أبناؤنا ( غراسٌ ورعية ) .!
الحمْد لله ..
الحمد لله أسْـبغ علينا النعم .. وأمَدنا بضروب المنن .. رفعَ عنا حُـلك الجهل .. وأضـاءَ ديجُورنا بسنا العلم ..
هدانا إلى الإيمان .. وبلغنا مراقيَ عزٍ لاتضام .. وأنزلنا بالإسلام منازّل لاترام ..
والصلاة على علم الأعلام .. وسيّد الأنام .. نبيّنا محمد ..
وعلى آلهِ وصحبه والسلام ..
أمابعد ..
الأبناء غراسٌ عظيم ماتعاهدهُ المربي سُقيا من نمير النصْح العذب الزلال , زكَا هذا الغرسُ ونما وتباركَ وأينعَ وأثمر وأنفع ,
وإن أهمل وتركَ تنهشهُ ليوث الفلوات وأنيابُ القنوات وضروبُ الحملات اعوجَ ويبسَ وضؤُلَ نفعه وانعدمَت جدواه ..
الأبناءُ رعيَة وأمانة .. وياويحَ من استرعاهُ الله رعيَة فوفد عليهِ القيامة غاشاً لها .!
والأبناءُ إبانَ طفولتهم أمثال الأوعية فماسكبتَ فيها فاضت به , وما ملأتها بهِ أعطتكَه ..
لن يجتهد والدٌ في تربيَة فيعلمهُ القرآن والسُنة ويأخذهُ إلى ميادين العلم ويسْكنه مواطنَ المعرفة إلا رأى أقاحي سُموه على أقرانِه وتميزه عن صَحبه وسَبقه لركبهِ ..
ولو صدق الله وأحسَن تربيته , بلغه الله فيهِ الآمال , وأسْكنهُ بهِ الظلل , وأوردهُ به هامَ العُلا !
أما إذا ما أهمله ولقنواتِ السُموم وصُحبة السُوء سُلمه فلا يعجبن لورآه بعد غدٍ هشّ الديانة , رقيقَ العقل , سفيه الأهداف
..
تدورُ حياته خلفَ جلد منفوخ - لا تعرفُ قدره إلا الأرجلُ التي تركله - فلو دخل من بين العمُودين فرحَ وصاحَ معَ ناديه كأنما أفتتحَوا القدس ..
ولو انحرفَ هذا الجلد المنفوخ قليلاً عن عموديه لجزعَ وتغشاهُ الحزن كأنهُ أوانُ سُقوط قرطبة !
يالله ..
ما أسْفه الأحلام وما أخسَ المآرب !
..
عارٌ والله ومثلبة /
أن نتركَ أبناءَنا وفلذات أكبادنا في أفضل أيام أعمارهم وأجْدرها بالحفظ وأولاها بالعمارة بالعلم يجلسُون الساعاتِ الطوال أمامَ قنواتٍ مفسدة نتنة
.. آسنة المشارب .. سيئة المقاصد ..
تدكُ معاقل الإيمان في قلوبهم .. وتنسفُ معالم الدين في نفوسهم ..
تهونُ عليهم الكبائر والمرءُ ما أدمن النظر إلى الشرّ هان عنده ..
وكثرة النظر إلى مشاهد المعصية تطفئ هيبَة الله في القلب - عياذاً بالله - !
عارٌ والله ومثلبة /
أن نتركَ أبناءنا غرض تتعاورهُ السهام ’ وقلّ أن تتعاور السهامُ غرضاً إلا كَلمته ,
سهامُ قنواتٍ وفراغٍ وجهلٍ وغريب وأمواج فتنٍ التي تكاد تكتسحُ الأمم وتعصفُ بالأجيال ’
ثمَ لا نقابلُ هذا بحصُون إيمانِ شديدة , وقلاعِ قيَم صلبة , وسياجِ أخلاق لايُفل !
عارٌ والله ومثلبة /
أن نتركَ أبناءَنا وثمار أفئدتنا في ريعان طفولتهم وأسْنى مراحلهم يلبثون الساعاتِ الطوال عُكُوفاً على رسُوم متحَركة أو ألعاب الكترونية كــ(ــالسوني ) وأشباهِه ..
تمزقُ أوقاتهم وتحرقُ أعمارهُم , ثمَ لا يرجى لهُم منها نفعٌ في الدُنيا , ولا سُمو منزلة عند الله في الأخرى !
..
أما كَان الأولى أن تصرفَ هذهِ الأوقات في قراءَة كتاب أو حفظ متن أو إبحارٍ في سُنن ..؟!
والعاقلُ لا تعجزهُ الحيلة في ذلك ..
أفلا يجعلُ المربي أو الوالدُ لأبنائه جُعلا أو يرصُد لهُم جائزة على حِفظ السُورة أو إتمام متن ..؟!
فلا ريبَ – بإذن الله – سيتنافسُون ويتسَابقون !!!
..
وبما أنا على مشارفِ إجازة سنوية فلعلها فرصَة لأن يبدأ المربي معَ رعيته سَنَناً جديدا .. ونهجاً حديثاً /
بأن يجعل لهم جُزءًا من وقتهِ كل يوم , يخط لهم جَدولا , يرسُم لهم منهجاً ..
يدنو منهُم كل آن ..
يذكرهم الله .. يخوفهُم سطواته .. يشعرهُم بشفقتهِ عليهم .. وحبُه الخير لهُم ..
يحدثهُم عن رسُول الله .. يعلو بهم في آفاقِ السيرة .. يرحلُ بهم مراحل الرعيل الأول ..
يصفُ لهم تضحياتهِم .. ومشاهدهم في ميادين القتال .. وهممهُم في مرابع العلم ..
يعلمهُم آية .. يقرؤهُم حديث .. يشرحُ لهُم مسألة .. يحدوهُم لتفسير ..
يمحضهُم نصْح .. يصْدقهم دعوة .!
فإن فعل هذا وصدقَ الله فيميناً بره لن يخيبَه الله ..
وليلفيــَنّ بركَة هذا وثمرتهِ ما أبقى الله روحَه بين جنبيْه أو قطفها .!
..
أيها الوالد /
كُل مركب مُقدرٌ له أن يغادر مرساه ’ ومركبكَ يوماً ما سيغادر أو مراكبُنا عنكَ تغادر إلى منازل الراحلين ’
فإن اسْتطعتَ أن لا يرينكَ الله في مقام غشّ لرعيتك قبل أن يسلبكَ أو يسلبهُم أرواحهم فافعل !
أيها الوالد /
حياة أبنائِك صــرحُ أنتَ مشيدهُ ’ فإذا بنيته فلتكن لبنة من قرآن ولبنة من سُنة ولبنة من عِلم ولبنة من نصْح ..
ولتكُن دعامة ذلكَ كله وأسه /
{ يابُنيّ أقِمِ الصَلاة } .!
أيها الوالد /
قال - صلى الله عليه وسلم -: ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ، أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته )..
فلا يفوتنكَ أن تضعَ هذا الحَديث نصبَ عينيك كُل آن !
أيها الوالد /
الغراسُ ما لم يتعاهد بالسُقيا جفّ وتضوعَ نبته ويبس وكذا النصْح إن دام عَمِل عمل الغيثِ الهتان في الأرضِ الصْحصح
تكون قبلهُ قاحلة ,فتصيرُ بعده جَنة ممرعَة مخضرة !
أيها الوالد /
أولسْتَ توقظ ابنكَ الوسْنانَ المتعبَ في عُمقِ نومِه إلى الصلاة ولو أن يشقى لحظاتٍ في سبيل سَلامتهِ من لفحَات جهنَم وسياط السَعير ..؟!
فلتكُن هذه شِنشنتكَ في صغره ولو أن تشقَ عليها أِشهراً أو سنوات بالعلم والمعرفة ’ ثم يسْعد بإذن الله بعد ذلكَ عمرهُ كله وآخرته !
قـالـ الشاعر /
لاتندمنّ على الصبيان إن ضربُوا ** فالضربُ يفنى ويبقى العلمُ والأدبُ !
إن الغصـــون إذا قومتها اعتدلت ** ولن تلــــــــــــين إذ قومتها الخشبُ !
بيد أن لا إفراط ولا تفريط ..
أيها الوالد ..
أ لا يسركَ أن يرفعَ الله ببنيكَ بيارقَ الأمة , وأن يبقي الله آثارهُم في ميادين الأمة ..؟!
فاجهد في تربيتهم ودعوتهم والدعاء لهم , فبقدر ماتنصب تسعد ..
والله لا يضيعُ أجر من أحسَن عملاً !
أخيراً /
أسألُ الله أن لا يجعلَ هذهِ الكلمات هتاناً في سَبخة ولا هبهاباً في مهمَه ..
وأن ينفعَ بها قارئها وناقلها وراقمها ..
وأن يجعلها لي جُنة يوم العرضِ عليه ’ ويُبلغني بها مالم أكُن أخال ..
وأن لا يجعلها حُجة عليّ ..
وأن يسْقيَ أرواحنا بهتانِ رحماتٍ يُنبت بهِ كلأ كثيرآ في أراضٍ يباب خراب ..
وأن لا يحرمنا خيْر ما عندهُ بشر ماعندنا ..
وأن يغفر لنا ولوالدينا .. ويجزيهُم عنا خيرَ ما جَزى بهِ والداً عَن ولده ..
وأن يجعلناَ قرة لأعينهُم .. ورفعة لدرجاتهم ..
وأن يطيلَ أعمارهُم على طاعته !
آمين ..
ويرحمُ الله قارئا قـالــ :
آمين !
ميمُونة الهاشمي !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق