من زرع الإثم حصد الدمار
وحدثني عبيد الله بن محمد بن الحفا، قال: حدثني رجل من أهل الجند، قال: خرجت من بعض بلدان
الشام، وأنا على دابة لي، ومعي خرج لي، فيه ثياب ودراهم.
فلما سرت عدة فراسخ، لحقني المساء، وإذا بدير عظيم، فيه راهب في صومعة.
فنزل واستقبلني، وسألني المبيت عنده، وأن يضيفني، ففعلت.
فلما دخلت الدير، لم أجد فيه غيره، فأخذ دابتي، وطرح لها شعيراً، وعزل رحلي في بيت، وجاءني بماء
حار، وكان الزمان شديد البرد، وأوقد بين يدي ناراً، وجاءني بطعام طيب
من أطعمة الرهبان، فأكلت، وبنبيذ، فشربت.
ومضت قطعة من الليل، فأردت النوم، فقلت: أدخل المستراح
، قبل أن أنام، فسألته عنه، فدلني على طريقه، وكنا في غرفة.
فلما صرت على باب المستراح، إذا بارية مطروحة، فلما صارت رجلاي عليها نزلت، فإذا أنا في
الصحراء، وإذا البارية قد كانت مطروحة على غير تسقيف.
وكان الثلج يسقط في تلك الليلة سقوطاً عظيماً، فصحت، وقدرت أن الذي استمر علي من غير علمه،
فما كلمني.
فقمت وقد تجرح بدني، إلا أني سالم، فجئت، واستظللت بطاق باب الدير من الثلج.
فما وقفت حيناً حتى رأيت فيه برابخ من فوق رأسي، وقد جاءتني منها حجارة لو تمكنت من دماغي
لطحنته.
فخرجت أعدو، وصحت به، فشتمني، فعلمت أن ذلك من حيلته، طمعاً في رحلي.
فلما خرجت، وقع الثلج علي فعلمت أني تالف إن دام ذلك علي، فولد لي الفكر أن طلبت حجراً فيه
ثلاثون رطلاً وأكثرن فوضعته على عاتقي تارة، وعلى قفاي تارة، وأقبلت أعدو في الصحراء أشواطاً،
حتى إذا تعبت، وحميت وجرى عرقي، طرحت الحجر، وجلست أستريح خلف الدير،
من حيث يقع لي أن الراهب لا يراني.
فإذا أحسست بأن البرد قد بدأ يأخذني، تناولت الحجر وسعيت من الدير ولم أزل على هذا إلى الغداة.
فلما كان قبيل طلوع الشمس، وأنا خلف الدير إذ سمعت حركة بابه، فتخفيت.
فإذا بالراهب قد خرج، وجاء إلى موضع سقوطي، فلما لم يرني دار حول الدير يطلبني، ويقول،
وأنا أسمعه: ترى ما فعل الميشوم ? أظن أنه قدر أن بالقرب منه قرية، فقام يمشي إليها، كيف أعمل،
فاتني سلبه، وأقبل يمشي يطلب أثري.
قال: فخالفته إلى باب الدير، وحصلت داخله، وقد مشى هو من ذلك المكان يطلبني حول الدير،
فحصلت أنا خلف باب الدير، وقد كان في وسطي سكين، فوقفت خلف الباب، فطاف الراهب، ولم يبعد
.
فلما لم يقف لي على خبر، عاد ودخل، فحين بدأ ليرد الباب، وخفت أن يراني، ثرت عليه، ووجأته بالسكين، فصرعته، وذبحته.
وأغلقت باب الدير، وصعدت إلى الغرفة، فاصطليت بنار موقودة هناك، ودفئت، وخلعت عني تلك
الثياب، وفتحت خرجي، فلبست منه ثياباً جافة، وأخذت كساء الراهب، فنمت فيه،
فما أفقت إلى قريب من العصر.
ثم انتبهت وأنا سالم، غير منكر شيئاً من نفسي، فطفت بالدير، حتى وقفت على طعام،
فأكلت منه، وسكنت نفسي.
ووقعت مفاتيح بيوت الحصن في يدي، فأقبلت أفتح بيتاً بيتاً، فإذا بمال عظيم من عين،
وورق، وثياب، وآلاف، ورحال قوم، وأخراجهم.
وإذا تلك عادة الراهب كانت مع كل من يجتاز به وحيداً، ويتمكن منه، فلم أدر كيف أعمل في نقل المال، وما وجدته.
فلبست ثياب الراهب، وأقمت في موضعه أياماً، أتراءى لمن يجتاز بالموضع من بعيد،
فلا يشكون أنني هو، وإذا قربوا مني لم أبرز لهم وجهي، إلى أن خفي خبري.
ثم نزعت تلك الثياب، ولبست من بعض ثيابي، وأخذت جواليق، فملأتها مالاً،
وحملتها على الدابة، ومشيت، وسقتها إلى أقرب قرية،
واكتريت فيها منزلاً، ولم أزل أنقل إليها كلما وجدته، حتى لم أدع شيئاً له قدر إلا حصلته في القرية.
ثم أقمت بها إلى أن اتفقت لي قافلة، فحملت على دواب اشتريتها، كل ما كنت قد حصلت في المنزل.
وسرت في جملة الناس بقافلة عظيمة لنفسي، بغنيمة هائلة، حتى قدمت بلدي،
وقد حصلت لي عشرات ألوف دراهم ودنانير، وسلمت من الموت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق