الثلاثاء، 1 يناير 2013

الجزاء من جنس العمل 3





الجزاء من جنس العمل 3






إن الله عز وجل قد أودع هذا الكون سننا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، يُنسج على منوالها نظام هذه الحياة ، فالعاقل اللبيب من يساير سنن الله ولا يصادمها ، ومن هذه القواعد والسنن العظيمة أن الجزاء من جنس العمل.
فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر: (جَزَاءً وِفَاقاً) (النبأ:26) .
ولو وضعنا هذه القاعدة نصب أعيننا لزجرتنا عن كثير من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم : " كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار ، فاسلكوا أي طريق شئتم ، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله".
إن العلم بهذه القاعدة هو في المقام الأول دافع للأعمال الصالحة ، ناه عن الظلم ، زاجر للظالمين ومواس للمظلومين.
فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا لكف عن ظلمه وتاب إلى الله وأناب ، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج : [اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك ، فقال : بل اختر أنت لنفسك يا حجاج ؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة].
ولو أن هذا الذي يهدم بنيان الله ويهدر الدم الحرام بغير حق تدبر الحكمة القائلة : بشر القاتل بالقتل لأحجم عن فعلة عاقبتها الهلكة ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك أعراضهم علم أن عدل الله قد يقضي أن يسلط على عرض أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته من لا يتقي الله فيه ، فينال منه كما نال هو من عرض أخيه لانتهى وانزجر ، وصدق القائل:
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا         سبل المودة عشت غير مكرم
لوكنت حرا من سلالة مـاجد         ما كنت هتـاكا لحـرمـة مـسلم
من يَزن يُزن به ولو بجداره         إن كنت يا هــذا لـبيـبـا فـافـهم
من يزن في بيت بألفي درهم        فـفي بيـته يزنى بغـير الـدرهم
ولو أن الوصي على مال اليتيم سول له الشيطان أكله بالباطل فاستحضر قول الله تعالى :(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(النساء:9) .
لاتقى الله في مال اليتامى ولحافظ عليهم وعلى أموالهم حتى يحفظ الله ذريته من بعده (جَزَاءً وِفَاقاً).
إن اليقين بهذه القاعدة من قواعد نظام الكون ليمنح وقودا إيمانيا عجيبا لمن سلك سبيل الله تعالى فوجد عقبات أو منغصات أو اضطهادات أو ظلما واستضعافا فيؤزه هذا اليقين بتلكم القاعدة على الصبر والثبات وثوقا بموعود الله الذي يمهل ولا يهمل ، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
وقد وردت الأدلة الشرعية الكثيرة التي ترشد إلى هذه القاعدة وتؤكد عليها في مثل قوله تعالى( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً . وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء: 123ـ 124)  
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (لأنفال:36)
وقوله تعالى : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران:54)
وقوله ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:50)
والآيات التي تدل على هذه القاعدة ـ أن الجزاء من جنس العمل ـ كثيرة.
ومن الأدلة عليها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى ما سبق قوله صلى الله عليه وسلم : " احفظ الله يحفظك..." الحديث.
وقوله : " اعمل ما شئت فإنك مجزي به".
وقوله صلى الل عليه وسلم : " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه " .
 أمثلة من واقع الحياة
 1ـ الخليل إبراهيم عليه السلام
من الأمثلة العملية التي تدل على تحقق هذه القاعد ما كان مع الخليل إبراهيم عليه السلام ،
ذلك الرجل الذي قام بدين الله عز وجل خير قيام فقدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان ،
فإنه لما صبر على البلاء في ذات الله عز وجل وألقاه قومه في النار كان جزاؤه من جنس عمله : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الانبياء:69) .
ولما سلم قلبه من الشرك والغل والأحقاد كان جزاؤه من جنس عمله ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ )(الصافات:109).
ولما هاجر وترك أهله وقرابته ووطنه أسكنه الله الأرض المباركة ، ووهب له من الولد ما تقر به عينه (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ) (الأنبياء:71ـ 72).
ولما بنى لله بيتا في الأرض يحجه الناس رآه النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور قبلة أهل السماء الذي يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك.
ولما صبر الخليل عليه السلام على تجريده من ثيابه على يد الكفار كان جزاؤه من جنس عمله فإن : " أول من يكسى من الخلائق يوم القيامة   إبراهيم " . كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
 2ـ أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أحسنت صحبته ، وواسته بنفسها ومالها ، وكانت من السابقين إلى الإسلام ، فقد جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له :" بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب " . والقصب هو اللؤلؤ ، فبيتها في الجنة من قصب نظرا لما كان لها من قصب السبق إلى الإسلام ، ثم هو بيت لا صخب فيه ولا نصب ؛ ذلك أنها لم تتلكأ في إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم تحوجه إلى كلام كثير أو رفع صوت ، فكان جزاؤها من جنس عملها رضي الله عنها وأرضاها.
 3ـ النمرود بن كنعان
وعلى الجانب الآخر نرى تحقق نفس القاعدة في أعداء الله الكافرين والمنافقين ، فهذا النمرود بن كنعان الذي قال: أنا أحيي وأميت ، وظل مئات السنين يقول للناس: أنا ربكم الأعلى ويتكبر عليهم ، سلط الله عليه بعوضة دخلت في أنفه ـ والأنف رمز العزة والشموخ ـ ثم تسللت إلى دماغه فسببت له وجعا كان لا يشعر براحة إلا إذا ضربه من حوله بالنعال والمطارق على رأسه ( جزاء وفاقا ).
4ـ عقبة بن أبي معيط
أما عقبة بن أبي معيط ذلك الكافر الذي اشتد إيذاؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد وضع عقبة سلا الجزور على رأس النبي وهو ساجد ، وهو الذي وضع رجله على رأس النبي صلى الله عليه وسلم  وهو ساجد حتى ظن النبي أن عينيه ستندران ، فقد مكن الله منه في بدر ووقع أسيرا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ، فقال: علام أقتل من بين مَن هنا ؟ فقيل له على عداوتك لله ورسوله.
5ـ معذبة زنيرة
 أما زنيرة رضي الله عنها فقد كانت أمة لدى واحدة من نساء قريش ، شرح الله صدر زنيرة للإسلام فآمنت وشهدت شهادة الحق ، فكانت سيدتها تعذبها وتأمر الجواري أن يضربن زنيرة على رأسها ففعلن حتى ذهب بصر زنيرة ، وكانت إذا عطشت وطلبت الماء قلن لها متهكمات : الماء أمامك فابحثي عنه ، فكانت تتعثر ، ولما طال عليها العذاب قالت لها سيدتها: إن كان ما تؤمنين به حقا فادعيه يرد عليك بصرك ، فدعت ربها فرد عليها بصرها ، أما سيدتها التي كانت تعذبها فقد لاقت شيئا من جزائها في الدنيا ، فإنها أصيبت بوجع شديد في الرأس وكان لا يهدأ إلا إذا ضربت على رأسها ، فظل الجواري يضربنها على رأسها كي يهدأ الوجع حتى ذهب بصرها ، والجزاء من جنس العمل.
نسأل الله الكريم أن يجعل عملنا كله صالحا ولوجهه خالصا وأن يحسن جزاءنا ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

فيقولُ هذا السيد لهذا العبد:








فيقولُ هذا السيد لهذا العبد:







هاهوَ رجلُ كان له عبد يعملُ في مزرعته، 


فيقولُ هذا السيد لهذا العبد:

ازرع هذه القطعةَ برا.

وذهبَ وتركه،

وكان هذا العبد لبيباً عاقلا،

فما كان منه إلا أن زرعَ القطعة شعيراً بدل البر.

ولم يأتي ذلك الرجل إلا بعد أن استوى وحان وقت حصاده.

فجاء فإذا هي قد زُرعت شعيراً.،

فما كان منه إلا أن

قال:

أنا قلت لك ازرعها برا، لما زرعتها شعيرا؟

قال رجوت من الشعيرِ أن ينتجَ برا.

قال يا أحمق أفترجو من الشعيرِ أن يُنتجَ برا؟

قال يا سيدي أفتعصي اللهَ وترجُ رحمتَه،

أفتعصي اللهَ وترجُ جنتَه.

ذعر وخافَ واندهشَ وتذكرَ أنه إلى اللهِ قادم

فقال تبتُ إلى الله وأبت إلى الله،

أنت حرٌ لوجه الله.

الاثنين، 31 ديسمبر 2012

اركب معنا






  اركب معنا







روى البيهقي وغيره : 



أنه لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته 


بين الناس .. 

حاول كفار قريش أن ينفروا الناس عنده .. 

فقالوا :

ساحر ..

كاهن ..

مجنون ..

لكنهم وجدوا أن أتباعه يزيدون ولا ينقصون ..

فاجتمع رأيهم على أن يغروه بمال ودنيا ..

فأرسلوا إليه حصين بن المنذر الخزاعي ..

وكان من كبارهم ..

فلما دخل عليه حصين ..

قال :

يا محمد ..

فرقت جماعتنا ..

وشتت شملنا ..

وفعلت ..

وفعلت .. 



فإن كنت تريد مالاً جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالاً 


..

وإن أردت نساءً زوجناك أجمل النساء ..

وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ..

ومضى في كلامه وإغرائه

..والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليه ..


فلما انتهى من كلامه ..

قال له صلى الله عليه وسلم :

أفرغت يا أبا عمران ..

قال

: نعم ..

قال :

فأجبني عما أسألك ..

قال :

سل عما بدا لك ..

قال :

يا أبا عمران ..

كم إلهاً تعبد ؟

قال : أعبد سبعة ..

ستة في الأرض ..

وواحداً في السماء !!

قال :

فإذا هلك المال .. من تدعوا !؟


قال :

أدعوا الذي في السماء ..

قال :

فإذا انقطع القطر من تدعوا ؟

قال :

أدعوا الذي في السماء ..

قال :

فإذا جاع العيال ..

من تدعوا ؟

قال :

أدعوا الذي في السماء ..

قال : فيستجيب لك وحده ..

أم يستجيبون لك كلهم ..

قال :

بل يستجيب وحده ..

فقال صلى الله عليه وسلم:

يستجيب لك وحده ..

وينعم عليك وحده ..

وتشركهم في الشكر ..

أم أنك تخاف أن يغلبوه عليك ..

قال حصين :

لا ..

ما يقدرون عليه ..

فقال صلى الله عليه وسلم :

يا حصين ..

أسلم أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ..

فقيل إنه أسلم فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم

دعاء يدعو به..

عمرو بن الجموح رضي الله عنه




عمرو بن الجموح رضي الله عنه





عمرو بن الجموح رضي الله عنه


كانت الدنيا مليئة بالمشركين .. هذا يدعو صنماً .. وذاك يرجو قبراً ..
والثالث يعبد بشراً .. والرابع يعظم شجراً ..
نظر إليهم ربهم فمقتهم عربهم وعجمهم .. إلا بقايا من موحدي أهل الكتاب ..
وكان من بين هؤلاء السادرين ..
سيد من السادات .. هو عمرو بن الجموح ..
كان له صنم اسمه مناف .. يتقرب إليه .. ويسجد بين يديه ..
مناف .. هو مفزعه عند الكربات .. وملاذه عند الحاجات ..
صنم صنعه من خشب .. لكنه أحب إليه من أهله وماله ..
وكان شديد الإسراف في تقديسه .. وتزيينه وطييبه وتلبيسه ..
وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا .. حتى جاوز عمره الستين سنة ..
فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة .. وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه .. داعيةً ومعلماً لأهل المدينة .. أسلم ثلاثة أولاد لعمرو بن الجموح مع أمهم دون أن يعلم ..
فعمدوا إلى أبيهم فأخبروه بخبر هذا الداعي المعلم وقرؤوا عليه القرآن .. وقالوا : يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في  اتباعه ؟
فقال : لست أفعل حتى أشاور مناف فأَنظُرَ ما يقول !!
ثم قام عمرو إلى مناف .. وكانوا إذا أرادوا أن يكلموا أصنامهم جعلوا خلف  الصنم عجوزاً تجيبهم بما يلهمها الصنم في زعمهم ..
أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف .. وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى .. فوقف بين يدي الصنم .. معتمداً على رجله الصحيحة .. تعظيماً واحتراماً .. ثم حمد الصنم وأثنى عليه ثم قال :
يا مناف .. لا ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم .. ولا يريد أحداً بسوء سواك .. وإنما ينهانا عن عبادتك .. فأشِرْ عليّ يا مناف .. فلم يردَّ الصنم شيئاً .. فأعاد عليه فلم يجب ..
فقال عمرو : لعلك غضبت .. وإني ساكت عنك أياماً حتى يزول غضبك ..
ثم تركه وخرج .. فلما أظلم الليل .. أقبل أبناؤه إلى مناف ..
فحملوه وألقوه في حفرة فيها أقذار وجيف ..
فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه لتحيته فلم يجده ..
فصاح بأعلى صوته : ويلكم !! من عدا على إلهنا الليلة .. فسكت أهله ..
ففزع ..واضطرب ..وخرج يبحث عنه ..فوجده منكساً على رأسه في الحفرة..فأخرجه وطيبه وأعاده لمكانه..
وقال له : أما والله يا مناف لو علمتُ من فعل هذا لأخزيته ..
فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم .. فحملوه وألقوه في تلك الحفرة المنتنة ..
فلما أصبح الشيخ التمس صنمه .. فلم يجده في مكانه ..
فغضب وهدد وتوعد .. ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه ..
ثم ما زال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح فلما ضاق بالأمر ذرعاً راح إليه قبل منامه وقال : ويحك يا مناف إن العنز لتمنع أُسْتَها ..
ثم علق في رأس  الصنم سيفاً وقال : ادفع عدوك عن نفسك ..
فلما جَنَّ الليلُ حمل الفتيةُ الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع فيها النتن .. فلما أصبح الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في البئر قال :
ورب يبـول الثعلبـان برأسه ***  لقد خاب من بالت عليه الثعالب
ثم دخل في دين الله .. وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين ..
وانظر إليه .. لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر .. منعه أبناؤه لكبر سنه .. وشدة عرجه .. فأصر على الخروج للجهاد.. فاستعانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالبقاء في المدينة .. فبقي فيها ..
فلما كانت غزوة أحُد .. أراد عمرو الخروج للجهاد .. فمنعه أبناؤه .. فلما أكثروا عليه .. ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. يدافع عبرته .. ويقول : ( يا رسول الله إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد ..
قال : إن الله قد عذرك ..
فقال .. يا رسول الله .. والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ..
فأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج .. فأخذ سلاحه وقال : اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي ..
فلما وصلوا إلى ساحة القتال .. والتقى الجمعان .. وصاحت الأبطال .. ورميت النبال ..
انطلق عمرو يضرب بسيفه جيش الظلام .. ويقاتل عباد الأصنام ..
حتى توجه إليه كافر .. بضربة سيف كـُتِبَت له بها الشهادة ..
فدفن رضي الله عنه .. ومضى مع الذين أنعم الله عليهم ..
وبعد ست وأربعين سنة في عهد معاوية رضي الله عنه ..
نزل بمقبرة شهداء أحد .. سيل شديد .. غطّى أرض القبور ..
فسارع المسلمون إلى نقل رُفات الشهداء .. فلما حفروا عن قبر عمرو بن الجموح .. فإذا هو كأنه نائم ..  ليّن جسده .. تتثنى أطرافه .. لم تأكل الأرض من جسده شيئاً ..
فتأمل كيف ختم الله له بالخير لما رجع إلى الحق لما تبين له ..
بل انظر كيف أظهر الله كرامته في الدنيا قبل الآخرة .. لما حقق لا إله إلا الله ..
هذه الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات .. وفطر الله عليها جميع المخلوقات .. وهي سبب دخول الجنة ..
ولأجلها خلقت الجنة والنار .. وانقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار .. وأبرار وفجار ..
فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين ..

رباه يا ذا الفضل والإحسان




رباه يا ذا الفضل والإحسان












رباه يا ذا الفضل والإحسان *** أنت الرحيم وغافر الزلاّتِ


فلك المحاسن كلها بتمامها *** أنتَ الكريم ومٌنزل الرحماتِ


أنت المرجّى للحوائج كلها *** أنتَ الجواد مفرج الكرباتِ


أنت الحليم بمن عصى وتجرءا *** أرجوك ربي فامسح العثراتِ


أدعوك بالليل البهيم منادياً *** أنا تائبٌ لك أرفع الدعواتِ


أدعوك يا رباه يا رب العلا *** أحسن وقوفي يوم ذي الحسراتِ


ما أنتِ يا دنيا بدار قرارنا *** ما أنت إلا بؤرة الآفاتِ


فأنا الغريق بدعوة الشيطان إذ *** دوماً بلهوي راقدٌ بسباتِ


فاللهو يسرق وقتنا في لمحة *** والعمر يمضي مسرع الخطواتِ


واليوم أرجوا رحمة المنان لي *** قبل الرحيل أنازع السكراتِ


يا ربي أغفر زلتي وخطيئتي *** فأنا المقر بذنبي في الخلواتِ


أدعوك يا من تسمع الأبيات أن *** تنجوا بنفسك عن ردى اللذاتِ


سارع فأن الموت بالمرصاد جاء *** وعجل بخيرٍ واسكب العبراتِ


فالحق يسموا بالصحاب وقربهم *** كالنور يجلي ظلمة الشهواتِ


أملأ فؤادك بالتقى وبهمةٍ *** ترجوا الإله برفعت الدرجاتِ


قلها معي أنا تائبُُُ بل نادمُ *** عما جرى بصادق الدمعاتِ


تلك النصيحة أجتبيها للذي *** يخشى سعيراً تطلق الزفراتِ








سلطان بن سراي الشمري



... ((((( أنا تائب ،، نعم تائب ))))) ...










... (((((  أنا  تائب  ،، نعم  تائب  ))))) ...











{ َتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

وقال الله تعالى:

{ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ }

وجاء في الصحيح

من حديث الأغر المزني t أن رسول الله r

قال :"

 يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم مائة مرة  






فقلها أخي المبارك معي من أعماقِ قلبك

وينطق بها لسانك وتعمل بها جوارحك قلها معي بملء فيك

 ... (((((  أنا  تائب  ،، نعم  تائب  ))))) ...

قلها معي أنا تائبٌ بل نادمٌ   ****   عما جرى بصادق الدمعات
            تلك النصيحة أجتبيها للذي  ****   يخشى سعيراً تطلق الزفرات



* فيا من أطلق لنفسه العنان ولم يرع العظيم المنان  ؟!

* إلى متى وأنت تتخبط في وحل الرذيلة والمعصية ؟!

* ألم يحن بعد وقت الرجوع إلى الله تبارك وتعالى ؟!

* أما آن لك أن تفيق من غفلتك وسكرة ذنبك وتنطرح بين يدي مولاك ؟!

* أما آن لك أن تعرف قدرك ومن تبارز بذنبك ؟!

فأنت يا هذا مخلوقٌ ضعيف أولك نطفة مذره ،

 وفي بطنك تحمل العذره وآخرك جيفة قذره ،

 فعلى ماذا تعصى الله يا مسكين !!

وهل عرفت من تبارز بذنبك !!

إنه الله الجبار الذي بيده ملكوت السموات والأرض !!

ملك الملوك ذو الطول شديد العقاب !!!



 والعجب أنهم يرجون الجنة ولا يعملون لها

ولا يسعون لأسبابها والله المستعان ...

     تـصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى

ولـقد عـلمنا أُخرج الأبوين  من

درج الجـنان لـدى النعيم الخالدِ

مـلكوتها الأعـلى بـذنب واحدِ

 : قال رسول r :"

 والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم

ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله فيغفر لهم


قال الله تعالى :

 { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ }

1 الإقلاع عن الذنب في الحال .

2- الندم على فعلها :

3- العزم على ألا يعود :

  ".
4- رد المظالم إلى أهلها أو التحلل منهم :


5- الإخلاص :
  .
6- أن تكون في زمن التوبة : 


وزمن التوبة الصحيحة المقبولة على نوعين :

النوع الأول :

باعتبار كل إنسان بحسبه وهو أن يبلغ الإنسان

 أجله فيصل إلى حد الغرغرة فإنه عندئذٍ لا تُقبل توبته ،

 قال تعالى :

{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ }



سلطان بن سراي الشمري

(حكاية ملك الموت مع رجل أسرف على نفسه فى جمع المال)








 

(حكاية ملك الموت مع رجل أسرف على نفسه فى جمع المال)








استكثروا من الحكايات فإنها دُررُ،فربما كانت فيها الدُرة اليتيمة.


عن يزيد بن ميسرة قال:كان رجل ممن مضى جمع مالا وولدا فأوعى،ثم أقبل على نفسه وهو أهله،فقال:انعمنى سنين،فأتاه ملكُ الموتُ،فقرع الباب،فخرجوا إليه وهو متمثل مسكين،فقال لهم:ادعوا لى صاحب الدار،وصنع مثل ذلك.
وقال أخبروه أنى ملك الموت.

فلما سمع سيدهم قعد فزعا،وقال:لينُوا له بالكلام،فقالوا:ما تريد غير سيدنا بارك الله فيك،قال:لا.
فدخل عليه،فقال له:قُم فأوص ما كنت موصيا،فإنى قابض نفسك قبل أن أخرج،فصاح أهله،وبكوا،ثم قال:افتحوا الصناديق والتوابيت وافتحوا أوعية المال،وافتحوا أوعية الذهب والفضة،ففتحوها جميعا.


فأقبل إلى المال يلعنه ويسبه ويقول:لُعنت من مال،أنت الذى أنسيتنى ربى تبارك وتعالى،وأغفلتنى عن العمل لآخرتى حتى بلغنى أجلى،فتكلم المال،فقال:لا تسبنى،ألم تكن وضيعا فى أعين الناس فرفعتك؟ ألم يُر عليك من أثرى وكنت تحضر سدد الملوك فتدخل،ويحضر عباد الله الصالحون فلا يدخلون؟ ألم تكن تخطب بنات الملوك والسادةفتُنكح؟ ويخطب عباد الله الصالحون فلا يُنكحون؟ ألم تكن تنفقنى فى سبيل الجبت والطاغوت فلا أتعاصى،ولو أنفقتنى فى سبيل الله لم أتعاص عليك؟فأنت اليوم ألوم منى ! إنما خُلقتُ أنا و أنتم يا بنى آدم من تراب،فمنطلق ببر ومنطلق بإثم،فهكذا يقول المال،فاحذروا






استكثروا من الحكايات فإنها دُررُ،فربما كانت فيها الدُرة اليتيمة.






السبت، 29 ديسمبر 2012

العجب من صبر أم جميل





العجب من صبر أم جميل








 
قال الأصمعي :


 خرجت أنا وصديق لي الى البادية ، فضللنا 



  الطريق ،فاذا نحن بخيمة على يمين الطريق فقصدنا نحوها


فسلمنا فاذا عجوز تردُ السلام ، ثم قالت : من أنتم ؟ قلنا قوم ضللنا الطريق،وأَنِسْنا بكم ، وقوم جياع ،فقالت :


ولُّو وجوهكم حتى أقضي ما أنتم له أهل .


ففعلنا وجلسنا على فراش ألقتُه لنا ، واذا ببعير مُقبل وعليه راكب ، واذابها تقول : أسال الله بركة المُقبل ، أما البعير


فبعير ولدي وأما راكبه فليس بولدي .


فجاء الراكب فقال : يا أم عقيل السلام عليكِ ، أعظم الله أجرك في عقيل ! فقالت : ويحك أوقد مات عقيل ؟قال : نعم



قالت : ماسبب موته ؟ قال : ازدحمت عليه الابل فرمت به في البئر .


فقالت : انزل ،ودفعت له كبشاً ونحن مدهوشون ، فذبحه وأصلحه وقرب الينا الطعام ،فجعلنا نتعجب من صبرها .



فلما فرغنا ،قالت : هل فيكم أحداً يحسن من كتاب الله عزوجل شيئاً. قلنا :نعم ،قالت : فاقرؤوا علي آيات أتعزى بها



عن ابني ،قال :قلت:
(وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من


ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون).

قالت :آلله انها لفي كتاب الله؟قلت :والله انها لفي كتاب الله ، قالت : انا لله وانا اليه راجعون ،صبراًجميلاً وعند الله


أحتسب عقيلاً.....


اللهم اني فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ماوعدتني ،ولوبقي أحداً لأحد لبقي محمد صلى الله عليه وسلم لأمته .قال :


فخرجنا ونحن نقول: ما أكمل منها ولا أجزل ،لما علمت أن الموت لامدفع ولامحيص عنه ، وأن الجزع لايجدي نفعاً ،وأن


البكاء لايرد هالكاً ،رجعت الى الصبر الجميل والرضا بقضاء السميع العليم ،فاحتسبت ابنها لله عزوجل ذخيرة نافعة


ليوم الفقر والفاقة

 

((قصة إبتلاء و صبر أبو قلابه ))







((قصة إبتلاء و صبر أبو قلابه ))







قال أبو إبراهيم ،كنت أمشي في صحراء ، فضللت الطريق ، فوقفت على خيمة قديمة فنظرت فيها فإذا رجل جالس على الأرض بكل هدوء ، وإذا هو قد قطـّعت يداه ، وإذا هو أعمى ، وليس عنده أحد من أهل بيته ، رأيته يتمتم بكلمات ، اقتربت منه وإذا هو يردّد قائلاً : الحمد لله الذي فضّلني على كثير ممـّن خلق تفضيلاً ، الحمد لله الذي فضّلني على كثير ممـّن خلق تفضيلاً .
فعجبت من كلامه وجعلت أنظر إلى حاله ، فإذا هو قد ذهبت أكثر حواسه ، وإذا هو مقطوع اليدين ، أعمى العينين ،وإذا هو لا يملك لنفسه شيئاً ، نظرت حوله ، أبحث عن ولد يخدمه ، أو زوجة تؤانسه ، لم أر أحداً ، فأردتُ أن أمضي ، شعر بحركتي ، فسأل : من ؟ من ؟
قلت : السلام عليكم ، أنا رجل ضللت الطريق ، ووقفت على خيمتك ، وأنت الذي من أنت ؟ ولماذا تسكن وحدك في هذا المكان ؟ أين أهلك ؟ ولدك ؟ أقاربك ؟
فقال : أنا رجل مريض ، وقد تركني الناس ، وتوفـّي أكثر أهلي 
قلت : لكني سمعتك تردد : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً !! فبالله عليك ! فضلك بماذا ؟!! وأنت أعمى ، فقير ، مقطوع اليدين ، وحيد ،
فقال : سأحدثك عن ذلك ، ولكن سأطلب منك حاجة ، أتقضيها لي ؟
قلت : أجبني ، وأقضي حاجتك .
فقال : أنت تراني قد ابتلاني الله بأنواع من البلاء ، ولكن : الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً ..أليس الله قد أعطاني عقلاً ؟ أفهم به ، وأتصرف وأفكر ؟ قلت : بلى ، قال : فكم يوجد من الناس مجانين ؟ قلت : كثير .. قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .
أليس الله قد أعطاني سمعاً ؟ أسمع به أذان الصلاة .. وأعقل به الكلام .. وأعلم ما يدور حولي ؟ قلت : بلى .قال : فكم يوجد من الناس .. صمٌ لا يسمعون ؟ قلت : كثير ..
قال : الحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .أليس الله قد أعطاني لساناً ؟ أذكر به ربي وأبين به حاجتي ؟ قلت : بلى .. قال : فكم يوجد من الناس بكمٌ .. لا يتكلمون ؟قلت : كثير .. قال : فالحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً ..
أليس الله قد جعلني مسلماً ، أعبد ربي .. وأحتسب عنده أجري .. وأصبر على مصيبتي ؟؟ قلت : بلى ..قال : فكم يوجد من الناس من عباد الأصنام والصلبان .. وهم مرضى .. قد خسروا الدنيا والآخرة ..؟!!قلت : كثير .. قال : فالحمد لله الذي فضلني على هؤلاء الكثير تفضيلاً .
ومضى الشيخ يعدّد نعم الله عليه .. وأنا أزداد عجباً من قوة إيمانه .. وشدّة يقينه .. ورضاه بما أعطاه الله ..كم من المرضى غيره .. ممن لم يبتلوا ولا بربع بلائه ..ممن شلـّهم المرض .. أو فقدوا أسماعهم أو أبصارهم ..أو فقدوا بعض أعضائهم ..ويعتبرون أصحاء لو قارناهم به .. ومع ذلك .. عندهم من الجزع والتشكي .. والعويل والبكاء ..بل وضعف الصبر وقلـّة اليقين بالأجر .. ما لو قـُسّم على أمـّة لوسعهم ..سبحت بتفكيري بعيداً .. ولم يقطعه عليّ إلا قول الشيخ ..
هاه ..!! أأذكر حاجتي ..؟ هل تقضيها .. ؟
قلت : نعم .. ما حاجتك ؟!
فخفض رأسه قليلاً .. ثم رفعه وهو يغص بعبرته وقال :لم يبق معي من أهلي إلا غلام لي .. عمره أربع عشرة سنة ..هو الذي يطعمني ويسقيني .. ويوضـّئني .. ويقوم على كلّ شأني وقد خرج البارحة يلتمس لي طعاماً .. ولم يرجع إلى الآن .. ولا أدري .. أهو حيّ يُرجى .. أم ميـّت ينسى ..وأنا كما ترى .. شيخ كبير أعمى .. لا أستطيع البحث عنه .
فسألته عن وصف الغلام .. فأخبرني ..فوعدته خيراً ثم خرجت من عنده .. وأنا لا أدري كيف أبحث عن الغلام .. وإلى أي جهة أتوجـّه ؟! فبينما أنا أسير .. ألتمس أحداً من الناس أسأله عنه إذ لفت نظري قريباً من خيمة الشيخ جبل صغير .. عليه سرب غربان قد اجتمعت على شيء .. فوقع في نفسي أنها لم تجتمع إلا على جيفة أو طعام منثور ..فصعدت الجبل .. وأقبلت إلى تلك الطيور فتفرقت ..
فلما نظرت إلى مكان تجمعها .. فإذا الغلام الصغير ميت مقطع الجسد .. وكأن ذئباً قد عدا عليه .. وأكله ثمّ ترك باقيه للطيور لم أحزن على الغلام بقدر حزني على الشيخ ..نزلت من الجبل .. أجر خطاي .. وأنا بين حزن وحيرة .. هل أذهب وأترك الشيخ يواجه مصيره وحده .. أم أرجع إليه وأحدثه بخبر ولده ..؟! توجهت نحو خيمة الشيخ .. بدأت أسمع تسبيحه وتهليله ..كنت متحيراً .. ماذا أقول .. وبماذا أبدأ .. 
مرّ في ذاكرتي قصة نبي الله أيوب عليه السلام ..فدخلت على الشيخ .. وجدته كسيراً كما تركته ..سلمت عليه .. كان المسكين متلهفاً لرؤية ولده ..
بادرني قائلاً : أين الغلام ..
قلت : أجبني أولاً .. أيهما أحبّ إلى الله تعالى أنت أم أيوب عليه السلام ؟
قال : بل أيوب عليه السلام أحبّ إلى الله ..
قلت : فأيكما أعظم بلاءً .. أنت أم أيوب عليه السلام ؟
قال : بل أيوب عليه السلام..
قلت إذن فاحتسب ولدك عند الله .. قد وجدته ميتاً في سفح الجبل .. وقد عدت الذئاب على جثته فأكلته ..فشهق الشيخ .. ثم شهق .. وجعل يردد ..لا إله إلا الله .. وأنا أخفف عنه وأصبره ..ثم اشتد شهيقه .. حتى انكببت عليه ألقنه الشهادة .. ثم مات بين يدي ..غطيته بلحاف كان تحته ..ثم خرجت أبحث عن أحد يساعدني في القيام بشأنه ..فرأيت ثلاثة رجال على دوابـّهم .. كأنهم مسافرين .. فدعوتهم .. فأقبلوا إليّ .. فقلت : هل لكم في أجر ساقه الله إليكم .. هنا رجل من المسلمين مات .. وليس عنده من يقوم به .. هل لكم أن نتعاون على تغسيله وتكفينه ودفنه ..قالوا : نعم ..فدخلوا إلى الخيمة وأقبلوا عليه ليحملوه .. فلما كشفوا عن وجهه .. تصايحوا : أبو قلابة .. أبو قلابة ..وإذا أبو قلابة .. شيخ من علمائهم .. تكالبت عليه البلايا .. حتى انفرد عن الناس في خيمة بالية .. قمنا بواجبه علينا .. ودفناه .. وارتحلت معهم إلى المدينة ..فلما نمت تلك الليلة .. رأيت أبا قلابة في هيئة حسنة .. عليه ثياب بيض .. وقد اكتملت صورته .. وهو يتمشى في أرض خضراء ..سألته : يا أبا قلابة .. ما صيـّرك إلى ما أرى ؟!
فقال : قد أدخلني ربي الجنة .. وقيل لي فيها


 سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) ..

الحكيم والصبي









الحكيم والصبي 






يحكى أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة لدى أحكم رجل في العالم‏..‏
 
مشي الفتى أربعين يوما حتي وصل إلى قصر جميل علي قمة جبل‏..‏ و فيه يسكن الحكيم الذي يسعي إليه‏..‏ و عندما وصل وجد في قصر الحكيم جمعا كبيرا من الناس‏..‏ انتظر الشاب ساعتين حين يحين دوره‏..‏ انصت الحكيم بانتباه إلي الشاب ثم قال له‏:‏ الوقت لا يتسع الآن و طلب منه أن يقوم بجولة داخل القصر و يعود لمقابلته بعد ساعتين‏..‏
 
و أضاف الحكيم و هو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتين من الزيت‏:‏ امسك بهذه
 
الملعقة في يدك طوال جولتك و حاذر أن ينسكب منها الزيت‏.‏
 
أخذ الفتى يصعد سلالم القصر و يهبط مثبتا عينيه علي الملعقة‏..‏ ثم رجع لمقابلة
 
الحكيم الذي سأله‏:‏ هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام؟‏..‏ الحديقة
 
الجميلة؟‏..‏ و هل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي؟‏..‏ ارتبك الفتى و اعترف
 
له بأنه لم ير شيئا، فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت من الملعقة‏..‏ فقال
 
الحكيم‏:‏ ارجع وتعرف علي معالم القصر‏..‏ فلا يمكنك أن تعتمد علي شخص لا يعرف
 
البيت الذي يسكن فيه‏..‏ عاد الفتى يتجول في القصر منتبها إلي الروائع الفنية
 
المعلقة علي الجدران‏..‏ شاهد الحديقة و الزهور الجميلة‏..‏ و عندما رجع إلي
 
الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأي‏..‏ فسأله الحكيم‏:‏ و لكن أين قطرتي الزيت اللتان
 
عهدت بهما إليك؟‏..‏ نظر الفتى إلي الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا‏..‏ فقال له
 
الحكيم‏:‏ تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها إليك سر السعادة هو أن تري روائع الدنيا و تستمتع بها دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت‏.‏
 
فهم الفتى مغزى القصة فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء، و قطرتا الزيت هما الستر والصحة‏..‏ فهما التوليفة الناجحة ضد التعاسة‏.‏