى ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) . وقال تعالى : ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) .
ويقول في جانب البركة والخيرات : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ). والمقصود: أن علماء الإسلام، ودعاته، وطلاب العلم عليهم واجب عظيم في نصر الدين، ونشره بين الناس خاصتهم وعامتهم . وعلى العلماء خاصة أن يتقوا الله في علمهم، وأن يباشروا مهمة الدعوة بأنفسهم، وأن يوجهوا طلاب العلم، والدعاة ويبصروهم بما يصلحهم في أنفسهم، وبما يصلح دعوتهم ويكفل لها الاستمرار على هدي من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بخطى ثابتة، وسيرة حميدة، وعلى طلاب العلم والدعاة أن يتقوا الله في أنفسهم وفي أهل العلم، وفي عامة الناس، وأن يسلكوا في دعوتهم جانب الرفق واللين، ومداراة الناس بما لا يترتب عليه مفسدة في الدين، كما يجب عليهم أن يسلكوا السبيل نفسه مع اخوانهم الدعاة الآخرين، وأن يحيوا النصيحة بينهم ملتزمين جانب الرفق واللين، مبتعدين عن التعنيف، والتبكيت . على حد قوله -صلى الله عليه وسلم : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) أخرجه مسلم من حديث عائشة .
هذا والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليه رداً جميلاً.  

الاستهزاء بالدين







الاستهزاء بالدين



هو ردة عن الإسلام، وخروج عن الملة بالكلية قال تعالى (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لاتعتذرو قد كفرتم بعد إيمانكم)
وهذه الآية نزلت في المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي عامة لكل زمان ولكل أحد، لأن الاستهزاء بالله أو برسوله أو بآياته، أو بشيء منها كفر مخرج عن الملة بنص هذه الآية.
والاستهزاء على ضربين :
- الاستهزاء بالقول: كالذين نزلت فيهم هذه الآية، فقد كانوا يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه : ما رأينا أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء من قرائنا هؤلاء.
وكذلك كل عبارة فيها تنقص أو سخرية بالإسلام كقول: هذا دين رجعي، أو متخلف، أو أهله رجعيون، أو السخرية من المؤذنين، أو الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أو السخرية بمن طبق سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، كلبس الثياب إلى نصف الساق، أو إعفاء اللحى، أو السخرية من الدعاة إلى الله الذين يدعون إلى توحيده وعبادته، ويلتحق بهذا التهكم بإقامة الحدود الشرعية من القصاص أو الرجم أو الجلد، وقول بعضهم : هذا أسلوب غير حضاري، أو رجعي، أو لا يصلح لهذا الزمان، أو ينافي حقوق الإنسان... ونحو ذلك من العبارات المسعورة التي ينخدع بها الغِرُّ، ويراها براقة، وهي تحمل السموم في طياتها، وكقولهم عن المسلمين المتدينين، أو المتمسكين بإسلامهم، ودينهم: هذا متطرف أو إرهابي، أو قاطع طريق، أو متزمت.
ومن ذلك السخرية بالمؤمنات المحجبات، من أجل حجابهن.
ولا شك أننا ابتلينا في هذا الزمن بمثل هذا اللمز الذي أصبح يملأ الإعلام الفاسد في مشارق الأرض ومغاربها، فكل مسلم، لايتناسب توجهه مع أعداء الإسلام، ومخططاتهم أصبح يلمز بهذه الألقاب، على وجه التحقير له، ولدينه، وللتنفير منه ومن دينه، وللأسف الشديد أصبح كثير من الأبواق الجوفاء من دهماء الناس، يحكون هذه العبارات تبعاً لأعداء الله دون تمييز، ولا تعرف على معناها، وخصوصاً رجال الاعلام، والغوغاء من الناس تبع لهم . وفي المقابل غابت عن إعلامنا المصطلحات الشرعية التي يوصف بها المتمسكون بالدين، الذائدين عن حياضه، كالمجاهدين، أو الدعاة إلى الله، طلاب العلم، أو أهل السنة، أو أتباع السلف، أو المصلحين، ونحو ذلك من العبارات التي استعملها سلفنا، أو وردت في شرعنا المطهر الحنيف. وإلى الله المشتكى من هذه الهجمة الشرسة العنيفة، على ديننا من كل حدب وصوب، فقد أحاطت بنا من كل الجهات، وطالت كل شيء له صلة بالدين .
- الاستهزاء بالعمل : وهو أعم من الأول : فمثلاً الأمور السابقة التي ذكرت أو لم تذكر، لو أن إنساناً كتبها بيده، أو أشار بكتابتها فهي نوع من الاستهزاء العملي، أضف إلى ذلك ما يحصل من الضحك الساخر عندما تتلى آيات الله، أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثلها الإشارة بالعين، أو اليد، أو مد الشفة، ونحو ذلك .
ومن ذلك إقامة التمثيليات أو المسرحيات الساخرة بالإسلام والتنقص منه أو أهله، أو تصوير أهله المتمسكين به في صورة مزرية أو مقذعة، أو قذرة، أو أنهم أصحاب نهم في الدنيا وجشع وطمع، وذلك يفعله بعض الممثلين المنحلين الذين يعرضون هذه القاضايا، وينسبونها لأهل التدين .
ومن السخرية الفعلية بالدين الرسوم الكاركاتيرية التي تعرض في بعض الصحف والمجلات، فتعرّض بشيء من أمور الدين، أو تصور حملته في وضع فيه انتقاص لهم، لأن هذا الطعن لا يوجه لأشخاصهم، بل للدين الذي أرشدهم إلى ذلك الزي أو المظهر المسخور منه، فيكون الأمر موجهاً للدين، وفي هذا محاكاة لأعداء الله الذين يستغلون وسائلهم الإعلامية في السخرية من الإسلام وأهله، ويصورونهم في أقبح الصور، وأبشع المناظر تنفيراً منهم ومن دينهم، والله المستعان.
فعلى من ابتلي بشيء من هذه الأمور، فوقع في الاستهزاء بالدين، أن يبادر بالتوبة، والاقلاع، عن تلك الأمور، وهجرها وهجر من يتعاطاها، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين . 

الوثنية






الوثنية



فتنة الأمة في الأضرحة والقبور

قد يعجب البعض وهو يقرأ دعاء إبراهيم عليه السلام في القرآن ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) فهل إنسان القرن العشرين الذي مخر الفضاء، وطوى كثيراً من فجاجه الشاسعة، واكتشف من سنن الله الباهرة ما حيرت العقول، وأذهلت التفكير؟؟؟! هل يعقل أن هذا الإنسان يعود بتلك العقلية الغابرة التي كانت تقدس الأحجار، والأشجار، وتتمسح بالجمادات رجاء منفعتها أو دفع مضرتها؟؟؟!
ويأتي الجواب المر المحير (نعم)!!! شيء عجيب!!!
أما آن لهذه العقلية التي رأت من آيات ربها الكبرى أن تتحرر من رق الوثنية، وعبودية المخلوق، بعد أن رأت آيات الله في الكون، وعلمت عظيم صنعه، وعجائب قدرته، رأت ذلك بعد أن قرأت قول الله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد).
لكن العجب قد يخف إذا عرفنا أن أول ضلال حل بالبشرية كان سببه الصور وتقديس الصور وأصحاب الصور.
لقد عادت وثنية الأمس في ثوب جديد وفي صور جديدة وتحت مسميات جديدة، مدفوعة بدوافع جديدة ... والنتيجة واحدة : إنها الوثنية! إنها الضلال، والزيغ عن التوحيد، والولوغ في آنية الشرك والخرافة بعقيلة جديدة، منظرة ومتفلسفة. و( إنا لله وإنا إليه راجعون).
إنها صرخة تهزني من الأعماق لتخرج مدوية في فضاء أمة الإسلام يا أمة التوحيد أين التوحيد؟؟؟ يا أمة العقيدة أين العقيدة؟؟؟ أين الإسلام؟؟؟ وماذا بقي من الإسلام؟؟؟ وأين بواكي الإسلام؟؟ ومن يبكي اليوم الإسلام؟؟؟ ألا من كان باكياً فلبيك اليوم على الإسلام، ألا فلنبك جميعاً على الإسلام! ولنسكب العبرات على ضريح التوحيد الذي دفناه بأيدينا، ونسيناه كما ننسى أقل الأشياء. لقد أصبح الإسلام غريباً بين أهله، مظلوماً بينهم لا يجد من ينصره أو ينصفه، لا أقول من الأعداء ولكن من أبناء الإسلام المنتسيبن إليه ربما بهتاناً وزوراً.
لقد نشأنا في هذه البلاد بلاد التوحيد، ولا نعرف بحمد الله الأوثان، ولا عبادة الأوثان، وذلك محض فضل الله علينا الذي أنقذنا بتلك الدعوة المباركة التي قام بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وناصره فيها ودعمه الإمام محمد بن سعود، وأبناؤه الكرام، وكلهم من أهل العلم والتوحيد، فالحمد لله الذي من على جزيزة الإسلام بدعوة هذا الإمام، والله نسأل أن ينضر وجهه في الفردوس الأعلى وكل من أعانه وناصره على نشر هذا الخير، ومن سار على نهجه في تخليص الناس من براثن الشرك والكفر والإلحاد.
لكن مصائب الوثنية ما زالت محيطة بنا في مشارق الأرض ومغاربها وفي شمالها وجنوبها، ورغم أننا نسمع عن تلك المآسي العقدية، والشركية إلا أنه لم يخطر ببالي يوماً أن الأمر بهذه الخطورة، وأنه بلغ هذا المبلغ الخطير.
لقد فتنت أمتنا فتنة عظيمة في القبور، والأولياء، بحيث أصبحت هذه القبور آلهة تعبد من دون الله ويصرف لها ما يصرف لله من العبادة، بل صرفت لها العبادة وحدها من دون الله، ونسي الله فيا له من هول ما أفظعه، وخطب جسيم ما أشده، وأهوله.
منكر عظيم وشر مستطير، وضلال مبين! ذلك ما يرتكبه سواد الأمة الإسلامية من المشرق إلى المغرب من الفتنة بالقبور والأضرحة، وما يصرف لها من أنواع العبادات من التوحيد بأنواعه الثلاثة مروراً بالسجود، والنذور والذبائح والاستغاثة والاستعانة والطواف والتمسح والتبرك وغيرها من صور العبادات التي لا يجوز أن تصرف لغير الله تبارك وتعالى.
أليس من العجب أن أرض الكنانة وبلاد الأزهر يوجد فيها أكثر من ستة آلاف ضريح وقبر يعبد من دون الله!!! اسألوا أهل مصر عن ضريح الحسين المزعوم كذباً وافتراء أنه في القاهرة، وحتى ولو كان كذلك فإنه لا يحل عبادته ولا تقديسه، ولا غيره من المخلوقين. ثم من نصدق في هذا؟ أهل مصر يقولون هو في القاهرة، وأهل العراق يقولون هو في كربلاء، وأهل حلب يقولون هو في سفح جبل الجوشن غربي حلب! فهل الحسين واحد أم أنه أكثر من ذلك؟؟!!
واسألوهم عن قبر السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، التي ماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع، ولم يعرف قط أنها خرجت من المدينة ما الذي أقدمها مصر بعد أن ماتت؟؟ ثم كيف انتقلت بعد ذلك إلى بلاد الشام ليكون لها قبر ثالث بدمشق؟! أم أن أرض مصر لم تطب لها بعد موتها فرحلت أو سبحت في أعماق الأرض حتى استقرت في تلك البقاع؟ والجواب معروف مسبقاً: إنها أضرحة الرؤيا تلك الخرافة الشيطانية التي أوحاها إليهم وضحك منهم كثيراً بلا شك.
وقل ذلك عن ضريح السيدة عائشة، والسيدة سكينة والسيدة نفيسة، وضريح الشافعي، والليث بن سعد.
واسألوهم عن ضريح السيد البدوي بطنطا ذلك الرجل الخبيث الذي هو من فلول الباطنية الملاحدة العبيدية (الفاطميين) الذين طردهم صلاح الدين من مصر فرجعوا إليها بعد ذلك في ثوب الزهد والتصوف، هو والدسوقي وأبو الفتح الواسطي، وأبو الحسن الشاذلي، وغيرهم من أرباب الزندقة والانحلال، ولو كان هؤلاء أولياء كما يدعي الجهلة من الناس لما ساغ أن يصرف لهم شيء من العبادة التي هي محض حق لله وحده دون سواه.
يحدثني من أثق به من أهل التوحيد، أنه لا يكاد يتم عرس في بلاد مصر إلا ويقع صاحباه في الشرك بالله، ذلك أن ذهاب العروسين لأحد الأضرحة، وطلب البركة، والتمسح به ... من الطقوس المتبعة في تلك البلاد، ويحدثني آخر عن قريبة له أنها كانت تذهب إلى قبر حسان بن ثابت -ولا أدري ما الذي أقدمه مصر -أيضاً- وذلك لتطلب منه أن يدفع عنها أذى جارتها التي كانت تؤذيها بكب فضلاتها عليها وعلى أبنائها، فتذهب إلى ذلك القبر المنسوب لحسان بن ثابت وتستغيث به لدفع ذلك الأذى عنها، وعن أبنائها.
وبلاد الشام لا تقل تعاسة عن بلاد مصر ففيها من الأوثان والأضرحة الشيء الكثير مما فتن به القبوريون، ففي دمشق قبر ابن عربي صاحب فصوص الحكم، والقائل بوحدة الوجود، وزعيم الفلاسفة القائلين بهذه البدعة الكفرية، ومزاره وثن يعبد من دون الله، ويقدس في عاصمة الإسلام لدولة بني أمية، فالناس يغدون إليه في كل أوان يطوفون به، ويستغيثون به، ويدعونه من دون الله، حتى إن المرأة لتضع خدها على شباك الضريح، وتمرغه، وتنادي: أغثني يا محيي الدين.
حتى جامع دمشق الذي بني على التوحيد، وكان مناراً من منارات الإسلام لم يسلم من هذه الفتنة العمياء، حيث نسب إليه القبوريون ضريحاً لرأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، وضريحاً آخر منسوب للنبي هود عليه السلام مع أنه لا يعرف أنه دخل بلاد الشام قط. وفي حمص قبر -أيضاً- وحلب وغيرها من بلاد الشام أعداد هائلة من الأضرحة مثل ضريح الخضر، وضريح يوشع بن نون، وفي بغداد دار الخلافة العباسية فيها اليوم نحو مائة وخمسين ضريحاً، وكذلك في الهند وبنجلادش، وبلاد المغرب وبلاد السودان، وتركيا، وغيرها مما يصعب حصره.
ومن المضحكات المبكيات في آن معاً أن في حلب بسوريا مسجد يعرف بمسجد العريان فيه ضريح لرجل كان أكثر أوقاته يمشي عرياناً، وكان الناس يقولون إن ذلك لغلبة الحال عليه. -وهو كذلك لكنها حال الشيطان،- فلما مات بنوا على قبره هذا المسجد، وأصبح مزاراً للناس. ومثله -أيضاً- حصل في القاهرة بمصر.
وفي بلاد المغرب كان هناك ضريح يؤمه الناس لقصد البركة، ويظنون أن بداخله ولياً من الأولياء، لكنهم اكتشفوا بعد حين أن ذلك الضريح لقسيس من القساوسة النصارى، ولم يصدق الناس ذلك حتى وجدوا الصليب بجانبه في القبر.
ومن العجائب ما يحدثني به أحد الاخوة أن رجلاً كان له كلب مدلل فمات ذلك الكلب فحزن عليه صاحبه فوضع له قبراً وضريحاً وبنى عليه قبة، فجاء شيطان من شياطين الإنس وزعم أن بداخل هذا القبر ولي من الأولياء ودعا الناس لتقديم الطقوس والنذور والقرابين، فاستجاب الناس على الفور، وازدحم الضريح الجديد بالزوار والمتبركين، ثم اكتشفوا بعد حين أن ذلك الولي المقبور ليس إلا كلباً من الكلاب.
وفي بنجلاديش هناك أضرحة تحوي أحواضاً من الماء يوجد بها تماسيح وزواحف، وأسماك فيأتي الناس إلى ذلك الضريح للدعاء ، ويحرصون على لمس تلك الزواحف وتلك التماسيح والأسماك وذلك كله طلباً للبركة، ولست أدري أي بركة في التماسيح، ولكنها العقول المغموسة والبصائر المطموسة، والحمد لله على نعمة الإسلام والبصيرة، فما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله فاللهم لك الحمد كله.
مالذي يحصل عند هذه القبور والأضرحة؟
الجواب باختصار: إنه الشرك بالله بكل صوره وأنواعه. لقد عادت الأمة إلى الوثينة الجاهلية من جديد، لكنها عادة هذه المرة باسم الإسلام باسم الكرامات، والأولياء، وطلب الخير والبركة ودفع الشرور والآثام. أليس الذبح والنذر والدعاء والاستغاثة، والخوف والخشية والسجود وطلب المنافع ودفع المضار والمكاره عبادة؟ وكل ذلك يصرف لهذه الأضرحة الوثنية من عبادها القبوريين. عوضاً عن الإقسام والحلف بها الذي أصبح يجري على الألسنة بقصد ودون قصد.
كيف راجت هذه الفتنة بين الناس؟
وهذا سؤال جدير بالبحث والتقصي لمعرفة الأمر بدقة، لكن ذلك لا يمنع من بيان بعض الأسباب، والتي قد تكون من أهم رواج هذا الكفر:
فأولاً: جهل الناس بعقيدتهم وتوحيدهم، وعدم معرفتهم بالله وبما يجب له وما يمتنع في حقه، وجهلهم بالعبادة وعدم معرفتها على الحقيقة، وهذا أساس كل بلاء فما عصي الله بالشرك وما دونه إلا بالجهل.
ثانياً: أن أساس هذه الضلالة العمياء ومنبعها نصراني أو يهودي أو هما معاً، وتلقف هذه البدعة المنكرة عنهم الروافض الذين شرعوا في بناء القبب على قبور أئمتهم وكبرائهم، كما في كربلاء والنجف وقم وغيرها، وتبعهم على هذه الفتنة العمياء المتصوفة من أصحاب الطرق والزوايا الذين كانوا مطايا الشيطان في نشر هذه الفرية الضالة في مشارق الأرض ومغاربها، وهم اليوم يتحملون الوزر الأكبر من آثام هذه البدعة المكفرة وعليهم وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة.
ثالثاً: علماء السوء ومعظمهم من أصحاب الطرق الصوفية، ولا شك أن الناس تبع لهؤلاء المنسوبين للعلم، فمثلاً مولد السيد البدوي في مصر الحسيرة يحضره في كل عام نحو ثلاثة ملايين زائر يتقدمهم شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية، أضف إلى ذلك حضور المسؤولين الكبار من رجالات الدولة.!!
رابعاً: الإعلام الفاسد الذي ينشر هذه المناسبات البدعية بين العوام الجهال الذين لا يعرفون الحق من الباطل، ولا شك أن الإعلام أصبح معول هدم وأداة شيطانية في أيدي شيطانية تؤز الناس إلى عذاب الله ومقته وسخطه وناره.
خامساً: طلاب الدنيا الذين رأوا في هذه الأضرحة فرصة عظيمة لكسب دراهم معدودة، فاستغلوا السفهاء والجلهة وأوهموهم الخير والبركة، فأضاعوا عليهم دينهم ودنياهم، والله المستعان.
ما هي الآثار؟
لقد كان لهذه الأضرحة آثار سيئة جداً على الأمة الإسلامية من وجوه عدة:
أولاً: إفساد الدين بالكلية لأنها أصبحت أوثاناً تعبد من دون الله، وهذا بالطبع يترتب عليه خسران الآخرة لأن المشرك مصيره النار خالداً مخلداً فيها نسال الله العافية والسلامة.
ثانياً: حصول الفرقة والشتات داخل الأمة، فقلت بركتهم وكثر شرهم وفسد تعاملهم إلا من رحم ربك.
ثالثاً: ذهاب الهيبة من قلوب الأعداء وتسلطهم على الأمة من الداخل والخارج كما هو مشاهد، وذلك مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ، قال: أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب عدوكم منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت) رواه الترمذي وغيره من حديث ثوبان. لقد أصبح أحقر الأمم من اليهود والنصارى والهندوس عباد البقر والأوثان، وكذا الشيوعيون البلاشفة الملاحدة يتحكمون في رقاب المسلمين، ويملون عليهم ما شاءوا من الشروط المجحفة، ويسلبون خيراتهم وثرواتهم تسلطاً وابتزازاً، بل أصبح كل من أراد أن يتعلم الشجاعة والإقدام فما عليه إلا أن يبحث عن قطيع من المسلمين فيفتك بهم فتكاً ذريعاً، ويسفك دماءهم ويأخذ أموالهم، وينتهك أعراضهم، على مرأى ومسمع من بقية المسلمين دون أن يهب أحد لنصرته أو نجدته أو دفع الظلم عنه، وهكذا تتكرر المأساة في كل يوم، وفي أقطار العالم الإسلامي فبالأمس بلاد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، وقد سلبها أحفاد القردة والخنازير من يهود، فعاثوا فيه فساداً ولا زالوا إلى اليوم وإلى غد.
وما زالت الرحى تدور في أفغانستان، وفي بلاد البلقان في أرض البوسنة والهرسك، وفي كوسوفا وما يحصل اليوم في كشمير والشيشان وإرتريا والصومال من المشاهد المروعة، وما ذلك إلا عقوبة حلت بالأمة من جراء تركها التوحيد والعقيدة الصحيحة.
رابعاً: تبلد الحس لدى أكثر من ينتسبون إلى الإسلام تجاه قضايا إخوانهم المسلمين، وأصبح مبدأ الجسد الواحد الذي غرسه الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين مفقوداً. وهذا غيض من فيض من المفاسد التي حصلت من هذا الداء العضال.
وأخيراً: من لهذه الأوثان التي أصبحت تعبد من دون الله؟ من يخلص الأمة من هذا الشرك الكبير، وهذا الانحراف الخطير؟ وهذا الشر المستطير؟ ألا فليعلم كل قادر على التغيير والنصح والتوجيه والبيان والتحذير أنه مطالب بالنفير لإيقاف هذا الزحف الوثني الغاشم الذي اجتث قلوب كثير من الناس، ولا يعفيه من ذلك إلا مانع قاهر لا تسويفات النفوس وبناء الحواجز الموهومة التي لا حقيقة لها في أرض الواقع، ولنعلم أنه لولا تقاعس الكثير من العلماء والدعاة، وانشغالهم بقضايا أخرى أقل أهمية لما فشا الشرك في الأمة بهذه الصورة المفزعة.
على الجماعات الإسلامية التي تدعو الناس أن تجعل التوحيد شعار دعوتها، وتطهير الاعتقاد من أدران الشرك والكفر مبدأ انطلاقتها، وتصرف وقتها كله في تصحيح هذا الجانب، وإذا استقام لهم ذلك استقام ما بعده، لأن كل الأمور مبنية في صلاحها على صلاح التوحيد وسلامة العقيدة، فإذا صلحت فما بعدها صلاحه أيسر، وإن فسدت فما بعدها فساده أكبر.
إلى أولئك الدعاة الذين يدعون الناس إلى الجهاد أو قيام الدولة الإسلامية ونحوها من الأمور ويصرفون في ذلك كل أوقاتهم أقول لهم: غرس التوحيد والعقيدة الصحيحة في نفوس الناس كفيل بقيام الجهاد وعودة الخلافة وغيرها من قضايا الإسلام التي ضاعت أو نسيت، أليس لكم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة؟ فلم يعرف أنه بدأ بشيء في دعوته قبل التوحيد وإخلاص العبادة لله، ليس هو وحده بل جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام كان مرتكز دعوتهم هو هذا الأمر العظيم ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
ولما أصلح الرسول صلى الله عليه وسلم العقيدة في نفوس الناس استقام له كل شيء من قيام دولة الإسلام والجهاد والعز والنصر والتمكين والنصرة بالرعب في قلوب الأعداء، وكل ذلك أتى تابعاً للتوحيد وإصلاح العقيدة.
وما فائدة رجل يجاهد -فيما يظهر في سبيل الله- وهو مرتكب لناقض من نواقض الإسلام، فهل ترى يقبل منه جهاده؟؟ لا والله لا يقبل منه جهاد ولا صلاة ولا زكاة ولا أي عمل ما لم يكن موحداً صالح العقيدة. وهذا لا يفهم منه التقليل من شأن الجهاد أو غيره من أمور الإسلام!! معاذ الله فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وهو درع الأمة ومن أهم مصادر عزها ومنعتها، لكن المسألة مسألة أولويات، وبناء الأساس قبل بناء الدار فلا يقوم بنيان على غير أساس، كما أنه لا يثبت ولا يستقيم إذا كان أساسه فاسداً. والله المسؤول أن يعجل الفرج ويكشف الغمة ويذهب هذه الوثنية ويطهر بلاد المسلمين من رجس الأوثان والطواغيت إنه ولي ذلك والقادر عليه وعلى كل شيء وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الردة





الردة




الردة لغة : الرجوع عن الشيء .
وهي في الشرع : الكفر بعد الإسلام، كما قال تعالى: (ومن يرتتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).
والردة عن الإسلام تحدث بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، وهي كثيرة ومتنوعة منها ما يكون بالقول ومنها ما يكون بالفعل، ومنها ما يكون بالقلب.
ونحن في هذا العصر نعيش تمرداً خطيراً على الإسلام وشرائعه، ليس من ملل الكفر وحدهم، بل ومن المسلمين أنفسهم، وهذا التمرد له صور شتى سواء في العبادات أو المعاملات أو السلوكيات.
ففي جانب العبادات هُجر كثير من ثوابت الإسلام وأركانه التي تعد شرطاً في صحة إسلام الفرد، فكثير من الناس لا يقيم الصلوات المفروضة عليه، ومن ترك الصلاة فقد كفر كما في الحديث الصحيح عن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه النسائي وغيره.
وعلى هذا فصيام تارك الصلاة وزكاته وحجه وسائر عمله مردود عليه لا يقبل منه لأن الصلاة شرط في صحة عمله هذا. ومن هنا تبرز خطورة الصلاة وقيمتها في حياة المسلم، وأنها المعيار الذي إذا قبل قبل سائر العمل، وإن فسد فسد سائر العمل. عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر) رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح.
كما هجر كتاب الله، لا يقرأ، ولا يعمل به، ومن قرأه فلا يكاد يتدبره، بل ولا يعرف معانيه.
ومن أبرز صور التمرد على الإسلام في المعاملات تنحيته عن الحكم بين الناس، وتشريع قوانين بشرية ناقصة، بدل شرائع الإسلام ونظمه التي هي مجموعة من المحاسن يجتمع فيها خيري الدنيا والآخرة، وهي الكفيلة بإسعاد البشر كافة في معاشهم ومعادهم. (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).
وقد قسم أهل العلم الردة إلى أقسام أربعة
1- الردة بالقول، كسب الله عز وجل، أو سب الدين أو سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الطعن فيه أو انتقاصه بأي قول، أو اتهامه بعدم البلاغ، أو السخرية من شخصه -صلى الله عليه وسلم- أو النيل من عرضه -صلى الله عليه وسلم-. أو اتهامه -صلى الله عليه وسلم- بالفشل في حياته أو في دعوته كما قال ذلك البغدادي المأفون.
وكذلك السخرية من الإسلام أو من شيء من أحكامه وشرائعه وسننه، أو اعتباره غير صالح لهذا الزمن وأن على الناس أن يتخلوا عنه ويبحثوا عن مصادر غيره لقوتهم وعزتهم، أو اتهامه بأنه دين رجعي متخلف يدعو إلى الجمود، أو أنه غير مرن،... الخ من الألقاب الردئية التي يوصم بها الإسلام ليل نهار وتتناقلها وسائل الإعلام شرقاً وغرباً.
ومن هذا الباب امتهان المصحف وإلقاؤه في أماكن القاذورات أو دوسه بالأرجل، كما يفعل السحرة المجرمون، والسحر -أيضاً- من أنواع الكفر الذي يرتد به صاحبه عن الإسلام. كما قال تعالى في سورة البقرة [102] {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}. فقوله (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر..) دليل على كفر الساحر.
ومن ذلك محاربة شرائع الإسلام وأحكامه الخاصة بالجنسين، وأنه لم يعدل حين فرق بين المرأة والرجل، بل ظلم المرأة وهضمها حقها، فهذا كفر وزندقة وردة مقيتة إن صدرت من مسلم.
ومن صور الردة القوليه: دعاء غير الله أو الاستغاثة به، أو الاستعانة به ونحو ذلك من صور الشرك القوليه إذا صدرت من مسلم فإنه يخرج بها من الإسلام ويسمى مرتداً.
مثال ذلك الذين يستغيثون بالأولياء أو مشائخهم، فإذا وقعوا في مأزق دعا أحدهم شيخه أو وليه المزعوم وطلب منه تفريج الكربة، وهذا كفر أشد من كفر المشركين الأول، لأن أولئك كانوا يشركون في الرخاء، وهؤلاء يشركون في الرخاء والشدة.
2- الردة بالعمل: مثل السجود للقبور أو الأصنام، أو الأشجار أو الحجار، بل هناك من يسجد للفروج، ويعتبرها آلهة ومعبوداً. والحمد لله على نعمة العقل.
ومن ذلك الذبح لغير الله، وهو كفر وردة لأن الذبح عبادة لا تصرف إلا لله، وفي صحيح مسلم من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة قال كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسر إليك قال فغضب وقال ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين قال: قال: (لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الأرض).
ومن ذلك التمرد على الحجاب واعتباره من مظاهر التخلف والرجعية، ومحاربته وإقصائه من واقع الناس، وكم سمعنا عن نساء قمن بخلع حجابهن، وتمردن عليه وعلى الفضيلة، وأصبحن عاريات من اللبس ومن الدين ومن الحياء ومن الخلق.
وقد أصبحنا نرى ونسمع العجب العجاب الذي لا يكاد يصدق. ففي بلد كان يوماً يعد منار الدين والإسلام، تمرد أهله عليه رويداً رويداً حتى انسلخوا منه انسلاخاً، وأصبح الإنتساب إلى الإسلام في ديارهم جريمة يعاقب عليها. ولما أصابهم الله بزلزال مروع عقوبة لهم على التمرد، ولعلهم يثوبون إلى رشدهم ما زادهم ذلك إلا عتواً ونفوراً، ومن العجب أن السلطات في هذا البلد المنكوب اعتبرت القول بأن ذلك الزلزال المدمر تحذيراً إلهياً بسبب التمرد على أحكام الشرع، اعتبرت ذلك التحذير تحريضاً للمواطنين على العداء الديني والمذهبي. وهو في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون العلماني في ذلك البلد البائس، والله الموعد.
وقد يدخل في الردة العملية التشبه بأعداء الإسلام مثل التزيي بزيهم، أو قص الشعور كقصاتهم، أو الأكل والشرب بطرقهم ووسائلهم، فهذا إذا قارنه محبة قلبية يكون ردة عن الدين والعياذ بالله، وهذا مما عمت به البلوى في هذا العصر، وانتشر انتشاراً كبيراً خصوصاً بين الشباب والنساء، فأصبح كثير من شبابنا يحاكون اليهود والنصارى في عاداتهم وكلامهم ومآكلهم ومشاربهم وفي سلوكياتهم الذميمة، ويعدون ذلك تقدمية ومدنية، وهو انحراف وفسوق، فمثلاً كثير من الشباب يقصون شعورهم بصورة تعد مثلة في الإسلام وذلك بقصه بشكل دائري من أسفل الرأس وترك ما على قمة الرأس دون حلق، وهذا فيه محذور من وجهين: الأول: أنه مشابهة لأعداء الله، والغريب أن هذا العمل لا يعمله منهم إلا الأراذل الذين يعدون من سقط المتاع، فلا نرى علماءهم أو مفكريهم أو قادتهم يعملونه -وهم ليسوا قدوة ، وإن عملوه- وإنما يغلب ذلك على الشذاذ جنسياً، أو ما يعرفون بالهيبز أو الجنس الثالث، ونحوهم من السفهاء، وصدق ابن القيم عندما قال عن هذا العمل: إنما يفعله السفلة من الناس.
المحذور الثاني: أن فيه مخالفة لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما نهى عن القزع كما الصحيح، وقد فسره في بعض الطرق بأنه حلق بعض الرأس وترك بعضه.
3- الردة بالإعتقاد: وهو الأساس، كاعتقاد الشريك لله، أن أحداً يملك الضر والنفع غير الله، أو أن غيره يملك التصرف في شيء من هذا الكون، أو أنه يستطيع أن يغير القضاء والقدر ونحو ذلك، وكذا من اعتقد شيئاً يخالف ما علم من الدين بالضرورة، كالذي يعتقد أن الناس يسعهم الخروج على شريعة الإسلام، أو أن اليهودية أو النصرانية اليوم ديانة صحيحة يمكن للناس أن يتدينوا بها... أو اعتقد أن هناك نبياً بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا من جحد شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة كاعتقاد عدم فرضية الصلاة أو الزكاة أو الحج أو الصيام، أو الجهاد...
ومن هنا يظهر ضلال الذين يتخذون الأولياء من دون الله أنداداً، ويعتقدون فيهم ما لا يصح أن يعتقد إلا في الله، ومن ذلك محبة غير الله كمحبة الله أو أشد. ويسمى كفر المحبة، وكذلك طاعة المخلوقين فيما يحرمون أو يحللون من عند أنفسهم فذلك معدود من الكفر والعبادة لغير الله.
4- الردة بالشك في شيء مما سبق كالشك في تحريم الشرك أو تحريم الربا... الخ من الأمور المتقدمة قبل قليل فمن اعتقدها أو شك فيها فهذا نوع من الردة والكفر الصريح والواجب فيها هو الجزم بمشروعية ما شرعه الله منها، والجزم بحرمة ما حرمه الله منها دون شك ولا ريب ولا تردد.
من أحكام الردة:
إذا علم هذا فهناك أحكام شرعية تترتب على المرتد يمكن تلخيصها في الآتي:
1- وجوب استتابته من ردته تلك بأن يقلع عما كان سبباً في خروجه من الدين، ويعلن براءته من ذلك العمل الفاسد، وتكرر عليه التوبة، ويخوف من الله ويبين له خطورة الأمر.
2- إذا لم يتب فيجب أن يقام عليه الحد: فيضرب عنقه بالسيف ردة، ويعلن ذلك على الملأ ليكون عبرة لمن سواه. وذلك للحديث الصحيح: ( من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري وغيره.
3- إذا مات أو قتل على الردة فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل توارى جيفته في مكان بعيد عن المسلمين أو يقبر في مقابر اليهود والنصارى.
4- لا يدعى له بالرحمة ولا يستغفر له، وكذا لا يتصدق عنه لأنه مات على غير ملة الإسلام.
5- لا يرثه أحد من أقاربه المسلمين، بل ماله فيئاً لبيت مال المسلمين، كما أنه يمنع من التصرف في ماله طيلة ردته إلا أن يراجع دينه فيعود إليه ماله.
6- إذا كانت زوجته مسلمة فإنها تطلق منه، ولا يحل لها البقاء معه ساعة واحدة، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.