الإيمان بوجوب محبةالصحابة
يؤمن المسلم بوجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآل بيته
وأفضليتهم على من سواهم من المؤمنين والمسلمين ، وأنهم فيما بينهم متفاوتون في
الفضل ، وعلو الدرجة بحسب أسبقيتهم في الإسلام .
فأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي
الله تعالى عنهم أجمعين ، ثم العشرة المبشرون بالجنة ، وهم الراشدون الأربعة ،
وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو
عبيدة عامر بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، ثم أهل بدر ، ثم المبشرون بالجنة ، من
غير العشرة كفاطمة الزهراء ، وولديها الحسنين ، وثابت بن قيس ، وبلال بن رباح
وغيرهم ، ثم أهل بيعة الرضوان وكانوا ألفاً وأربعمائة صحابي رضي الله تعالى عنهم
أجمعين .
كما يؤمن المسلم بوجوب إجلال أئمة الإسلام
واحترامهم وتوقيرهم والتأدب معهم عند ذكرهم ، وهم أئمة الدين وأعلام الهدى كالقراء
والفقهاء والمحدثين والمفسرين من التابعين وتابعي تابعيهم ، رحمهم الله ورضي عنهم
اجمعين .
كما يؤمن المسلم بواجب
طاعة ولاة أمور المسلمين وتعظيمهم واحترامهم والجهاد معهم والصلاة خلفهم وحرمة
الخروج عليهم ، ولذا فهو يلتزم حيال كل هؤلاء المذكورين بآداب خاصة .
أما أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وآل بيته فإنه :
1_ يحبهم لحب الله
تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم لهم ، إذ أخبر تعالى أنه يحبهم ويحبونه في قوله
: ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على
المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله
ولا يخافون لومة لائم ) ، كما قال في وصفهم : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله الله في أصحابي لا
تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم
فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) .
2_ يؤمن بأفضليتهم على
غيرهم من سائر المؤمنين والمسلمين لقوله تعالى في ثنائه عليهم :( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو
أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) .
3 _ أن يرى ان أبا بكر
الصديق أفضل أصحاب رسول الله ومن دونهم على الإطلاق : وأن الذين يلونه في الفضل هم
: عمر ثم عثمان ، ثم على رضي الله تعالى عنهم أجمعين وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم
: ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي ) . وقول
ابن عمر رضي الله عنهما : ( كنا نقول
والنبي حي : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه
وسلم فلم ينكرها ) ولقول علي رضي الله عنه : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم
عمر ولو شئت لسميت الثالث – يعني عثمان رضي الله عنهم أجمعين .
4 _ أن يقر بمزاياهم ،
ويعترف بمناقبهم كمنقبة أبي بكر وعمر وعثمان في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد
وقد رجف بهم وهم فوقه : ( أسكن أحد إنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) وكقوله
لعلي رضي الله عنه : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ ) وقوله
: ( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) وكقوله للزبير بن العوام : ( إن لكل نبي
حوارياً ، وإن حواري الزبير بن العوام ) . وكقوله في الحسن والحسين : (
اللهم أحبهما فإني أحبهما ) وكقوله لعبد الله بن عمر : ( إن عبد الله رجل
صالح ) وكقوله لزيد بن حارثة : ( أنت أخونا ومولانا ) وقوله لجعفر بن
أبي طالب : ( خلقي وخُلقي ) وقوله لبلال بن رباح (سمعت دف نعليك بين يدي
في الجنة ) وكقوله في سالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب
ومعاذ بن جبل : ( استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود وسالم مولى
أبي حذيفة ، وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل ) وكقوله في عائشة : (وفضل عائشة على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) وكقوله في الأنصار : ( لو أن الأنصار
سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من
الأنصار ) وقال : ( الأنصار لا
يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله
) وكقوله في سعد بن معاذ : ( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ) وكمنقبة
أسيد بن حضير ، إذ كان مع أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ، فلما خرجا ، وإذا نور بين أيديهما يمشيان فيه فلما
تفرقا تفرق النور معهما وكقوله لأبي بن كعب : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك : لم
يكن الذين كفروا، قال : وسماني ؟ قال : نعم فبكى أُبي ) وكقوله في خالد بن
الوليد : (سيف من سيوف الله مسلول ) وكقوله في الحسن : ( ابني هذا سيد ،
ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) وكقوله في أبي عبيدة : ( لكل أمة أمين وإن أميننا أيتها الأمة
أبو عبيدة بن الجراح ) رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين .
5 _ يكف عن ذكر مساوئهم ، ويسكت عن الخلاف الذي شجر بينهم ، لقول الرسول
صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي ) وقوله : ( لا تتخذوهم غرضاً
بعدي ) وقوله : ( فمن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى
الله يوشك أن يأخذه ) .
6 _ أن يؤمن بحرمة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنهن طاهرات
مبرآت ، وأن يترضى عنهن ، ويرى أن أفضلهن خديجة بنت خويلد ، وعائشة بنت أبي بكر
وذلك لقول الله تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجه
أمهاتهم ) .
وأما أئمة الإسلام من قراء ومحدثين وفقهاء فإنه :
1 _ يحبهم ويترحم عليهم
ويستغفر لهم ويعترف لهم بالفضل ، لأنهم ذكروا في قول الله تعالى (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا
عنه) ، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خيركم قرني ، ثم الذين
يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) . فعامة القراء والمحدثين والفقهاء والمفسرين كانوا
من أهل هذه القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير .
وقد أثنى الله على المستغفرين لمن سبقوا بالإيمان في قوله : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ) فهو إذاً يستغفر لكل المؤمنين
والمؤمنات .
2 _ لا يذكرهم إلا بخير ، ولا يعيب عليهم قولاً ولا رأياً ، ويعلم أنهم
كانوا مجتهدين مخلصين فيتأدب معهم عند ذكرهم ، ويفضل رأيهم على رأي من بعدهم وما
رأوه على ما رآه من اتى بعدهم من علماء وفقهاء ومفسرين ومحدثين ، ولا يترك قولهم
إلا لقول الله ، او قول رسوله ، أو قول صحابته رضوان الله عليهم أجمعين .
3 _ أن ما دونه الأئمة الأربعة : مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة ، وما
رأوه ، وقالوه من مسائل الدين والفقه ، والشرع هو مستمد من كتاب الله ، وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، وليس لهم إلا ما فهموه من هذين الأصلين ، أو استنبطوه منهما ،
أو قاسوه عليهما ، إذا أعوزهما النص منهما ، أو الإشارة أو الإيماء فيهما .
4 – يرى أن الأخذ بما دونه أحد هؤلاء الأعلام من مسائل الفقه والدين
جائز ، وأن العمل به عمل بشريعة الله عز وجل ما لم يعارض بنص صريح صحيح من كتاب
الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يترك قول الله ، أو قول رسوله صلى الله
عليه وسلم لقول أحد من خلقه كائناً من كان ، وذلك لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله
ورسوله ) . وقوله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
) وقوله : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
وقوله : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .
5 _ يرى أنهم بشر يصيبون ويخطئون ، فقد يخطىء أحدهم الحق في مسألة ما من
المسائل، لا عن قصد وعمد – حاشاهم – ولكن عن غفلة أو سهو ، أو لنسيان ، أو عدم
إحاطة ، فلهذا المسلم لا يتعصب لرأي أحدهم دون آخر بل له أن يأخذ عن أي واحد منهم ،
ولا يرد قولهم إلا لقول الله ، أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 _ يعذرهم فيما اختلفوا فيه من بعض مسائل الدين الفرعية ، ويرى ان
اختلافهم لم يكن جهلاً منهم ، ولا عن تعصب لآرائهم ، وإنما كان : إما أن المخالف لم
يبلغه الحديث ، أو رأى نسخ هذا الحديث الذي لم يأخذ به ، أو عارضه حديث آخر بلغه
فرجحه عليه ، أو فهم منه ما لم يفهمه غيره ، إذ من الجائز ان تختلف الأفهام في
مدلول اللفظ فيحمله كل على فهمه الخاص ، ومثال هذا ما فهمه الإمام الشافعي رحمه
الله من نقض الوضوء بمس المرأة مطلقاً
فهماً من قوله تعالى : ( أو لامستم النساء ) فقد فهم من ( أو لامستم ) المس ، ولم ير غيره فقال بوجوب الوضوء لمجرد مس المرأة ، وفهم غيره أن
المراد من الملامسة في الآية الجماع فلم يوجبوا الوضوء بمجرد المس بل لا بد من قدر
زائد كالقصد أو وجود اللذة . وقد يقول قائل : لم لا يتنازل الشافعي عن فهمه ليوافق
باقي الأئمة ، ويقطع دابر الخلاف عن الأمة ؟
الجواب : أنه لا يجوز له أبداً أن يفهم عن ربه شيئاً لا يخالجه فيه أدنى
ريب ، ثم يتركه لمجرد رأي او فهم إمام آخر ، فيصبح متبعاً لقول الناس تاركاً قول
الله ، وهو من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى .
نعم .. لو أن فهمه من النص عارضه نص صريح من كتاب الله أو سنة لوجب عليه
التمسك بدلالة النص الظاهرة ، ويترك ما فهمه من ذلك اللفظ الذي دلالته ليست نصاً
صريحاً ولا ظاهراً ، إذ لو كانت دلالته قطعية لما اختلف فيها اثنان من عامة الأمة
فضلاً عن الأئمة .
وأما ولاة أمور المسلمين فإنه :
1 _ يرى وجوب طاعتهم لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم ) ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر
عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) ، وقوله : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن
عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصى أميري فقد عصاني ) .
ولكن لا يرى طاعتهم في معصية الله عز وجل ، لأن طاعة الله مقدمة على
طاعتهم في قوله تعالى : ( ولا يعصينك في معروف )
ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إنما الطاعة في المعروف
) وقال أيضاً : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وقوله : ( لا
طاعة في معصية الله ) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : ( السمع والطاعة على المرء المسلم
فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) .
2 _ يرى حرمة الخروج عليهم ، أو إعلان معصيتهم لما في ذلك من شق عصا
الطاعة على سلطان المسلمين ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من كره من
أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية ) وقوله :
( من أهان السلطان أهانه الله ) .
3 _ أن يدعو لهم بالصلاح والسداد والتوفيق والعصمة من الشر ومن الوقوع
في الخطأ ، إذ صلاح الأمة في صلاحهم ، وفسادها بفسادهم ، وأن ينصح لهم في غير إهانة
، وانتقاص كرامة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا لمن ؟ قال
لله ولكتابه ، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .
4 _ أن يجاهد وراءهم ويصلي خلفهم ، وإن فسقوا وارتكبوا المحرمات التي هي
دون الكفر لقوله عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن طاعة أمراء السوء : ( اسمعوا
وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ) . ولقول عبادة بن الصامت :
( بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا ، وأن لا
ننازع الأمر أهله ، قال : إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان )
.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم
لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه.