كريهة ... ألا تستحم .
وتردد على الأطباء وفحص الأنف والجيوب والحلق والأسنان واللثة والكبد والأمعاء ... وكانت النتيجة ... لا مرض فى أي مكان بالجسد ولا سببا عضويا مفهوم لهذه الرائحة .
و كان يتردد على الحمام عدة مرات فى اليوم ويغتسل بأغلى العطور فلا تجدى هذه الوسائل شيئا ... ولا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر منتن يهرب منه الصديق قبل العدو .
وذهب يبكى لرجل صالح ... وحكى له حكايته فقال الرجل الصالح ... هذه ليست رائحة جسدك ... ولكن رائحة أعمالك .
فقال الرجل مندهشا: وهل للأعمال رائحة ؟
فقال الرجل: تلك بعض الأسرار التي يكشف عنها الله الحجاب.. ويبدو أن الله أحبك وأراد لك الخير وأحب أن يمهد لك الطريق إلى التوبة.
فقال الرجل معترفا: أنا بالحق أعيش على السرقة والاختلاس والربا وأزني وأسكر وأقارف المنكرات.
قال الرجل الصالح: وقد رأيت فهذه رائحة أعمالك.
قال الرجل: وما الحل؟
قال الصالح: الحل أصبح واضحا، أن تصلح أعمالك وتتوب إلى الله توبة نصوحا.
وتاب الرجل توبة نصوحا واقلع عن جميع المنكرات ولكن رائحته ظلت كما هي ... فعاد يبكى إلى الرجل الصالح ... فقال له الرجل الصالح – لقد أصلحت أعمالك الحاضرة، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم ... ولا خلاص منها إلا بمغفرة.
قال الرجل: وكيف السبيل إلى مغفرة؟
قال الصالح: إن الحسنات يذهبن السيئات فتصدق بمالك ... والحج المبرور يخرج منه صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه فاقصد الحج ... واسجد لله ... وابك على نفسك بعدد أيام عمرك ...
وتصدق الرجل بماله وخرج إلى الحج ... وسجد فى كل ركن بالكعبة وبكى بعدد أيام عمره ... ولكنه ظل على حاله تعافه الكلاب وتهرب منه الخنازير إلى حظائرها ... فآوى إلى مقبرة قديمة وسكنها وصمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجا من كربه.
وما كاد يغمض عينيه لينام حتى رأى فى الحلم الجثث التي كانت فى المقبرة تجمع أكفانها وترحل هاربة ... وفتح عينيه فرأى جميع الجثث قد رحلت بالفعل وجميع اللحود فارغة ... فخر ساجدا يبكى حتى طلع الفجر فمر به الرجل الصالح ...
وقال له:هذا بكاء لا ينفع فإن قلبك يمتلئ بالاعتراض ... وأنتلا تبكي اتهاما لنفسك بل
تتهم العدالة الإلهية فى حقك.
قال الصالح: هل ترى أن الله كان عادلا فى حقك ؟
قال الرجل: لا أدرى.
قال الصالح: بالضبط ... إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك ... وبهذا قلبت الأمور فجعلت الله مذنبا وتصورت نفسك بريئا ... وبهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوبا جديدة فى الوقت الذى ظننت فيه أنك تحسن العمل.
قال الصالح: لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذابا أكبر ولعرفت أن الله الذى ابتلاك لطف بك ... ولكنك اعترضت على ما تجهل واتهمت ربك بالظلم ... فاستغفر وحاول أن تطهر قلبك وأسلم وجهك ... فإنك إلى الآن ورغم حجك وصومك وصلاتك وتوبتك لم تسلم بعد.
قال الرجل: كيف ... ألست مسلما؟!
قال الصالح: الآن عرفت فالزم ... وقل لا إله إلا الله ... ثم استقم ... قلها مرة واحدة من أحشائك.
فقال الرجل: لا إله إلا الله.
فتضوع الياسمين وانتشر العطر وملأ العبير الأجواء وكأن روضة من الجنة تنزلت على الأرض.
وتلفت الناس ... وقالوا ... من هناك ... من ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عطر.
قال الرجل الصالح: بل هو رجل عرف ربه.
اعجبتني جدا هذه القصة, فقد وجدت فيها معنى جميل و خطير فى نفس الوقت ربما يخفى على الكثير منا, فى لجوءنا الى اللهوتوجهنا اليه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق