الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

فضل الدعاء










فضل الدعاء



ادعيه متحركه روعه

فضل الدعاء


قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وقال : { الدعاء هو العبادة }، ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

وقال : { أفضل العبادة الدعاء }.

وقال : { ليس من شئ أكرم على الله تعالى من الدعاء }.

وقال : { إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يداه إليه أن يردهما صفراً خائبين }.

وقال : { لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر }.

وقال : { ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها }، قالوا: إذاً نكثر الدعاء، قال: { الله أكثر }.

وقال : { إنه من لم يسأل الله تعالى يغضب عليه }.

وقال : { أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام }.

شروط وآداب الدعاء وأسباب الإجابة


ادعيه متحركه روعه

1- الإخلاص لله تعالى.

2- أن يبدأ لحمد الله والثناء عليه، ثم بالصلاة على النبي ويختم بذلك.

3- الجزم في الدعاء واليقين بالإجابة.

4- الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال.

5- حضور القلب في الدعاء.

6- الدعاء في الرخاء والشدة.

7- لا يسأل إلا الله وحده.

8- عدم الدعاء على الأهل، والمال، والولد، والنفس.

9- خفض الصوت بالدعاء بين المخافتة والجهر.

10- الاعتراف بالذنب، والاستغفار منه، والاعتراف بالنعمة، وشكر الله عليها.

11- تحري أوقات الإجابة والمبادرة لاغتنام الأحوال والأوضاع والأماكن التي هي من مظان إجابة الدعاء.

12- عدم تكلف السجع في الدعاء.

13- التضرع والخشوع والرغبة والرهبة.

14- كثرة الأعمال الصالحة، فإنها سبب عظيم في إجابة الدعاء.

15- رد المظالم مع التوبة.

16- الدعاء ثلاثاً.

17- استقبال القبلة.

18- رفع الأيدي في الدعاء.

19- الوضوء قبل الدعاء إذا تيسر.

20- أن لا يعتدي في الدعاء.

21- أن يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره.

22- أن يتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أو بعمل صالح قام به الداعي نفسه، أو بدعاء رجل صالح له.

23- التقرب إلى الله بكثرة النوافل بعد الفرائض، وهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء.

24- أن يكون المطعم والمشرب والملبس من حلال.

25- لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم. 



ادعيه متحركه روعه

26- أن يدعو لإخوانه المؤمنين، ويحسن به أن يخص الوالدان والعلماء والصالحون والعباد بالدعاء، وأن يخص بالدعاء من في صلاحهم صلاح للمسلمين كأولياء الأمور وغيرهم، ويدعو للمستضعفين والمظلومين من المسلمين.

27- أن يسأل الله كل صغيرة وكبيرة.

28- أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

29- الابتعاد عن جميع المعاصي. 


أوقات وأحوال وأماكن وأوضاع يستحب فيها الدعاء

ادعيه متحركه روعه



1- ليلة القدر.

2- جوف الليل الآخر ووقت السحر.

3- دبر الصلوات المكتوبات ( الفرائض الخمس).

4- بين الأذان والإقامة.

5- ساعة من كل ليلة.

6- عند النداء للصلوات المكتوبات.

7- عند نزول الغيث.

8- عند زحف الصفوف في سبيل الله.

9- ساعة من يوم الجمعة، وهي على الأرجح آخر ساعة من ساعات العصر قبل الغروب.

10- عند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة.

11- في السجود في الصلاة.

12- عند قراءة الفاتحة واستحضار ما يقال فيها.

13- عند رفع الرأس من الركوع وقول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

14- عند التأمين في الصلاة.

15- عند صياح الديكة.

16- الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر.

17- دعاء الغازي في سبيل الله.

18- دعاء الحاج.

19- دعاء المعتمر.

20- الدعاء عند المريض. 


ادعيه متحركه روعه


21- عند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء المأثور في ذلك وهو قوله
: { لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شئ قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي ـ أو دعا ـ استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته }.

22-- إذا نام على طهارة ثم استيقظ من الليل ودعا.

23-- عند الدعاء بـ { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }.

24- دعاء الناس عقب وفاة الميت.

25- الدعاء بعد الثناء على الله والصلاة على النبي في التشهد الأخير.

26- عند دعاء الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.

27- دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب.

28- دعاء يوم عرفة في عرفة.

29- الدعاء في شهر رمضان.

30- عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر. 

ادعيه متحركه روعه


31- عند الدعاء في المصيبة بـ: { إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها }.

32- الدعاء حالة إقبال القلب على الله واشتداد الإخلاص.

33- دعاء المظلوم على من ظلمه.

34- دعاء الوالد لولده.

35- دعاء الوالد على ولده.

36- دعاء المسافر.

37- دعاء الصائم عند فطره.

38- دعاء المضطر.

39- دعاء الإمام العادل.

40- دعاء الولد البار بوالديه. 



ادعيه متحركه روعه
41- الدعاء عقب الوضوء إذا دعا بالمأثور في ذلك. وهو { أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله }، فمن قال ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء.

42- الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى.

43- الدعاء بعد رمي الجمرة الوسطى.

44- الدعاء داخل الكعبة، ومن صلى داخل الحجر فهو من البيت.

45- الدعاء في الطواف.

46- الدعاء على الصفا.

47- الدعاء على المروة.

48- الدعاء بيت الصفا والمروة.

49- الدعاء في الوتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان.

50- الدعاء في العشر الأول من ذي الحجة.

51- الدعاء عند المشعر الحرام.

52- والمؤمن يدعو ربه أينما كان وفي أي ساعة، ولكن هذه الأوقات والأحوال والأماكن تخص بمزيد عناية، فإنها مواطن يستجاب فيها الدعاء بإذن الله تعالى. 

أخطاء تقع في الدعاء

ادعيه متحركه روعه


1- أن يشتمل الدعاء على شئ من التوسلات الشركية أو البدعية.

2- تمني الموت وسؤال الله ذلك.

3- الدعاء بتعجل العقوبة.

4- الدعاء بما هو مستحيل أو بما هو ممتنع عقلاً أو عادة أو شرعاً.

5- الدعاء بأمر قد تم وحصل بالفعل وفُرغ منه.

6- أن يدعوا بشيء دلّ الشرع على عدم وقوعه.

7- الدعاء على الأهل والأموال والنفس.

8- الدعاء بالإثم كأن يدعو على شخص أن يبتلى بشيء من المعاصي.

9- الدعاء بقطيعة رحم.

10- الدعاء بانتشار المعاصي.

11- تحجير الرحمة، كأن يقول: اللهم اشفني وحدي فقط وارزقني وحدي فقط.

12- أن يخص الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين إذا كانوا يؤمنون وراءه.

13- ترك الأدب في الدعاء كأن يقول: يا رب الكلاب ويا رب القردة والخنازير.

14- الدعاء على وجه التجربة والاختبار لله عز وجل، كأن يقول: سأجرب وأدعو لأرى أيستجاب لي أم لا، وقول بعضهم: سأدعو الله فإن نفع وإلا لم يضر.

15- أن يكون غرض الدعاء فاسداً.

16- أن يعتمد العبد على غيره في الدعاء دائماً، ولا يحرص على الدعاء بنفسه.

17- كثرة اللحن أثناء الدعاء، وخاصة إذا كان اللحن يحيل المعنى، أما الجاهل بالمعنى وليس له معرفة باللغة فهو معذور.

18- عدم الاهتمام باختيار أسماء الله أو صفات الله المناسبة للدعاء.

19- اليأس وقلة اليقين من إجابة الدعاء.

20- التفضيل في الدعاء تفضيلاً لا لزوم له، كأن يقول: { اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا وخالاتنا …} وهكذا ويستمر في ذكر تفصيل الأقارب والجيران وغيرهم. أما إذا كان التفصيل معقولاً ومحدوداً فلا بأس بذلك.

21- دعاء الله بأسماء لم ترد في الكتاب والسنة.

22- المبالغة في رفع الصوت. 


ادعيه متحركه روعه

23- قول بعضهم عند الدعاء: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه.

24- تعليق الدعاء على المشيئة كأن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت والواجب الجزم في الدعاء.

25- تصنع البكاء ورفع الصوت بذلك.

26- ترك الإمام رفع يديه إذا استسقى في خطبة الجمعة.

27- الإطالة بالدعاء حال القنوت، والدعاء بما لا يناسب المقصود فيه.





ادعيه متحركه روعه

الأحد، 11 نوفمبر 2012

لا خير في سائر الحديث الليلة، بعد حديثك يا أبا عمرو




لا خير في سائر الحديث الليلة، بعد حديثك يا أبا عمرو









أخبرني أبو الفرج الأصبهاني، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أحمد بن عبيد، عن الهيثم بن عدي، عن عبد الملك بن عمير، قال: قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة، فأرسل إلى عشرة، أنا أحدهم، من وجوه أهل الكوفة، فسمرنا عنده.
ثم قال: يحدثني كل رجل منكم أُحدوثةً، وأبدأ أنت يا أبا عمرو.
فقلت: أصلح الله الأمير، أحديث الحق، أم حديث الباطل ? فقال: بل حديث الحق.
فقلت: إن أمرء القيس بن حجر الكندي، آلي ألية، أن لا يتزوج بامرأة حتى يسألها عن ثمانية، وأربعة، واثنين، فجعل يخطب النساء، فإذا سألهن عنها، قلن: أربعة عشر.
فبينا هو يسير في الليل، وإذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة، كأنها القمر لتمه، فأعجبته.
فقال لها: يا جارية، ما ثمانية، وأربعة، واثنان ? فقالت: أما الثمانية: فأطباء الكلبة، وأما الأربعة: فأخلاف الناقة، وأما الاثنان: فثديا المرأة.
فخطبها من أبيها، فزوجه منها، واشترطت هي عليه، أن تسأله ليلة يأتيها، عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، على نفسه، وعلى أن يسوق لها مائة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشر وصائف، وثلاثة أفراس، ففعل ذلك.
ثم إنه بعث عبداً له إلى المرأة، وأهدى إليها نحياً من سمن، ونحياً من عسل، وحلةً من قصب.
فنزل العبد ببعض المياه، فنشر الحلة، ولبسها، فتعلقت بشجرة فانشقت، وفتح النحيين، وأطعم أهل الماء منهما.
ثم قدم على حي المرأة وهم خلوف، فسألها عن أبيها، وأمها، وأخيها، ودفع إليها هديتها.
فقالت: أعلم مولاك، أن أبي ذهب يقرب بعيداً، ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقت، وأن وعائيكما نضبا.
فقدم الغلام على مولاه، وأخبره بما قالت.
فقال: أما قولها: ذهب أبي يقرب بعيداً، ويبعد قريباً، فإن أباها ذهب يحالف قوماً على قومه.
وأما قولها: ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أمها ذهبت تقبل امرأة.
وأما قولها: إن أخي يراعي الشمس، فإن أخاها في سرح له يرعاها، فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح.
وأما قولها: إن سماءكم انشقت، فإن الحلة التي بعثت بها معك انشقت.
وأما قولها: إن وعائيكما نضبا، فإن النحيين الذين بعثت بهما نقصا، فأصدقني.
فقال: يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي، فأخبرتهم أني ابن عمك، ونشرت الحلة فلبستها، وتجملت بها، فعلقت بشجرة، فانشقت، وفتحت النحيين، فأطعمت منهما أهل الماء.
فقال: أولى لك.
ثم ساق مائة من الإبل، وخرج نحوها، ومعه الغلام، فنزلا منزلاً.
فقام الغلام ليسقي، فعجز، فأعانه امرؤ القيس، فرمى به الغلام في البئر، وانصرف حتى أتى المرأة بالإبل، فأخبرهم أنه زوجها.
فقيل لها: قد جاء زوجك.
فقالت: والله، لا أدري أهو زوجي أم لا، ولكن انحروا له جزوراً، وأطعموه من درتها وذنبها، ففعلوا، فأكل ما أطعموه.
فقالت: اسقوه لبناً حازراً وهو الحامض، فشرب.
فقالت: أفرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا له، فنام.
فلما أصبحت، أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك.
فقال: سلي عما بدا لك.
فقالت: مم تختلج شفتاك ? فقال: لتقبيلي فاك.
فقالت: مم يختلج كشحاك ? قال: لالتزامي إياك.
فقالت: مم يختلج فخذاك ? فقال: لتوركي إياك.
فقالت: عليكم بالعبد، فشدوا أيديكم به، ففعلوا.
قال: ومر قوم، فاستخرجوا امرء القيس من البئر، فرجع إلى حيه، واستاق مائة من الإبل، وأقبل إلى امرأته.
فقيل لها: قد جاء زوجك.
فقالت: والله، ما أدري أهو زوجي أم لا، ولكن أنحروا له جزوراً، وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا، فلما أتوه بذلك، قال: أين الكبد والسنام والملحة، وأبى أن يأكل.
فقالت: أسقوه لبناً حازراً، فأبى أن يشرب، وقال: أين الضرب والزبد ? فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، فأبى أن ينام، وقال: افرشوا لي فوق التلعة الحمراء، واضربوا لي عليها خباء.
ثم أرسلت إليه تقول: هات شرطي عليك في المسائل الثلاث، فأرسل إليها سلي عما شئت.
فقالت: مم تختلج شفتاك ? قال: لشربي المشعشعات.
قالت: مم يختلج كشحاك ? قال: للبسي الحبرات.
قالت: فمم يختلج فخذاك ? قال: لركوبي السابقات.
فقالت: هذا هو زوجي، فعليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه، وأقبل امرؤ القيس على الجارية.
فقال ابن هبيرة: لا خير في سائر الحديث الليلة، بعد حديثك يا أبا عمرو، ولن يأتينا أحد بأعجب منه، فقمنا، وانصرفنا، وأمر لي بجائزة.

السبت، 10 نوفمبر 2012

توبة الخباز



 توبة الخباز



 


ستدور عجلة الزمن للوراء قليلاً عائدين إلى أواخر عهد الدولة العثمانية عندما شذَّ الناس وتهاونوا

في تطبيق أوامر الإله وفرائضه، عندها اقتضت حكمة الله تعالى أن يضيِّق على أولئك البشر ويبعث

لهم من المصائب والشدائد علَّهم يصحوا ويعودوا لرشدهم، فعمَّت الفوضى في جهاز الحكم وبالتالي

بين الرعية... تلك الفترة سُمِّيت بـ (سفر برّ)، حيث سُيِّرت الجيوش للترعة للقتال، واتَّصفت
بالمجاعة الكبرى من قلة المواد الغذائية لتوالي سنوات القحط والجفاف والجراد والحرب العالمية
الأولى، فعانى الناس الجوع والحرمان... لذا عمدت الدولة لاتخاذ إجراءات صارمة فأصدرت ما
يُعرف بإسم القسائم: تستطيع كل أسرة أن تحصل بموجبها على كمية محدَّدة من الخبز يومياً تبعاً
لعدد القسائم الممنوحة لها وتبعاً لعدد أفرادها، أي أن عدد القسائم بعدد أفراد الأسرة، وبموجب كل
قسيمة عدد محدد من الخبز للأسرة (رغيفين أو ثلاثة) فقط ولا تستطيع الحصول على أكثر من مخصصاتها. 

تعال أخي القارئ لنعيش في تلك الفترة قليلاً من الزمن مع السيد محمد أمين عندما تعرَّض لموقف
رهيب... كيف تصدَّى لمشكلة خطيرة...لنتابع سوياً. 

في أحد أحياء دمشق كان هناك فرن (مخبز) يشغله فرَّان (خبَّاز) شرير فاقد المروءة، فاقد الدين
والشرف... كان هذا الطاغية يستعلي على الناس... وعلى أبناء حَيِّه فهو من عائلة غنية ذات جاه
عريض ومكانة مرموقة في جهاز حكم الدولة، وهو صاحب هذا الفرن والناس كلها بحاجته...
فيستغل ما هم فيه من حاجة للرغيف! كان لا يخشى أحداً لما يلقاه من دعم عائلته وغناها، حتى ظنَّ
أن كل أولئك الناس تحت إمرته لأنهم بحاجته... فهو يعطي وهو يمنع... ظنَّ أنه يستطيع النيل من
الفتاة التي يرغب ونسيَ أن الله ملِك الناس، كلهم في قبضته وكلهم في يده فلا يسلِّط الظالم إلا على
ظالم، ولا يطول الزاني إلا زانية على شاكلته... أما الطاهرة العفيفة مُستحيل أن يطولها، فالله قاهره لا محالة. 

ذات يوم بلغته بعض الأخبار التي تناقلتها ألسنة بعض نساء الحي الغبيات وهو أن بنت (فلان) فتاة
شابة لا مثيل لجمالها في الحي كله... فجمالها منقطع النظير وهي في ريعان الصبا، بلغه الخبر عن
طريق عائلته (أمه أو أخته أو...). 

أما هو فيعرف أن بنت فلان تأتيه يومياً لتأخذ خبز أسرتها التي لا معين لها، فأب الأسرة (والدها)

رجل طاعن بالسن وعاجز وإخوتها صغار أطفال، أما أمها فقد فارقت الحياة منذ سنوات عدّة، فما
من أحد يستطيع الخروج وشراء حاجات البيت إلاَّ تلك الفتاة. 

طبعاً الحجاب كان مطبَّقاً على كافة النساء المسلمات بذاك العهد، فكانت تلك الفتاة تخرج فلا تُعرف
أهي شابة أم عجوز... جميلة أم قبيحة... لا تظهر إلاَّ كقبة سوداء. 

القسائم التي تقدِّمها للفرَّان بإسم (فلان) والدها، هذه الأنثى التي تأتي الفرن وتحمل قسائم (فلان) هي
ابنة فلان... إذاً ها هي الفتاة التي ذاع صيت جمالها... هذا ما أدركه الفرَّان الخبيث، ثم أضمر بنفسه نيةً خبيثة. 

وفي صبيحة اليوم التالي وكالعادة وبعد شروق الشمس جاءت الفتاة لفرن الحي لتأخذ مخصَّصات
عائلتها اليومية من الخبز، وقفت تنتظر أمام النافذة المخصَّصة للنساء إلى أن حان دورها فمدت
دفتر القسائم... نظر الفرَّان فيه... إنه بإسم (فلان) والدها... فعرفها... إنها هي... إنها الفتاة
الشابة... فريسته التي نوى عليها... تجاهلها ولم يستلم الدفتر منها، فلم يسلِّمها حقَّها من الخبز...
فوقفت تنتظر مستغربة هذا التصرُّف من الفرَّان ما السبب لا تدري... لكنها وقفت وغيرها يأخذ
الخبز... إلى أن خلا الفرن من الناس ولم تبقَ إلا تلك المسكينة (مكسورة الجناح) بقرب النافذة
الكبيرة محتارةً ما الأمر لا تدري!!! 

وقفت وكلها حياء تود لو تذهب ولكن عليها أن تأخذ الخبز لأبيها العاجز، وإخوتها الصغار
ينتظرونها لطعام الإفطار فقال لها الفرَّان الخبيث بعيونٍ مملوءة بالخيانة والعصيان: لن أعطيك
الخبز حتى أنال منك ما أبغي... 

لم تحتمل ما سمعت... صدمة مرَّة قاسية صدمت قلبها الطاهر العفيف فأدارت ظهرها وأسرعت
خطاها للبيت فلا خبز معها، ولكن شرفها وطهْرها يتوِّجها وعند الله يرفعها... ونفسها تقول: لا وألف لا. 

وهكذا باتت الفتاة الطاهرة وأهلها يعانون الجوع... ومضى اليوم وأطلَّت شمس صباح اليوم التالي
 وعادت الفتاة الطاهرة لتطلب حقَّها وحق أبيها وإخوتها من الخبز فعسى أن يكون ذلك الفرَّان
اللاإنساني قد تراجع عن إجرامه وغيِّه... ولكن يا لمصيبة تلك الطاهرة المسكينة، لقد كرَّر ذلك
المجرم ما كان طلبه منها في اليوم الماضي... لقد عاد لطلب الفاحشة منها مقابل إعطائها حقّها من
الخبز... رغم الجوع والحرمان تركت الفرن وغادرت بسرعة بخطاها محتقرةً ذلك الوحش
المجرم... قلبها يتقطع ألماً على إخوتها وأبيها... تثور ثورة الشرف فيه على ذلك الطاغية. 


عادت البيت وعيونها تملؤها الدموع... 

استقبلها إخوتها فلم يجدوا خبزاً بيدها فانفجروا بكاءً وهم يتضوَّرون جوعاً... أين الخبز يا أختي...
أين الخبز يا أختي. 

ردَّت وهي تحتضنهم وتمسح دموعهم... أما دموعها فتجري بغزارة... أما قلت لكم يا إخوتي
فالفرن ما زال معطلاً عن العمل. 

ولكن ما الحل... تذهب لفرن الحي الثاني؟ لا تستطيع فقسائمها مخصَّصة بهذا الفرن والفرن الآخر
لن يعطيها الخبز فمخصَّصاتها ليست من عنده، بل من فرن حيِّها... ولكن ما العمل؟ 

عادت في اليوم الثالث والألم يعصر قلبها... ويا للأسف فالمجرم ما زال مصراً على إجرامه... فلقد
طغت شهوته عليه فحوَّلته لوحش مفترس لا يفكِّر بالصغار الذين يكابدون الجوع... يكتب بيده
مصير أسرة فقيرة للهلاك مقابل شهوته الحقيرة ووحشيته الطاغية. 

تركت الفرن ورجعت في طريقها تملأ الدموع مقلتيها ورجْلاها لا تحملاها، بل تتهادى كالسكارى
وما هي من السكارى ولكنه الجوع الكافر هدَّ قواها وجعلها كأنها شبح تتلاشى قواه. 

كان يرقب هذا الوضع طيلة الأيام الثلاث شيخ مسن طيِّب القلب، فلقد أدرك ما في الأمر فحزَّ الألم
والحزن بقلبه لوضع تلك المسكينة وأسرتها فاقترب منها وقال: 

يا ابنتي اذهبي إلى رئيس قسم حيِّنا واشتكي له... فهو الذي يحلُّ لك مشكلتك ويُعيد لك حقَّك،
فادخلي هذا القسم المقابل للفرن وقصِّي عليه الأمر. 

كان ذاك ضابطنا السيد محمد أمين... إنه رئيس قسم الشرطة في هذا الحي. 

سمعت الفتاة ما قاله الشيخ الكبير، فمشت بصعوبة وإعياء إلى القسم المواجه للفرن قاصدة الضابط
الرئيس... دخلت بثياب الستر والعفاف تغطيها من رأسها لقدمها، مخفية جلال جمالها الشاحب
المحتار المترع بالشرف. 

طرقت باب المكتب... كان رئيس القسم في مكتبه جالساً وراء طاولته، صاح: 

تفضل... ادخل... فُتح الباب بهدوء وتردُّد ودخلت تلك الفتاة بخطاً بطيئة متردِّدة من بالغ الحياء
والشرف الذي بقلبها مع ضعف جسدي وانهيار ظاهر، ولكن ما تزال أصوات بكاء الصغار الجياع
تدق أذنيها... وما بقي لها إلاَّ هذا الأمل الوحيد. 

سارت إلى أن وقفت قبالة رئيس القسم، ولكن لم تتكلَّم بأية كلمة... صعب عليها أن تنطق بكلمة
أمامه إلاَّ أن دموعها كانت تسيل بغزارة... 

أحسَّ إنساننا ببكائها... فسألها ما الأمر يا أختي... تكلَّمي... ولكن لم تستطع الكلام، بل زادت بكاءً. 

أدرك إنساننا كبير معاناتها فقال لها: أختي تكلَّمي ما الأمر... هيا تكلَّمي. 

فاعتصرت بنفسها إلى أن استطاعت أن تبوح بكلمات ثلاث: 

آه... آه... الفرَّان... لا يعطيني خبزاً...آه آه... الفاحشة... 

عند ذلك فهم ضابطنا ما في الأمر فهبَّ كالإعصار، ثم اندفع كالعاصفة حاملاً سوطه بيده مردِّداً بنفسه: 

هكذا إذاً أيها الفران النذل... أيها المجرم الحقير... سترى... اندفع بخطوات مسرعة تكاد لا تلامس الأرض. 

وما أن وصل الفرن حتى تفرَّق الناس عن الفرن يمنة ويسرة لمنظره الغاضب وثورته الرهيبة
وبسرعة انقض من فوق طاولة البيع إلى الداخل... 

ذُهل الفرَّان وضاع صوابه الخاطئ فلم يدرِ بنفسه إلاَّ وهو مجرورٌ من شعر رأسه وكتفيه لخارج
الفرن وفي وسط الشارع وأمام كل الناس أصبح مذلولاً محتقراً... ليس بمقدوره أن يبدي أية مقاومة
تحت بطشة السيد محمد أمين المُحِقَّة وثورته للحق القوية، فقد طاش صوابه وخارت قواه... وفي
قسم الشرطة غَضَبُ الله حلَّ عليه. انهال عليه الضابط الشريف الثائر ضرباً بيديه فارتمى أرضاً
فانهال عليه ركلاً ووطءاً بقدميه، ثم ضربه بسوطه ولم يتركه حتى أضحى وكأنه جثة هامدة تسيل
دماؤه من كل موضع بجسمه، وأضحى بحالة تعيسة جداً لا يُحسد عليها أبداً، لقد تضخمت قدماه من
الضرب تغطيها الدماء... 

لقد لقيَ قصاصه على يد الضابط الشجاع، لقي ما عانته تلك الطاهرة من آلام بقلبها وآلام إخوتها
وأبيها... إذ كاد أن يهلكهم جوعاً باستغلاله وطغيانه... بوحشيته وإجرامه. 

ثم أمر الضابط جنوده قائلاً: 

هيا خذوه... خذوا هذا الوحش وأسعفوه لأقرب مركز طبي لإجراء اللازم له وإن مات فإلى جهنم وبئس المصير. 

ثم خرج ضابطنا وما تزال لآثار ثورته الهدَّارة بقية باقية، عاد للفرن ثانية فأخذ مخصَّصات الأيام
الثلاثة الماضية، ولم يكتفِ بذلك بل عيَّن لهذه الأسرة عنصراً من أشرف عناصره فكلَّفه بإيصال الخبز يومياً إلى بيتها. 

لقد أحقَّ الحق بقوة وشجاعة فضرب على يد الجاني الظالم واقتصَّ منه، بل محى صورة من أبشع
صور الإجرام ولم يبالِ بكل ما يمكن أن ينتج عن هذا العمل الحكيم، لم يبالِ كون هذا الفرَّان من
عائلة غنية لها مكانتها المرموقة في جهاز الحكم... لم يعبأ بما سينتج عنهم وما سيكيدون له انتقاماً
منه لنصرة الفرَّان، فلقد نشأت في نفسه ثورة قوية للحق... للشرف... لم تهدأ إلاَّ حتى يأخذ الحق
مجراه ويضرب بشدة على يدِ الظالم الجاني. 

أما ذلك الظالم الطاغي فقد لقيَ عقابه... لقيَ جزاء عمله وإجرامه بحق الفتاة الشريفة والأبرياء
الصغار... فبقي طريح الفراش مدة شهرين يُعاني آلاماً مبرحة وأوجاعاً رهيبة. 

والسيد محمد أمين وبترتيب الله انتدبته الحكومة التركية للسفر إلى تركيا في مهمة رسمية عاجلة
فسافر، وبذلك غاب عن الأنظار بهذه المهمة ولم يستطع أحد النوال منه، بل ولا مسَّه بشرٍ، وبذلك
حماه الله من كل مكيدة كانت سَتُكاد له. 

بقي الفرَّان يكابد آلامه... يُعاني أوجاعه... يشتعل قلبه حقداً... لا تبرح مخيلته صورة ذلك الضابط

كيف أذلَّه وسط الشارع بين كل الناس وهو العزيز الوجيه... كيف ضربه في القسم حتى جعله من
سكان المستشفى... كيف أحلَّ به هذه الآلام والأوجاع فيغلي قلبه حقداً... فكيف سيقتص منه ويردُّ له
الصاع صاعين وكأنه يُحدِّث نفسه: 

كان عليَّ أن لا أستسلم له... تحت يديه... هو رجل وأنا رجل فما الذي دهاني حتى خارت قواي...
الأيام قادمة ولا بد أن أُشفى وأعود لك أيها الضابط... يا رئيس القسم... عندها سترى من الرَجُل فينا... 

لم يستطع أن ينساه ولو للحظة... حتى إنه كان يحلم به في نومه. 

وما إن انقضى الشهران الأليمان على هذا الحال حتى أحسَّ الفرَّان في نهايتهما ومع شفائه من آلامه
وجروحه بأن قلبه أيضاً قد شُفي من إجرامه... من حقده... من باطله... راجع نفسه وناقشها فوجد
أنه كان في محض الإجرام وأي عمل قاسٍ بحق الفتاة وعائلتها أقدم عليه... أي نيران كان سيجلبها
لنفسه... يبكي توبة نصوحاً... فلم يعد يستطيع أن يتصوَّر ما كان غارقاً فيه من أعمال منحطَّة
وعصيان... فيحمد الله أن بعث له ذلك الضابط الشريف السيد محمد أمين نبَّهه بما آلمه فخلَّصه مما
هو فيه من إجرام... فصار يصلِّي... يقرأ القرآن... يعامل الناس بالإحسان وبتواضع حقيقي نابع
من أعماقه التائبة يتمنَّى أن يرى ذلك الضابط الإنسان ليقبل يديه، بل قدميه على ما فعله معه
واقتصه منه، فكان سبباً في عودته لرشده وتوبته ورجوعه لله، بل كان منقذاً له من نيران الآخرة
إلى جنانها ومن شقاء الدنيا إلى النعيم والسعادة بالقرب من الله. 

وتمضي الأيام والشهور والسنوات وذات يوم وبينما كان ضابطنا السيد محمد أمين (وكان إذ ذاك قد
أُحيل على التقاعد) يعبر أحد الطرقات وإذ بشيخ ذي هيبة ووقار ينقضُّ على تقبيل يده ودموعه
تنسال بغزارة على وجنتيه المشرقتين فسحب يده بسرعة خاطفة، كان هذا الشيخ الوقور جالساً على
كرسي أمام باب داره بعد صلاة العصر (كعادة أهل الشام قديماً) يقرأ القرآن عندما شاهد ضابطنا الذي لم يتذكره. 

رفع هذا الشيخ وجهه وبعيون تملؤها الدموع نظر بإنساننا وقال: 

الله... الله... ألا تذكرني يا سيدي... بالله عليك دعني أقبِّل يديك الطاهرتين السخيتين ثانية... أُقبِّل
رجليك فما أنا وما فيه من نعمة وسعادة إلاَّ بعضاً مما تفضلت به علي. 

إني أنا الفرَّان الذي كنت قد ضربتني فكنت سبب توبتي وأوبتي إلى الرشاد والحق، (ضَرْبُكَ
أوصلني للجنة) أيها المحسن المُقاصص الرحيم، جزاك الله عني خير الجزاء أيها المنقذ الكريم. 

فأعْظِمْ بهذا الإنسان الرحيم ذي القلب الكبير والذي إن ضرب امرءاً لله كان ضربه سبباً يؤدي به إلى الجنان.