راجعوا أنفسكم قبل يوم
الحساب
يا أخي لا تغسل أدناس
الذنوب الا بماء المدامع، لا ينجو من قتار المعصية الا من يسارع، أحضر قلبك ساعة،
عساه بنائحة الموعظة يراجع، كم لي أتلو عليك صحف الموعظة، وما أظنك
سامع.
لكن يوم المعصية ما أنحسه من طالع، ويوم الطاعة مختار وكل سعد فيه طالع،
أطلب، ويحك، رفاق التائبين، وجدد رسائلهم للحبيب وطالع، مصباح التقوى يدل على
الجادة، وكم في ظلمة الغفلة من قاطع، ابك، ويحك، على موت قلبك وعمى بصيرتك، وكثرة
الموانع. اذا لم يعظك الدهر والشيب والضعف، فما أنت صانع، فبالله يا اخواني بادروا
بالمتاب، وراجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب.
ما اعتذاري
وأمر ربي عصيت حين تبدي صحائفي ما
أتيت
ما اعتذاري
اذا وقفت ذليلا قد نهاني ما
أراني انتهيت
يا غنيا عن
العباد جميعا وعليما بكل ما
قد سعيت
ليس لي حجة
ولا لي عذر فاعف عن زلتي وما قد
جنيت
قال علي بن يحيى في كتاب
لوامع أنوار القلوب: صحبت شيخا من عسقلان سريع الدمعة، حسن الخدمة، كامل الأدب،
متهجدا بالليل متنسكا في النهار، وكنت أسمع أكثر دعائه الاعتذار والاستغفار، فدخل
يوما في بعض كهوف جبل اللكام وغيرانه، فلما أمسى رأيت أهل الجبل وأصحاب الصوامع
يهرولون اليه، ويتبركون بدعائه، فلما اصبح وعزم على الخروج، قام أحدهم، وقال: عظني،
قال: عليك بالاعتذار، فانه ان قبل عذرك وفزت بالمغفرة، سلك بك الى درجات المقامات،
فوجدتها أمانيك، ثم بكى وشهق وخرج من الموضع، فلم يلبث الا قليلا حتى
مات.
قال: فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: حبيبي أكرم من
أن يعتذر اليه مذنب، فيخيب ظنه ولم يقبل عذره. قبل الله عذري وغفر ذنبي، وشفّعني في
أصحاب اللكام.
لا شيء أعظم
من ذنبي سوى أملي في حسن عفوك
عن جرمي وعن عملي
فان يكن ذا
وذا فالذنب قد عظما فأنت
أعظم من ذنبي ومن زللي
ويروى عن يوسف بن عاصم أنه
ذكر له عن حاتم الأصم أنه كان يتكلم على الناس في الزهد، والاخلاص، فقال يوسف
لأصحابه: اذهبوا بنا اليه نساله عن صلاته ان كان يكملها، وان لم يكن يكملها، نهيناه
عن ذلك.
قال: فأتوه
وقال له يوسف: يا حاتم، جئنا نسألك عن صلاتك، فقال له حاتم: عن أي شيء تسألني عافاك
الله؟ عن معرفتها أو عن تأديتها؟
فالتفت يوسف الى أصحابه، وقال لهم: زادنا حاتم ما لم نحسن أن نسأله عنه.
ثم قال لحاتم: نبدأ بتأديتها.
فقال لهم: تقوم بالأمر. وتقف بالاحتساب وتدخل بالسنة، وتكبّر بالتعظيم،
وتقرأ بالترتيل، وتركع بالخشوع، وتسجد بالخضوع، وترفع بالسكينة، وتتشهد بالاخلاص،
وتسلم بالرحمة.
قال يوسف: هذا التأديب فما المعرفة؟.
قال: اذا قمت
اليها فاعلم أن الله مقبل عليك، فأقبل على من هو مقبل عليك، واعلم أن جهة التصديق
لقلبك، أنه قريب منك، قادر عليك، فاذا ركعت: فلا تؤمّل أن تقوم. ومثل الجنة عن
يمينك، والنار عن يسارك، والصراط تحت قدميك، فاذا فعلت فأنت مصل. فالتفت يوسف الى
أصحابه، وقال: قوموا نعيد الصلاة التي مضت من أعمارنا.
يا من مات قلبه، أي شيء تنفع
حياة البدن اذا لم تفرّق بين القبيح والحسن.
سلبك المشيب من الشباب، فأين البكاء، وأين الحزن؟ اذا كان القلب خرابا
من التقوى، فما ينفع البكاء في الدّمن. يا قتيل الهجران، هذا أوان الصلح بادر عسى
يزول الحزن.
وقال عاصم بن محمد في كتاب
لوامع أنوار القلوب: كان لي معامل يهودي، فرأيته بمكة متضرعا مبتهلا فأعجبني حسن
اسلامه. فسألته عن سبب اسلامه.
فقال: تقدّمت
الى أبي اسحاق ابراهيم الآحري النيسابوري، وهو يوقد في تنّور الآجر، اطلب دينا كان
لي عليه، فقال لي: أسلم، واحذر نارا وقودها الناس والحجارة، فقلت: لا بأس عليك يا
أبا اسحاق، فأنت أيضا فيها. قال: فعسى تعني قوله سبحانه{ وان منكم الا واردها} مريم
71. فقلت: نعم. فقال لي: أعطني ثوبك، فأعطيته ثوبي، ثم لف ثوبي في ثوبه، ثم رمى
بهما في التنور، وصبر ساعة طويلة ثم قام واجدا شاهقا، باكيا ودخل في الأتون، يعني
مستوقد النار وهي تتأجج لهيبا وزفيرا، وأخذ الثياب من وسط النار، وخرج على الباب
الآخر، فهالني ذلك من فعله، فهرولت اليه متعجبا، واذا بالرزمة صحيحة كما كانت،
فحلها، واذا بثيابي قد احترقت كأنها فحمة في وسط ثيابه، وثيابه صحيحة لم تمسها
النار.
ثم قال: يا مسكين، هكذا يكون{ وان منكم الا واردها كان
على ربك حتما مقضيا} مريم
71.
فأسلمت على يديه في الحال، وهذا ما رأيت من احوال
الرجال.
لله درّ قوم ملأ قلوبهم
بأنوار الحكمة والرشاد، حرّك ساكنا وجدهم، فتمايلهم كالغصن الميّاد، صفت زجاجة
أرواحهم ورقّ لهم شراب وجدهم، وطاب لهم سماع الانشاد.
ادار عليهم حميا الحماية، فألفت عيونهم السهاد، فمنهم سكران ونشوان، وكل
أيامهم بمحبوبهم أعياد.
مدّ عليهم أطناب ليل الخلوة غيرة من رقيب الرقاد، فهم يتشاكون الشواق
بنفس تلف في محبة أو كاد.
والمحروم
نهاره في الشقا وليله في النوم، وعمره في نفاد ركب مركب القضاء للمحنة، ففي أصل
تركيبة فساد. ضيّع أيامه في الغفلة، وفي الكبر يبكي على فائت لا
يعاد.
فيا معشر المذنبين جدّوا قبل الرحيل عن
الأجساد.
قال يوسف بن الحسن: كنت
أسير في طريق الشام، اذ عرض لي عارض، فعدلت عن الطريق فهالتني المفازة، فبدت لي
صومعة، فدنوت منها، واذا براهب فيها قد أخرج رأسه منها، فأنست به، فلما دنوت منه،
قال لي: يا هذا، أتريد موضع صاحبكم؟.
قال: رجل في هذا الوادي على دينكم، متخل عن فتنة الأقران، منفرد بنفسه
في ذلك المكان، واشوقاه الى حديثه!.
فقلت له: وما الذي يمنعك عنه، وأنت على قرب
منه؟.
فقال: أصحابي أقعدوني في هذا الموضع، وأنا أخشى على نفسي القتل منهم،
ولكن اذا مضيت اليه فأقرئه مني السلام، واساله لي في
الدعاء.
قال: فمضيت اليه، واذا برجل قد اجتمعت اليه الوحوش، فلما رآني قرب مني
وكنت أسمع جلبة عظيمة للقوم، ولا أرى أحدا منهم، فسمعت قائلا يقول: من هذا البطال
الذي وطيء محل العاملين؟.
فرأيت رجلا
منكّسا راسه مسترسلا في كلامه، تعلوه هيبة ووقار شديد. فسمعته يقول: لك الحمد على
ما وهبت من معرفتك، وخصصتني به من محبتك، لك الحمد على آلائك، وعلى جميع بلائك.
اللهم ارفع درجتي الى درجات الأبرار للرضا بحكمك، وانقلني الى درجة
الأخيار.
ثم صاح صيحة عظيمة، ثم قال: آه من لي بهم، وخرّ مغشيا عليه، فلم يتحرّك
لساني هيبة له، فلما أفاق من غشيته، قال لي: سر زودّك الله التقوى، وسار عني
وتركني.
نفعنا الله به، وبأمثاله... آمين.