الخميس، 9 أكتوبر 2025

شيبة في السبعين متوجه الى دار الخلود

معجزة سيدنا آدم


معجزة سيدنا آدم عليه السلام

قصة خلق الله سيّدنا آدم هي قصة خلق البشرية أجمع، فقد كان أول خلق للبشر هو خلق آدم عليه السلام من طين، بصنع يدي الله عز وجل، فبشر الله سبحانه وتعالى الملائكة قائلاً أنه سوف يخلق آدم ويسكنه بالأرض، وتحدث القرآن الكريم عن قصة خلق سيدنا آدم في سورة البقرة، حيث أن الله بشر الملائكة بأنه سوف يخلق البشر ويستخلفهم في الأرض من أجل اعمار الأرض، ولكن الملائكة إستغربت ذلك، وقالت كيف سوف تستخلف في الأرض من يفسد فيها، ويقتل ويسفك الدماء، ألا يكفيك تسبيحنا، فأخبرهم الله أنه يعرف أشياء كثيرة هم لا يعرفونها .

وقد توصل العلماء إلى أن هناك من كان يعيش في الأرض قبل سيدنا آدم، وهو مخلوق شبيه بسيّدنا آدم، ولكنه عاش بطريقة همجية ووحشية، وأكثر الفساد والقتل، لذلك عندما إستغربت الملائكة أن يستخلف الله أناس في الأرض قال لهم أن سيدنا آدم عاقل وقادر، خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم في آخر ساعات من يوم الجمعة، فأرسل جبريل إلى الأرض ليجلب الطين وخلق سيدنا آدم من طين الأرض، نفخ فيه الله من روحه ودبت فيه الحياة، وعندما فتح آدم عينيه عطس فقالت له الملائكة قل الحمدلله، فقال الحمدلله، فقال له الله رحمك الله، ليجد الملائكة جميعها ساجدة له، ما عدا مخلوق واحد فقط ولم يكن آدم يعرف من هذا المخلوق الذي لم يسجد له، وذكر الله فيما بعد قصة رفض إبليس السجود لآدم وكيف صب عليه الله غضبه نتيجة لذلك .

علم الله سيدنا آدم جميع الأسماء، وكانت الملائكة تسأله عن أسماء الأشياء ويجيب، وعاش سيّدنا آدم في الجنة، وخلق السيدة حواء من ضلع آدم وأسكنهما الجنة ليعيشا فيها، وكما سترهم الله بلباس يواري عورتهما، ولكن أغرهم الشيطان ونزع عنهم سترهم، حتى يصبحوا همجيين مثل من سبقوهم، ولا ينعموا بسكن الجنة، وهنا كانت قصة نزول آدم وحواء من الجنة، عندما أسكنهم الله في الجنة أخبرهم بالابتعاد عن شجرة في الجنة، وألا يأكلا منها، ولكن الشيطان وسوس إليهما أن يأكلا منها، لعلهما يبقيان خالدين على قيد الحياة إلى الأبد، ولكن عندما أكلا منها غضب الله عليهما غضباً شديداً، وأنزلهما إلى الأرض، وأنزل معهم الشيطان إلى الأرض، ليوسوس لهم حتى يحرمهم من دخول الجنة مرة أخرى، فتوعد الله سبحانه وتعالى بعذاب أليم لمن يستمع إلى الشيطان، كما توعد بأن يملأ بهم جهنم هم والشياطين . العبرة المستفادة من قصة خلق سيدنا آدم هي معرفة السبب الحقيقي وراء خروج سيدنا آدم وزوجته من الجنة ونزولهم إلى الأرض، كما معرفة موقف الشيطان من خلق بني آدم وإستخلافهم في الأرض .

قصة أصحاب السبت


قصة اصحاب السبت

مصدر القصة من القرأن الكريم:

ورد ذكر القصة في سورة البقرة. كما ورد ذكرها بتفصيل أكثر في سورة الأعرف الآيات 163-166.

قال الله تعالى، في سورة "الأعراف":

"وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ .
وقال تعالى في سورة "البقرة": وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ" .


وقال تعالى في سورة "النساء":

" أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا"

القصة:

أبطال هذه الحادثة، جماعة من اليهود، كانوا يسكنون في قرية ساحلية. اختلف المفسّرون في اسمها، ودار حولها جدل كثير. أما القرآن الكريم، فلا يذكر الاسم ويكتفي بعرض القصة لأخذ العبرة منها.

وكان اليهود لا يعملون يوم السبت، وإنما يتفرغون فيه لعبادة الله. فقد فرض الله عليهم عدم الانشغال بأمور الدنيا يوم السبت بعد أن طلبوا منه سبحانه أن يخصص لهم يوما للراحة والعبادة، لا عمل فيه سوى التقرب لله بأنواع العبادة المختلفة.

وجرت سنّة الله في خلقه. وحان موعد الاختبار والابتلاء. اختبار لمدى صبرهم واتباعهم لشرع الله. وابتلاء يخرجون بعده أقوى عزما، وأشد إرادة. تتربى نفوسهم فيه على ترك الجشع والطمع، والصمود أمام المغريات.

لقد ابتلاهم الله عز وجل، بأن جعل الحيتان تأتي يوم السبت للساحل، وتتراءى لأهل القرية، بحيث يسهل صيدها. ثم تبتعد بقية أيام الأسبوع. فانهارت عزائم فرقة من القوم، واحتالوا الحيل –على شيمة اليهود- وبدوا بالصيد يوم السبت. لم يصطادوا السمك مباشرة، وإنما أقاموا الحواجز والحفر، فإذا قدمت الحيتان حاوطوها يوم السبت، ثم اصطادوها يوم الأحد. كان هذا الاحتيال بمثابة صيد، وهو محرّم عليهم.

فانقسم أهل القرية لثلاث فرق. فرقة عاصية، تصطاد بالحيلة. وفرقة لا تعصي الله، وتقف موقفا إيجابيا مما يحدث، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المكر، وتحذّر المخالفين من غضب الله. وفرقة ثالثة، سلبية، لا تعصي الله لكنها لا تنهى عن المكر.

وكانت الفرقة الثالثة، تتجادل مع الفرقة الناهية عن المنكر وتقول لهم: ما فائدة نصحكم لهؤلاء العصاة؟ إنهم لن يتوفقوا عن احتيالهم، وسيصبهم من الله عذاب أليم بسبب أفعالهم. فلا جدة من تحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك لانتهاكهم حرماته.

وبصرامة المؤمن الذي يعرف واجباته، كان الناهون عن المكر يجيبون: إننا نقوم بواجبنا في الأمر بالمعروف وإنكار المنكر، لنرضي الله سبحانه، ولا تكون علينا حجة يوم القيامة. وربما تفيد هذه الكلمات، فيعودون إلى رشدهم، ويتركون عصيانهم.

بعدما استكبر العصاة المحتالوا، ولم تجد كلمات المؤمنين نفعا معهم، جاء أمر الله، وحل بالعصاة العذاب. لقد عذّب الله العصاة وأنجى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. أما الفرقة الثالثة، التي لم تعص الله لكنها لم تنه عن المكر، فقد سكت النصّ القرآني عنها. يقول سيّد قطب رحمه الله: "ربما تهوينا لشأنها -وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب- إذ أنها قعدت عن الإنكار الإيجابي, ووقفت عند حدود الإنكار السلبي. فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب" (في ظلال القرآن).

لقد كان العذاب شديدا. لقد مسخهم الله، وحوّلهم لقردة عقابا لهم لإمعانهم في المعصية.

وتحكي بعض الروايات أن الناهون أصبحوا ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد. فتعجبوا وذهبوا لينظرون ما الأمر. فوجودا المعتدين وقد أصبحوا قردة. فعرفت القردة أنسابها من الإنس, ولم تعرف الإنس أنسابهم من القردة; فجعلت القردة تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي; فيقول: ألم ننهكم! فتقول برأسها نعم.

الروايات في هذا الشأن كثيرة، ولم تصح الكثير من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها. لذا نتوقف هنا دون الخوض في مصير القردة، وكيف عاشوا حياتهم بعد خسفهم.

التوحيد

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

الأسرة النبوية

تُعرف أسرته صلى الله عليه وسلم بالأسرة الهاشمية ـ نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف ـ وإذن فلنذكر شيئًا من أحوال هاشم ومن بعده ‏:‏

جد النبي هاشم :
هاشماً هو الذي تولى السقاية والرفادة من بني عبد مناف حين تصالح بنو عبد مناف وبنو عبد الدار على اقتسام المناصب فيما بينهما، وهاشم كان اسمه موسرا ذا شرف كبير، وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة، وكان اسمه عمرو فما سمي هاشماً إلا لهشمه الخبز، وهو أول من سن الرحلتين لقريش، رحلة الشتاء .
ومن حديثه أنه خرج إلى الشام تاجرا، فلما قدم المدينة تزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، وأقام عندها، ثم خرج إلى الشام - وهي عند أهلها قد حملت بعبد المطلب - فمات هاشم بغزة من أرض فلسطين، وولدت امرأته سلمى عبد المطلب سنة ٤٩٧ م، وسمته شيبة لشيبة كانت في رأسه ، وجعلت تربيه في بيت أبيها في يثرب، ولم يشعر به أحد من أسرته بمكة وكان لهاشم أربعة بنين منهم عبدالمطلب وخمس بنات .

جد النبي عبد المطلب :
السقاية والرفادة بعد هاشم صارت إلى أخيه المطلب بن عبد مناف، ( وكان شريفاً مطاعاً ذا فضل في قومه، كانت قريش تسميه الفياض لسخائه )، ولما صار شيبة - عبد المطلب - وصيفا أو فوق ذلك سمع به المطلب . فرحل في طلبه، فلما رآه فاضت عيناه، وضمه، وأردفه على راحلته، فامتنع حتى تأذن له أمه، فسألها المطلب أن ترسله معه، فامتنعت فقال : إنما يمضي إلى ملك أبيه، وإلى حرم الله، فأذنت له، فقدم به مكة مردفه على بعيره، فقال الناس : هذا عبد المطلب، فقال : ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم ... فأقام عنده حتى ترعرع، ثم إن المطلب هلك بردمان من أرض اليمن، فولى بعده عبد المطلب، فأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون لقومهم، وشرف في قومه شرفاً لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه، وعظم خطره فيهم .

لما مات المطلب وثب نوفل على أركاح عبد المطلب فغصبه إياها، فسأل رجالاً من قريش النصرة على عمه، فقالوا : لا ندخل بينك وبين عمك . فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتاً يستنجدهم، وسار خاله أبو سعد بن عدي في ثمانين راكباً، حتى نزل بالأبطح من مكة، فتلقاه عبد المطلب، فقال : المنزل، يا خال ! فقال : لا والله حتى ألقى نوفلاً، ثم أقبل فوقف نوفل، وهو جالس في الحجر مع مشايخ قريش، فسل أبو سعد سيفه وقال : ورب البيت لئن لم ترد على ابن أختي أركاحه لأمكنن منك هذا السيف، فقال : رددتها عليه، فأشهد عليه مشايخ قريش، ثم نزل على عبد المطلب، فأقام عنده ثلاثاً، ثم اعتمر ورجع إلى المدينة، فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم، ولما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب قالوا : نحن ولدناه كما ولدتموه، فنحن أحق بنصره - وذلك أن أم عبد مناف منهم - فدخلوا دار الندوة، وحالفوا بني هاشم على بني عبد شمس ونوفل، وهذا الحلف الذي صار سبباً لفتح مكة
ومن أهم ما وقع لعبد المطلب من أمور البيت شيئان :
حفر بئر زمزم ووقعة الفيل .
وكان لعبد المطلب عشرة بنين، وهم : الحارث والزبير وأبو طالب، وعبد الله، وحمزة، وأبو لهب، والغيداق، والمقوم، وصفار، والعباس، وقيل : كانوا أحد عشر، فزادوا ولدا اسمه قثم، وقيل : كانوا ثلاثة عشر، فزادوا عبد الكعبة وحجلا، وقيل: إن عبد الكعبة هو المقوم، وحجلاً هو الغيداق ولم يكن من أولاده رجل اسمه قثم، وأما البنات فست وهن :
أم الحكيم - وهي البيضاء - وبرة وعاتكة وصفية وأروى وأميمة .

عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة، وكان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب، وأعفهم وأحبهم إليه، وهو الذبيح .
واختار عبد المطلب لولده عبد الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً، وأبوها سيد بني زهرة نسباً وشرفاً، فبنى بها عبد الله في مكة، وبعد قليل أرسله عبد المطلب إلى المدينة يمتار لهم تمرا، فمات بها، وقيل : بل خرج تاجرا إلى الشام، فأقبل في عير قريش، فنزل بالمدينة وهو مريض فتوفي بها، ودفن في دار النابغة الجعدي، وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه يقول أكثر المؤرخين، وقيل ‏:‏ بل توفي بعد مولده بشهرين أو أكثر ‏.‏ ولما بلغ نعيه إلى مكة رثته آمنة بأروع المراثى، قالت ‏:‏
عَفَا جانبُ البطحاءِ من ابن هاشم ** وجاور لَحْدًا خارجـًا في الغَـمَاغِـــم
دَعَتْـه المنــايا دعــوة فأجـابـــهـا ** وما تركتْ في الناس مثل ابن هاشـم
عشيـة راحـوا يحملــون سريـره ** تَعَاوَرَهُ أصـحـابــه في التزاحــــم
فإن تـك غـالتـه المنـايا ورَيْبَهـــا ** فقـد كـان مِعْطــاءً كـثير التراحم
وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال، وقطعة غنم، وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 

أيها المقصر متى تتوب


 ﴿ (18)  كتيب أيها المقصر متى تتوب ؟ (1) ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞

 الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه المصطفى ورسوله المجتبى
أمَّا بعد:
فإنَّ التوبة إلى الله تعالى نورٌ يتلألأ وسط ظلام المعصية الحالك، وبريق يلوح في الأفق فيغري العصاة بالرجوع إلى ربِّهم، ويُزيِّن لهم الكفَّ عن العصيان.
وما زالت التوبة تنادي العصاة والمقصرين: 
أن هلمُّوا إلى بارئكم، أقبلوا على ربكم؛ فإنَّ رحمته واسعة، وفضله عظيم، وفرحه بالتائبين ليس له منتهى وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: 25].
فيا أيها العاصي، تُبْ إلى ربِّك، وابكِ على خطيئتك! 
ويا أيها المقصِّر، تُبْ إلى ربِّك من تقصيرك، واسألْه العفو والغفران. 
ويا أيها المطيع، تُبْ إلى ربِّك من رؤيتك لطاعتك، وإدلالك بعملك وغفلتك عن عيوبك.
وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
وهذه الصفحات- أخي المسلم الموفَّق - قطوفٌ مختارةٌ وثمارٌ يانعةٌ في فضل التوبة وأحكامها وثمراتها وبعض قصص التائبين، نسأل الله تعالى أن يكون عونًا لكلِّ مسلمٍ على سلوك طريق التوبة، إنه خير مسؤول، وهو نعم المولى ونعم النصير
الناشـر
 
نِعم التوبة
أخي الحبيب:
الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين؛ فالدنيا ليست وطنًا ولا مقرًّا، بل هي معبرٌ و مَمرّ  ولا ينتهي السفر إلاَّ بالقدوم على الله، فمن أحسن في سفره كوفئ بالنعيم المقيم في الجنة، ومن أساء في سفره جوزء بالعذاب الأليم في جهنم  فالسعيد من تأهَّب لهذا السفر واستعدَّ له، واتَّخذ له زادًا من التقوى والعمل الصالح، والشقيُّ من ضيَّع عُمره في الغفلة والمعصية، فكان قُدومه على ربِّه قدوم العصاةِ والمُذنبين والمجرمين.
والعبد في سَفره إلى الله لا بدَّ أن يقع منه ما لا يُحمد من الأقوال والأفعال؛ لأنَّ الإنسان غير معصوم، وهو دائم النسيان والغفلة  ولَمَّا كانت المعاصي سبب سخط الله على العبد وإنزال العقوبة به، لم يترك الله عزَّ وجلَّ عِباده أسرى للمعصية أو عرضة للحيرة والقلق، بل أنعم عليهم بنعمة عظمى، ومنَّ عليهم بِمِنَّةٍ كبرى، وهي أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، ولولا أن وفَّق الله عباده إلى التوبة، وأنعم عليهم بقبولها؛ لوقع العباد في حرجٍ شديد، وأصابهم اليأس من المغفرة، وقصرت هممهم عن طلب القُرب من ربِّهم، وانقطع رجاؤهم من العفو والصفح والمسامحة.
الله غفور تواب رحيم
وقد وصف الله نفسه في القرآن ما يُقارب مائة مرَّة بأنه غفور رحيم، وامتنَّ على عباده بالتوبة في كثيرٍ من الآيات الكريمات، قال تعالى: واللهُ يُريدُ أن يتُوب عليكُم ويُريدَ الذين يتبعون الشهوات أن تميلُوا ميلاً عظيمًا [النساء: 27].
وقال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ [النور: 10].
وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم: 32] 
وقال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156].
فيا أخي الحبيب:
باب التوبة أمامك مفتوح ينتظرك، وطريق الأوبة مُمهَّد يشتاق إليك، فاطرق الباب، واسلك الطريق، واسأل ربَّك التوفيق والإعانة، وجاهد نفسك واقصرها على طاعة ربها وإذا تُبت إلى ربِّك وعُدت إلى المعصية مرَّةً أخرى ونقضت التوبة فلا تستحي من تجديد التوبة مرَّةً أخرى، مهما تكرَّر ذلك منك.
قال تعالى: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء: 25] 
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [الزمر: 53، 54].
وقال : «لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب الله عليكم».
فأين التائبون النادمون؟
أين العائدون الخائفون؟
أين الراكعون الساجدون؟
وجوب التوبة
التوبة: 
هي الرجوع عمَّا يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، وأصل التوبة الرجوع، ويقال: من رجع عن المخالفات حياءً من الله وخوفًا من عذابه فهو تائب.
والتوبة فرض عينٍ على كلِّ مسلم بالكتاب والسُنة والإجماع.
أما بالكتاب: 
فلقول الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم: 8].
ففي هاتين الآيتين الأمر الصريح بالتوبة لجميع المؤمنين، وهذا يدُلُّ على وجوب التوبة، يدُلُّ كذلك على أنَّ التوبة ليست خاصة بالعصاة والمخلطين؛ لأنَّ الله تعالى أمر بها أهل الإيمان.
ومِمَّا يدلُّ على وجوب التوبة كذلك قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11] 
حيث قسَّم العباد إلى قسمين: تائب وظالم، ولَمَّا كان الظُلم محرَّمًا كانت التوبة واجبة.
وأما السنة: 
فقد أمر النبي  بالتوبة فقال: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» .
وأما الإجماع: 
فقد قال ابن قدامة: الإجماع منعقدٌ على وجوب التوبة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا بدَّ لكلِّ عبدٍ من توبة، وهي واجبةٌ على الأوَّلين والآخرين .
وقال القرطبي: ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعيَّن .
أخي الحبيب: 
من رحمة الله تعالى عليك أن جعل التوبة فرضًا لازمًا، وذلك ليعفو عنك ويغفر ذنوبك ويمحو سيئاتك، فالله عزَّ وجلَّ غنيٌّ عنا وعن طاعتنا وأعمالنا كما قال سبحانه: لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37].
فبادر أخي بالتوبة الصادقة، وجدِّد التوبة في كلِّ يوم وفي كلِّ وقت، فإنَّ الراجع عن ذنبه والنادم عليه لا يكون مُصِرًّا وإن عاد في اليوم الواحد أكثر من سبعين مرَّة!
تب الآن
التوبة أخي الحبيب واجبة على الفور، بمعنى أنَّ تأخيرها والتسويف بها ذنب آخر يحتاج إلى توبة، وما يدري هذا المسوف الذي يقول: غدًا سأتوب أنه سيعيش إلى غد؟ بل ما يُدريه أنه سيقوم من مقامه؟ فإنَّ الموت قد يأتي بغتةً بلا أسبابٍ ولا مقدِّمات، وكم رأينا أناسًا ماتوا فجأة بسبب توقُّفٍ مفاجئٍ للقلب، أو بسبب حوادثٍ مروِّعة، أو بأسبابٍ لا يعلمها إلاَّ الله  قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34].
وأمر سبحانه بالمسارعة إلى ما يوجب المغفرة، ومنها التوبة، فقال سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران: 133].
وقال سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148] 
وقال عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 135].
وقال النبي : «ويلٌ للمُصِرِّين على ما فعلوا وهم يعلمون» .
فيا أخي الحبيب:
تُبِ الآن قبل أن تتراكم الظُلمة على قلبك، فلا تستطيع فكاكًا من المعاصي.
تُبِ الآن قبل أن يهجم المرض أو الموت فلا تجد مهلةً للتوبة.
تُبِ الآن قبل أن يأتيك ملك الموت فتقول: رَبِّ ارْجِعُونِ فيقال لك كَلَّا.
فضائل التوبة
التوبة في الحقيقة هي دِين الإسلام ومنازل الإيمان، ولا يستغني عنها الإنسان في جميع مراحل حياته، فالسعيد من جعلها ملازمة له في رحلته إلى الله والدار الآخرة والشقي من أهملها وتركها وراء ظهره.

۞۞۞۞۞۞۞


وللتوبة فضائل كثيرة منها:
1- أنها سببٌ جالبٌ لمحبَّة الله عزَّ وجل  قال تعالى: 
إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222].
2- أنها سبب للفلاح قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
3- أنها سبب لقبول أعمال العبد والعفو عن سيئاته قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى: 25].
وقال تعالى: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا [الفرقان: 71] 
أي تُقبل توبته.
4- أنها سبب لدخول الجنة والنجاة من النار: 
قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم: 59، 60].
5- أنها سبب للمغفرة والرحمة: 
قال تعالى: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف: 153].
6- أنها سبب في تبديل السيئات إلى حسنات:
قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 68-70].
وقال النبي : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» .
7- أنها سبب لكلِّ خير:
قال تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [التوبة: 3].
وقال سبحانه: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ [التوبة: 74].
8- أنها سبب للإيمان والأجر العظيم: 
قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 146].
9- أنها سبب في نزول البركات من السماء وزيادة القوَّة:
قال تعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52].
10- ومن فضائل التوبة أنها سبب في دعاء الملائكة للتائبين:
وذلك كما قال تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7].
11- ومن فضائلها أنها طاعة مرادة لله عزَّ وجل:
وذلك كما قال تعالى: والله يُريدُ أن يتُوب عليكم [النساء: 27] فالتائب فاعل لِما يحبه الله ويرضاه.
12- ومن فضائلها أنَّ الله عزَّ وجلَّ يفرح بها:
وذلك كما قال النبي : «لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلِّها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدَّة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك" أخطأ من شدَّة الفرح» .
13- والتوبة كذلك سبب في نور القلب وإشراقه:
قال النبي : «إنَّ العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله تعالى كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ».
فيا أخي الحبيب:
جديرٌ بكلِّ عاقلٍ أن يبادر إلى ما هذا فضله وتلك ثمرته 
أخي:

قَدِّمْ لنَفسِكَ تَوبَةً مَرجُوَّةً
قَبلَ الممَاتِ وقَبلَ حَبسِ الأَلسُنِ

بَادِرْ بِها غَلْقَ النُفُوسِ فَإنَّهَا 
ذُخرٌ وَغُنْمٌ لِلمُنِيبِ الْمُحسِنِ

شروط التوبة الصادقة
هناك شروط للتوبة الصادقة لا تصحُّ ولا تُقبل إلاَّ بها، وهي:
أولاً- الإسلام: 
فالتوبة لا تصحُّ من كافر؛ لأنَّ كفره دليل على كذبه في ادِّعاء التوبة، وتوبة الكافر دخوله في الإسلام أولاً  قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 18].
ثانيًا- الإخلاص لله: 
فالله تعالى لا يقبل من الأعمال إلاَّ ما كان خالصًا له وحده ليس لأحد فيه شيء، وقد يتوب الإنسان من المعصية لأنه لا يستطيع فعلها، كمن لا يجد ثمن الخمر فيتوب من شربها وفي قرارة نفسه أنه لو وجد ثمنها لاشتراها وشربها، فهذا توبته باطلة لا تصحُّ؛ لأنه لم يُخلص لله تعالى فيها.
قال تعالى: فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2، 3].
وقال النبي : «إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى».
وكان من دعاء الفاروق عمر بن الخطاب: «اللهم اجعل عملي كلَّه صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا».
ثالثًا- الإقلاع عن المعصية: 
فلا تُتصوَّر صحَّة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة  أما إذا عاود الذنب بعد التوبة، وقد توفَّرت في التوبة شروطها، ومنها الإقلاع عن الذنب؛ فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج إلى توبةٍ أخرى  وهكذا.
قال النووي: «وإذا تاب توبةً صحيحةً بشروطها، ثم عاود الذنب؛ كُتِب عليه ذلك الذنب الثاني ولم تبطل توبته» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإذا تاب توبةً صحيحةً غُفِرت ذنوبه، فإن عاد إلى الذنب فعليه أن يتوب، وإذا تاب قبل الله توبته أيضًا» .
رابعًا- الاعتراف بالذنب: 
إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شيء لا يَعدُّه ذنبًا، كالذي يبتدع في دين الله عزَّ وجلَّ ما ليس منه، فإنه لا يعدُّ بدعته ذنبًا، بل إنه يتقرَّب إلى الله تعالى بها  وفي حديث الإفك قال النبي  لعائشة رضي الله عنها: 
«أمَّا بعد يا عائشة، إنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنَّ العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه» .
ومن هنا كانت المعصية أقلَّ خطورةً من البدعة، لأنَّ المعصية يُتاب منها في الغالب، أمَّا البدعة فلا يُتاب منها في الغالب.
خامسًا- الندم على ما سلف من الذنوب:
وهكذا المخالفات، ولا تتصوَّر التوبة إلا من نادم خائفٍ وجلٍ مُشفِقٍ على نفسه مِمَّا حصل منه، ولذلك قال النبي : «الندم توبة» .
سادسًا- ردُّ المظالم إلى أهلها: 
إن كانت المعصية مُتعلِّقة بحقوق الآدميين، قال النبي : «من كانت له مظلمة لأحد من عرض أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقَدْر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه» .
سابعًا- وقوع التوبة قبل الغرغرة: 
والغرغرة هي علامة من علامات الموت، تصل فيها الرُّوح إلى الحلقوم، فلا بدَّ أن تكون التوبة قبل الموت كما قال سبحانه: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
وقال النبي : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»  .
أخي الحبيب:
خُذ مِن شَبابِكَ قَبْلَ المَوتِ وَالهَرَمِ
وَبَادِر التَّوبَةَ قَبلَ الفَوتِ وَالنَّدَمِ

وَاعلَمْ بِأَنَّكَ مَجْزِيٌّ وَمُرْتَهَنٌ
وَرَاقِبِ اللهَ وَاحذَرْ زِلَّةَ القَدَمِ

لأنَّ الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس أجمعون وتيقَّنوا بقُرب قيام الساعة، ولكنَّ التوبة والإيمان عند ذلك لا تنفع  قال النبي : «إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل بالمغرب بابًا مسيرة عرضه سبعون عامًا للتوبة، لا يُغلق ما لم تطلع الشمس من قِبلَهِ، وذلك قول الله عز وجل يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ».
وقال : «إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» .
أقوال السلف في التوبة
للسلف عبارات جميلة وإضاءات عطرة تُبيِّن عظم منزلة التوبة وتُحِثُّ على سلوكها، ومن هذه الأقوال: 
1- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «جالسوا التوابين؛ فإنهم أرقُّ الناس أفئدة».
2- قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «عجبًا لمن يهلك ومعه النجاة! قيل له: وما هي؟ قال: التوبة والاستغفار».
3- قول أحمد بن عاصم الأنطاكي: «هذه غنيمة باردة، أصلح فيما بقي، يُغفر لك فيما مضى».
4- قول سعيد بن المسيب: «أنزل الله قوله تعالى: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (الإسراء: 25) في الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب».
5- قول الحسن البصري: «التوبة النصوح: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإضمار ألاَّ يعود».
6- قول الفضيل بن عياض: «كلُّ حزن يبلى إلى حزن التائب».
7- قول الربيع بن خثيم: «أتدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب ثم لا تعود».
8- قول طلق بن حبيب: «إنَّ حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العبد؛ فأصبحوا تائبين وأمسوا تائبين».
9- قول شقيق البلخي: «علامة التوبة: البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار».
10- قول أبي علي الروذباري: «من الاغترار أن تُسِيء فيُحسَن إليك، فتترك التوبة توهمًا أنك تُسامَح في الهفوات».
11- قول لقمان لابنه: «يا بني، لا تؤخِّر التوبة؛ فإنَّ الموت يأتي بغتة».
12- قول أبي بكر الواسطي: «التأنِّي في كلِّ شيء حسن إلاَّ في ثلاث خصال»، وذكر منها «التوبة عند المعصية».
13- قول إبراهيم بن أدهم: «من أراد التوبة فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة الناس (أي في الشر)، وإلاَّ لم ينل ما يريد».
14- قول يحيى بن معاذ: «الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كلِّ همَّة».
مناجاة تائب
قال منصور بن عمار: 
خرجت ليلة، وظننتُ أني قد أصبحت، وإذا عليَّ ليل، فقعدت عند بابٍ صغير، وإذا بصوت شاب يبكي ويقول: وعزَّتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك، ولا عصيتك حين عصيتك وأنا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرِّض، ولا بنظرك مستخفٌّ، ولكن سوَّلت لي نفسي، وغلبت عليَّ شقوتي، وغرّني سترك المُرخَى عليَّ  والآن، فمِن عذابك مَن ينقذني؟ وبحبل مَن أتصل إن قطعتَ حبلك عنِّي؟! 
وا سوأتاه من تصرُّم أيامي في معصية ربِّي! يا ويلي! كم أتوبَ وكم أعودَ قد حان لي أن أستحي من ربِّي!

۞۞۞۞۞۞۞

مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ

  بَابُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُد 1072 -  حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ...