اذكر الموت
إخواني : أكثروا من ذكر هاذم اللذات وتفكروا في انحلال بناء اللذات ، وتصوروا مصير الصور إلى الرفات ، وأعدوا عدةً تكفي في الكفات ، واعلموا أن الشيطان لا يتسلط على ذاكر الموت ، وإنما إذا غفل القلب عن ذكر الموت دخل العدو من باب الغفلة .
قال الحسن : إن الموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لب به فرحاً .
وقال يزيد بن تميم : من لم يردعه الموت والقرآن ، ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع .
سئل ابن عياض عن ، ما بال الآدمي تستنزع نفسه ، وهو ساكت ، وهو يضطرب من القرصة ؟ قال : لأن الملائكة توقفه .
يا بن آدم ، مثل تلك الصرعة قبل أن تذر كل غرة فتتمنى الرجعة ، وتسأل الكرة ، كم من محتضر تمنى الصحة للعمل هيهات حقر عليه بلوغ الأمل أو يكفي في الوعظ مصرعه ، أو ما يشفي من البيان مضجعه .. أما فاته مقدوره بعد إمكانه .. أما أنت عن قليل في مكانة .
ولما احتضر عبد الملك بن مروان قال : والله لوددت أني عبد رجل من تهامة أرعى غنيمات في جبالها وأني لم أل .
وجعل المعتضد يقول عند موته : ذهبت الحيل فلا حيلة حتى صمت .
وقال أبو محمد العجلي : دخلت على رجل في النزع فقال لي : سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي ، وفي الحديث : " أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات ؟! " .
يا من قد امتطى بجهله مطايا المطالع ، لقد ملأ الواعظ في الصباح المسامع ، تالله لقد طال المدى فأين المدامع ؟ أين الذين بلغوا المنى فما لهم في المنى منازع ، رمتهم المنايا بسهامها في القوى والقواطع ، فعلموا أن أيام النعم في زمان الخوادع ، ما زال الموت يدور على الدوام حتى طوى الطوالع ، صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى المضاجع ، ولقوا الله غاية البلاء في تلك البلاقع ، جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا ، وبنوا مساكنهم فما سكنوا ، فكأنهم كانوا بها ظعناً لما استراحوا ساعة ظعنوا . لقد أمكنت الفرصة أيها العاجز ، ولقد زال القاطع وارتفع الحاجز ، ولاح نور الهدى فالمجيب فائز ، وتعاظمت الرغائب وتفاقمت الجوائر ، فأين الهمم العالية ، وأين النجائز ؟ أما تخافون هادم اللذات والمنى والمناجز . أما اعوجاج القناة دليل الغامز . أما الطريق طويل وفيه المفاوز . أما عقاب العتاب تحوي الهزاهز . أما القبور قنطرة العبور فما للمجاوز . أما يكفي في التنقيص حمل الجنائز . أما العدد كثير فأين المبارز ؟ أما الحرب صعب والهلك ناجز ، والقنا مسوغ والطعن واجز ، والأمر عزيز والرماح البوس نواكز . تالله بطلت الشجاعة من بني العجائز ، وتريد إصلاح نادك والأمر ناشز . إن لم يكن سبق الصديق فليكن توبة ماعز .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق