السبت، 28 فبراير 2015

مَجْنُون بني سَعْد










مَجْنُون بني سَعْد






حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ إملاءً من حَدِيثه سنة سِتّ وَعشْرين وثلثمائة، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمَرْزُبَان، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن صَالح الْيَشْكُرِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن محبّ الْمَازِنِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: لمّا قَدِمَ سُلَيْمَان بْن عليّ الْبَصْرَة واليًا عَلَيْهَا قيل لَهُ: إنَّ بالْمِرْبد رَجلا من بني سَعْد، مَجْنُونا سريع الْجَواب لَا يتَكَلَّم إِلَّا بالشعر، فَأرْسل إِلَيْهِ سُلَيْمَان بْن عليّ قَهْرمانه، فَقَالَ لَهُ: أجب الْأَمِير، فَامْتنعَ فجرّه وَزبَره، وخرَّق ثَوْبه، وَكَانَ الْمَجْنُون يَسْتَقِي عَلَى نَاقَة لَهُ فاستاق القهرمان النَّاقة وأتى بهَا سُلَيْمَان بْن عليّ، فَلَمّا وقف بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان، حيّاك اللَّه يَا أَخا بني سَعْد

فَقَالَ:


حيّاك ربُّ النّاس من أَمِير ... يَا فاضلَ الأَصْل عَظِيم الخيرِ

إِنِّي أَتَانِي الفاسِقُ الجلْوازُ ... والقلبُ قَدْ طَار بِهِ اهتزازُ

فَقَالَ سُلَيْمَان: إنّما بعثنَا إِلَيْكَ لنشتري نَاقَتك، فَقَالَ:

مَا قَالَ شَيْئا فِي شِرَاء الناقهْ ... وَقد أَتَى بِالْجَهْلِ والحماقةْ

فَقَالَ: مَا أَتَى؟ فَقَالَ:

خَرّق سِرْبالي وشَقّ بُرْدتي ... وَكَانَ وَجْهي فِي الملا وزيني

فَقَالَ: أفتعزم على النَّاقة؟ فَقَالَ:

أبيعُها بَعْدَ مَا أُوكَسُ ... والبيعُ فِي بَعْض الأوان أَكيس

قَالَ: كم شراؤها عَلَيْكَ؟ فَقَالَ:

شراءها عشرٌ بِبَطن مكهْ ... من الدَّنَانِير الْقيام السُّكهْ

وَلَا أبيعُ الدهرَ أَو أزادُ ... إنّي لريحٍ فِي الورى مُعْتَاد

قَالَ: فبكم تبيعها؟ فَقَالَ:

خُذْها بعشرٍ وبخمسٍ وازنهْ ... فَإِنَّهُ نَاقَة صدق مَازنه

قَالَ: فحطّنا، فَقَالَ:

تبَارك اللَّه العليُّ العالي ... تَسْألُني الحطّ وَأَنت الْوَالِي

قَالَ: فنأخذها مِنْك وَلَا نعطيك شَيْئا، فَقَالَ:

فَأَيْنَ ربِّي ذُو الْجلَال الْأَفْضَل ... إنَّ أنتَ لَمْ تَخْشَ الْإِلَه فافعلِ

قَالَ: فكم أزنُ لَك فِيهَا؟ فَقَالَ:

وَالله مَا يُنعِشُني مَا تُعطي ... وَلَا يُدَاني الْفقر مني حطّي

خُذْهُ بِمَا أحببتَ يَا بْن عباسِ ... يَا بْن الْكِرَام من قريشِ الرّاسِ

فَأمر لَهُ سُلَيْمَان بِأَلف دِرْهَم وَعشرَة أَثوَاب، فَقَالَ:

إِن رَمَتْنِي نَحْوك الْفِجَاجُ ... أَبُو عيالٍ مُعْدَمٌ محتاجُ

طَاوي الْمِعَى ضَيّق المعيشِ ... فأنبتَ اللَّه لديك ريشي

شَرّفتني مِنْك بألفٍ فاخره ... شَرَّفَك اللَّهُ بهَا فِي الآخِرَة

وكسوةٍ طاهرةٍ حسانِ ... كساك رَبِّي حلل الجنانِ




التَّعْلِيق عَلَى الْخَبَر

فَقَالَ سُلَيْمَان: من يَقُولُ إنَّ هَذَا مَجْنُون؟ مَا كلمتُ قَطّ أَعْرَابِيًا أَعقل مِنْهُ.
قَول الأَعْرَابِي: ضيق المعيش، المعيش جمع معيشة، كَمَا قَالَ رؤبة:
أَشْكُو إِلَيْكَ شدَّة المعيش ... ومرِّ أعوامٍ نَتَفْنَ رِيشِي
وَيكون المعيش الْموضع والمعاش الْمصدر، مثل المَضربِ والْمِضرَب وَالْمقر وَالْمقر.









ليست هناك تعليقات: