الثلاثاء، 11 فبراير 2014

جاءه الفرج من حيث لم يحتسب



جاءه الفرج من حيث لم يحتسب











أخبرني أبو الفرج القرشي، المعروف بالأصبهاني، قال: ذكر ابن الكلبي عن أبيه، قال: خرج قيسبة بن كلثوم السكوني، وكان ملكاً، يريد الحج، وكانت العرب تحج في الجاهلية، فلا يعرض بعضها لبعض.
فمر ببني عامر بن عقيل، فوثبوا عليه، وأسروه، وأخذوا ماله، وكل ما كان معه، وألقوه في القد، فمكث فيه ثلاث سنين، وشاع في اليمن، أن الجن استطارته.
فبينما هو في يوم شديد البرد، في بيت عجوز منهم، آيس من الفرج، إذ قال لها: أتأذنين لي أن آتي الأكمة، فأتشرق عليها ? فقد أضر بي البرد.
فقالت له: نعم، وكانت عليه جبة حبرة، لم يترك عليه غيرها.
فمشى في قيوده حتى صعد الأكمة، ثم أقبل يضرب ببصره نحو اليمن، وتغشاه عبرة، فبكى، ثم رفع طرفه إلى السماء، فقال: اللهم فاطر السماء، فرج لي مما أصبحت فيه.
فبينما هو كذلك، إذ عرض له راكب يسير، فأشار إليه أن أقبل، فأقبل عليه الراكب، فقال له: ما حاجتك ? قال: أين تريد ? قال: أريد اليمن.
قال: ومن أنت ? قال: أبو الطمحان القيني، فاستعبر قيسبة.
فقال أبو الطمحان: من أنت ? فإني أرى عليك سيما الخير ولباس الملوك، وأنت بدار ليس فيها ملك.
فقال: أنا قيسبة بن كلثوم السكوني، خرجت عام كذا وكذا حاجاً، فوثب علي أهل هذا الحي، وصنعوا بي ما  ترى وكشف له عن أغلاله وقيوده، فاستعبر له أبو الطمحان.
فقال له قيسبة: هل لك في مائة ناقة حمراء ? قال: ما أحوجني إلى ذلك.
قال: أنخ، فأناخ.
ثم قال: أمعك سكين ? قال: نعم.
قال: ارفع لي عن رحلك، فرفع له عن رحله، حتى بدا خشب مؤخر الرحل.
فكتب عليه بالمسند، وليس يكتب به غير أهل اليمن:
بلّغن كندة الملوك جميعاً * حيث سارت بالأكرمين الجمال
أن ردوا الخيل بالخميس عجالاً * واصدروا عنه والروايا ثقال
هزئت جارتي وقالت عجيباً * إذا رأتني في جيدي الأغلال
إن تريني عاري العظام أسيراً * قد براني تضعضع واختلال
فلقد أقدم الكتيبة بالسي * ف عليّ السلاح والسربال
وكتب تحت الشعر إلى أخيه، أن يدفع لأبي الطمحان مائة ناقة حمراء، ثم قال له: أقرىء هذا قومي، فإنهم سيعطونك مائة ناقة حمراء.
فخرج تسير به ناقه، حتى أتى حضرموت فتشاغل بما ورد له، ونسي أمر قيسبة، حتى فرغ من حوائجه.
ثم سمع نسوة من عجائز اليمن، يتذاكرن قيسبة، ويبكين، فذكر أمره، فأتى أخاه الجون بن مالك، وهو أخوه لأبيه وأمه، فقال له: يا هذا، أنا أدلك على قيسبة، وقد جعل لي مائة ناقة حمراء.
فقال: هي لك.
فكشف له عن الرحل، فلما قرأه الجون بن مالك، أمر له بمائة ناقة حمراء.
ثم أتى قيس بن معدي كرب الكندي، أبا الأشعث بن قيس، فقال له: يا هذا إن أخي في بني عامر بن عقيل أسيراً، فسر معي بقومك لنخلصه.
فقال له قيس: تسير تحت لوائي، حتى أطلب ثأرك وأنجدك، وإلا فامض راشداً.
فقال له الجون: مس السماء أيسر من ذلك، وأهون علي مما جئت به.
فجئت السكون ثم فاءوا، ورجعوا، وقالوا له: وما عليك من هذا ? هو ابن عمك، ويطلب لك بثأرك، فأنعم له بذلك.
وسار قيس، وسار معه الجون تحت لوائه، وكندة والسكون معه، فهو أول يوم اجتمعت فيه السكون وكندة لقيس وبه أدرك الشرف، فسار حتى أوقع ببني عامر بن عقيل، فقتل منهم مقتلةً عظيمةً، واستنقذ قيسبة، فقال في ذلك سلامة بن صبيح الكندي:
لا تشتمونا إذ جلبنا لكم * ألفي كميت كلّها سلهبه
نحن أبلنا الخيل في أرضكم * حتّى ثأرنا منكم قيسبه
واعترضت من دونها مذحج * فصادفوا من خيلنا مشغبه


جاءه الفرج من حيث لم يحتسب

ليست هناك تعليقات: