أتتك حمير بالأهلين والولد
بسم الله الرحمن الرحيم.
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} .
إقبال الجند.
إنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه قتل في خلافته مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وقاتل بني حنيفة وأهل الردة وأطاعته العرب فعزم أن يبعث جيشه إلى الشام وصرف وجهه لقتال الروم فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وقام فيهم خطيبا فحمد الله عز وجل وقال: يا أيها الناس رحمكم الله تعالى اعلموا أن الله فضلكم بالإسلام وجعلكم من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وزادكم ايمانا ويقينا ونصركم نصرا مبينا وقال فيكم:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}
واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عول أن يصرف همته إلى الشام فقبضه الله إليه واختار له ما لديه إلا وإني عازم أن اوجه ابطال المسلمين إلى الشام بأهليهم ومالهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأني بذلك قبل موته وقال: "زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها" فما قولكم في ذلك فقالوا: يا خليفة رسول الله مرنا بأمرك ووجهنا حيث شئت فإن الله تعالى فرض علينا طاعتك
فقال تعالى:
{يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ منكم}
ففرح أبو بكر رضي الله عليه ونزل عن المنبر وكتب الكتب إلى ملوك اليمن وأهل مكة وكانت الكتب فيها نسخة واحدة. وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم.
أما بعد فاني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد عزمت أن أوجهكم إلى بلاد الشام لتأخذوها من أيدي الكفار والطغاة فمن عول منكم على الجهاد والصدام فليبادر إلى طاعة الملك العلام ثم كتب:
{انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
الآية ثم بعث الكتب إليهم وأقام ينتظر جوابهم وقدومهم وكان الذي بعثه بالكتب إلى اليمن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فما مرت الأيام حتى قدم أنس رضي الله عنه يبشره بقدوم أهل اليمن وقال: يا خليفة رسول الله وحقك على الله ما قرأت كتابك على أحد إلا وبادر إلى طاعة الله ورسوله وأجاب دعوتك وقد تجهزوا في العدد والعديد والزرد النضيد وقد أقبلت إليك يا خليفة رسول الله مبشرا بقدوم الرجال وأي رجال وقد أجابوك شعثا غبرا وهم أبطال اليمن وشجعانها وقد ساروا إليك بالذراري والأموال والنساء والأطفال وكأنك بهم وقد أشرفوا عليك ووصلوا إليك فتأهب إلى لقائهم قال فسر أبو بكر رضي الله عنه بقوله سرورا عظيما وأقام يومه ذلك حتى إذا كان من الغد اقبلوا إلى الصديق رضي الله عنه وقد لاحت غبرة القوم لأهل المدينة قال فاخبروه
فركب المسلمون من أهل المدينة وغيرهم واظهروا زينتهم وعددهم ونشروا الأعلام الإسلامية ورفعوا الألوية المحمدية فما كان إلا قليل حتى أشرفت الكتائب والمواكب يتلو بعضها بعضا قوم في أثر قوم وقبيلة في أثر قبيلة فكان أول قبيلة ظهرت من قبائل اليمن حمير وهم بالدروع الداودية والبض العادية والسيوق الهندية وأمامهم ذو الكلاع الحميري رضي الله عنه فلما قرب من الصديق رضي الله عنه أحب أن يعرفه بمكانه وقومه وأشار بالسلام
وجعل ينشد ويقول:
أتتك حمير بالأهلين والولد
...
أهل السوابق والعالون بالرتب
أسد غطارفة شوس عمالقة
...
يردوا الكماء غدا في الحرب بالقضب
الحرب عادتنا والضرب همتنا
...
وذو الكلاع دعا في الأهل والنسب
دمشق لي دوت كل الناس اجمعهم
...
وساكنيها سأهويهم إلى العطب
قال: فتبسم أبو بكر الصديق رضي الله عنه من قوله ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أبا الحسن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقبلت حمير ومعها نساؤها تحمل أولادها فأبشر بنصر الله على أهل الشرك أجمعين" فقال الإمام علي صدقت وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس رضي الله عنه وسارت حمير بكتائبها وأموالها وأقبلت من بعدها كتائب مذحج أهل الخير العتاق والرماح الدقاق وأمامهم.