الأربعاء، 11 يوليو 2012

أيها المنافق .


*
 أيها المنافق .







*
 يا من يخدع الله سبحانه وهو
خادعه.

*
 يا من في قلبه مرض فزاده الله
مرضًا.

*
 يا من يُظهر ما لا يُبطن ،
ويُبدي مالا يُخفي.

السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وبعد:

فإن النفاق داء عضال ومرض خطر يهدد المجتمعات ، ويزعزع كيانها متى ما تفشى فيها
وانتشر بين أفرادها ، وهو أنواع عديدة منها: نفاق العقيدة ، ونفاق العبادة ،
ونفاق المعاملة ـ نسأل الله السلامة ـ . ولما كان هذا الوباء له خطره العظيم .
وعواقبه الأليمة ، كان عليّ أن أوجه هذه الرسالة إلى من كان في قلبه مرض من
النفاق طمعاً في بيان الحق وإبطال الباطل ، لعل الله أن ينفع بها فأقول
مستعيناً بالله وحده :


يا من طبع الله على قلبه فهو لا يفقه ولا يعي ، إياك ولمز المُطّوّعين من
المؤمنين الصالحين ، وأحذر من الخوض في أعراضهم والتعرض لهم بلسانك الذي لا هم
له إلا النيل نهم في المجالس ، وتشويه صورهم والاستهزاء بهم ؛ فإن من علامات
النفاق النيل من الصالحين ، وتتبعهم بالسخرية في كل مكان . قال تعالى : {
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } (
سورة البقرة : 14). والحذر الحذر من ممارسة هذا الفعل الشنيع بحجة المزاح
والتسلية ، فقد ورد التحذير من ذلك في قوله تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } ( سورة التوبة : 65).



يا من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ، ويحب أن تشيع الفاحشة في الذين
آمنوا
، أما تخاف عقوبة الله سبحانه وتخشى عذابه؟! يا من يرى المنكرات فلا
ينكرها ولا يُتَمَعَّرُ وَجههُ غضبا لحرمات الله سبحانه تذكر قوله جل وعلا:
{
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ } ( سورة التوبة : من
الآية 67 )
. فإياك وهذا السلوك المشين والفعل القبيح الذي هو دليل على النفاق ،
وعلامة
على حب الفاحشة والحرص على إشاعتها بين أبناء المجتمع - والعياذ بالله -.



يا من لا يريد بعمله وجه الله سبحانه ولا الدار الآخرة ، إياك والتخلف عن
صلاة الجماعة والتأخر عن أدائها في المساجد فقد ورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه
قوله : " ولقد رأيتنا وما يتخلَّفُ عنها ( أي صلاة الجماعة ) إلا منافق ، معلوم
النفاق " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 1488 ، ص 264 ) . لأن التخلف عن صلاة
الجماعة في المسجد مع جماعة المسلمين من غير عذر شرعي ذنب عظيم يدل على مرض في
القلب ، ومؤشر على مخالفة الجماعة وعدم الامتثال لأوامر الشرع العظيم وهدي
النبوة الكريم.



يا من جعل الله جل جلاله أهون الناظرين إليه حين يستخفي من الناس ويخلو
بمحارم الله ليبارز العزيز الجبار بالذنب ، ويحاربه بالمعصية ، تذكر قوله
سبحانه : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ
اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } ( سورة النساء : الآية 108) . فأحذر من
غضب الجبار سبحانه وانج بنفسك من النار ، ولا تنس قول الشاعر :



وإذا خلوت بريـــبة في ظلـــمة *** والنفس داعية إلى العصيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يرانـي 





يا من يقوم إلى الصلاة وغيرها من العبادات ببرود وخمول وكسل ، فلا يتدبرها ولا
يعيها ولا يبتغي بها وجه الله سبحانه ، اعلم أنك تقوم إليها مراءاة وسمعة
ونفاقا ، لا طاعة وامتثالا . قال تعالى : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ
قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ } ( سورة النساء : من الآية 142) . فإياك
والكسل أو التراخي عن أداء العبادات والتباطؤ في عمل الطاعات لأن ذلك كله من
علامات النفاق ودلائله لاسيما متى كان وقت تلك العبادات وقتاَ للراحة ولذت
النوم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أثقل الصلاة على المنافقين
...الفجر و العشاء...." متفق عليه . فاحذر من هذه الصفة الذميمة والسلوك السيئ ، وعليك بالمسارعة
إلى الطاعات والحرص على إتيانها بهمةٍ عاليةٍ ، ونشاطٍ مستمرٍ ، وحيويةٍ دائمةٍ
دون كسلٍ أو مللٍ أو تباطؤ .



يا من إذا قيل له لا تفسد في الأرض قال : إنما أنا من المصلحين ، لا تكذب في
الحديث فإنه من أعظم علامات النفاق العملي ، ومركز دائرته التي لا يقوم إلا
عليها ، ولذلك قال الله تعالى : { وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ } ( سورة المنافقون : من الآية 1 ) . وثبت في الحديث عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذَّر منه بقوله : " آيةُ المنافق ثلاثٌ : إذا حدّث كذب ، وإذا
وعد أخلف ، وإذا ائتُمن خان " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 211 ، ص 47 ) . فالكذب
علامة واضحة تشهد على صاحبها بالنفاق لما فيه من قلبٍ للحقائق ، ومخالفةٍ
للواقع ؛ ولأنه ينبئُ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبه. ولذلك قيل : " أس النفاق
الذي بُني عليه الكذب " ، وقال الشاعر في وصف ذلك :



لي حيلةٌ في من ينمُ ، وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلقُ ما يقولُ ؛ فحيلتي فيه قليلة 




فالحذر الحذر من الكذب جداً كان أو هزلاً ، والحذر من التساهل في شأنه فهو
طريقٌ إلى الهلاك ، وسبيلٌ إلى الوقوع في حبائل الشيطان ، والبعد عن الإيمان .



يا من يخون الأمانة ، إياك والخيانة فهي من علامات النفاق العملي التي وصف
النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها بقوله : " وإذا ائتُمن خان " . واعلم أن خيانة الأمانة غير
محصورة في الودائع المالية ونحوها فقط ، ولكنها شاملةٌ لكل خيانةٍ قوليةٍ أو
فعليةٍ ، أو إفشاءٌ للأسرار ونحو ذلك مما يؤتمن عليه الإنسان في تعامله مع من
حوله. وقد حذّر منها الإسلام ونهى عنها لقوله تعالى :{ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ } ( سورة البقرة : من الآية
283) . واعلم أن خيانة الأمانة قد تكون فيما بين العبد وربه جل وعلا في
العبادات والطاعات ، وقد تكون فيما بين العبد وغيره من بني البشر في شتى صور
المعاملات ، وليس هذا فحسب ؛ بل إن الخيانة دليلٌ على عدم اكتمال إيمان الفرد
لما ورد عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال : " ما خطبنا رسول الله إلا قال لا إيمان لمن لا
أمانة له " ...... وما أصدق قول الناظم إذ يقول :



وارع الأمانة، والخيانة فأجتنب *** واعدل ولا تظلم يطب لك مكسب





يا من يُخلف الوعد ولا يفي بالعهد ، تذكّر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل
تلك الصفة الذميمة خصلةً من خصال النفاق لما يترتب عليها من المفاسد الفردية
والمضار الاجتماعية ، حيث قال صلى الله عليه وسلم في وصف المنافق : " وإذا وعد
أخلف " . وما ذلك إلا لأن هذه الصفة تتنافى مع سمات المؤمنين الصادقين ؛ فاحذر
أن تَعِدَ أحداً من الناس موعداً ثم تُخلف وعدك له أو أن تتأخر عن الوفاء بما
التزمت به وأنت قادرٌ على
ذلك ؛ فإن ذلك دليلٌ على عدم احترام الآخرين ، واللامُبالاة بمشاعرهم وأحاسيسهم
؛ إضافةً إلى ما يترتب عليها من انعدام الثقة بين أبناء المجتمع . وتذكّر قول
الشاعر :



يا واعداً أخلَف في وعده *** ما الخُلف من سيرة أهل الوفا





يا من إذا خاصم فجر ، وحاد عن الحق إلى الباطل ؛ تذكّر قول النبي صلى الله عليه
وسلم : " وان الفجور يهدي إلى النار " متفق عليه . و اعلم أن الفجور في الخصومة
صفة خبيثة من صفات النفاق وخصلة قبيحة لما يترتب عليها من مخالفة للحقيقة وخروج
عن الحق فينتشر بذلك الباطل ويكثر التعدي ويستمر الفساد. فإياك من الفجور وعليك
بالصدق والتزام الحق في رضاك وحين سخطك ولا تجعل للنفاق سبيلاً إلى نفسك عن
طريق إبطال الحق وإنكاره ـ والعياذ بالله ـ



يا من إذا عاهد غدر ونقض ، كيف تغفل عن قوله تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ
اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا
وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ } (سورة النحل :91) . ثم كيف تنسى ما يرويه أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال : " لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يُعرَفُ به " ( رواه مسلم ، الحديث رقم
4536 ، ص 770 ) . وليس هذا فحسب فقد نهت تعاليم الإسلام عن الغدر ولو مع غير
المسلمين لما يترتب عليه من ضياع للثقة وفقدانها ، ولما يسببه ذلك السلوك
الشائن ـ والعياذ بالله ـ من ضياعٍ للحقوق واضطرابٍ للحياة في المجتمع. وتذكّر
( هدانا الله وإياك ) أن الغدر صفةٌ خبيثةٌ ، وخصلةٌ ذميمةٌ من خصال النفاق
التي تنبئ عن خُبث النية وفسادِ السريرة ـ قال الناظم :



والغدر بالعهد قبيح جداًّ *** شر الورى من ليس يرعى عهدًا





لا تنس يا من اشترى الضلالة بالهدى أن للنفاق صوراً متعددة وأشكالاً مختلفة ،
تعتمد جميعها على إظهار الخير وإبطان خلافه سواءً كان ذلك في القول أو العمل أو
النية . واعلم – هدانا الله وإياك – أن النفاق هلاكٌ للفرد ، ودمارٌ للمجتمع ،
وسبيلٌ إلى ضياع الحقوق وعدم استقامة الأمور ، ومؤشرٌ لفقدان الثقة بين الناس.
فكن كما قال الشاعر :



خــــل النفاق لأهلــــــــــهِ *** وعليكَ فالتمس الطريقا
وارغب بنفسك أن تُـر *** ى ، إلا عـدوا أو صـديقــــا 





وختاماً ، أسأل الله لنا ولك التوفيق إلى صادق القول وصالح العمل وخالص النية
، وكفانا وإياك شر النفاق وسوء الأخلاق ، وجعلنا ممن يراقب الله في السر والعلن
، وفي القول والعمل ، إنه على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير ، وصلى الله وسلم على
محمدٍ وعلى آله وصحبه .










الدكتور صالح بن علي أبو عرَّادأستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في
أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية




ليست هناك تعليقات: