لا تغتر بالدنيا وتنس
الآخرة
يقول الله تعالى في
القرءان الكريم
واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من
أعناب
وحففناهما بنخل وجعلنا
بينهما زرعًا
لقد ضرب الله تعالى في
القرءان الكريم العديد من الأمثال
ليظهر للناس بعض الحكم في
أحوالهم وأعمالهم وعواقب
تصرفاتهم ومنها ما ورد في
سورة "الكهف" حيث وردت
قصة الرجلين اللذين كان
أحدهما مؤمنًا تقيًا والآخر
كافرًا غنيًا شقيًا فأظهر
الله تعالى عدله وضرب مثلهما
كي لا يغتر الناس بالدنيا
وينسوا الآخرة
.
وذلك أنه كان في بني
إسرائيل أخوان أحدهما مسلم
مؤمن طيب يحب الخير ويكثر
منه، وأما الآخر فكان
عابدًا للاصنام، كافرًا
جاحدًا، شحيحًا بخيلاً، جافي
الطبع
.
ولما مات أبوهما، اقتسم
ماله فأنفق كل منهما حصته في
ما يلائم طبعه وما يحب
.
أما الأخ المؤمن فقد اشترى
عبيدًا مملوكين بألف دينار
واعتقهم وجعلهم أحرارًا
لله تعالى، ثم اشترى ثيابًا بألف
دينارٍ وكسا الفقراء
العراة ابتغاء مرضاة الله عز وجل،
واشترى بألف ثالثة طعامًا
وأطعم الجائعين، وبنى المساجد
وأكثر من فعل الخير وبذل
المعروف، وأعان من استطاع
إعانتهم حتى نفد ماله،
ولكنه كان مسرورًا بما فعل راجيًا
الثواب والرحمة من الله عز
وجلَّ.
وأما الأخ الكافر فإنه ما
كاد يستلم ماله، حتى وضع عليه
المفاتيح، وحرم الفقير
السائل، وشتم من قصده للإعانة،
وأغلق أذنيه عن سماع أنين المحتاجين، وأغمض
عينيه عن
رؤية الأطفال الجائعين، ثم
تزوج من نساء غنيات،
واشترى بقرًا وغنمًا فتوالدت ونمت نموًا مفرطًا،
واشتغل
بالتجارة بباقي ماله فربح
ربحًا كبيرًا حتى فاق أهل زمانه
غنىً، وبنى لنفسه جنتين أي
بستانين كبيرين جدًا زرعهما
أعنابًا وكرومًا، فأورقا
وأثمرا، وأحاطهما بشجر النخيل
ثم نوع في المزروعات فجعل
فيهما من أنواع الخضار
والفاكهة ولم ينقص منها
شيئًا، وكانت الأشجار
متواصلة متشابكة لا يقطعها
ويفصل بينها إلا النهر
الجاري الذي يسقي الزروع
بمائه الرقراق، فتميز البساتين
بالشكل الحسن والترتيب
الأنيق والطرقات التي جعلها
ذاك الكافر فيهما للتنزه
والتمتع بمنظرهما
.
وكان الجدير به أن يؤمن
بالله الذي منحه كل تلك النعم
وأنعم عليه بها، وأن يشكره ويذعن له ويحمده،
ولكن
من الناس من تفتنهم
الأموال وتجعلهم يتكبرون، وهكذا
كان الأخ الكافر الذي لم
يزدد إلا كفرًا وطغيانًا
.
وأدركت الأخ المؤمن الحاجة
فأراد أن يعمل أجيرًا
ليأكل، فقال: "لو
ذهبت إلى أخي لأعمل عنده فانه لن
يمانع، فجاءه ولم يصل اليه
إلا بعد فتح العديد من
الأبواب، فلما دخل عليه
سأله حاجته فقال الأخ الكافر
ألم أقاسمك المال نصفين؟
فما صنعت بمالك؟
فأجابه المؤمن: تصدقت به
لله تعالى راجيًا الأجر الوفير
.
فقال الأخ الكافر متهكمًا:
إذن أنت من المتصدقين؟ ما
أراك إلا سفيهًا مضيعًا
لماله والعياذ بالله من هذا الكفر ثم
قال : وما جزاؤك عندي على
سفاهتك إلا الحرمان.
انظر ماذا صنعت بمالي حتى
صار عندي من الثروة
وحسن الحال ما ترى، وذلك
أني كسبت وأنت سفهت،
أنا أكثر منك مالاً
.
ثم أخذ بيد أخيه المؤمن
يريه ما عنده وفي نفسه الكبر
والكفر وأنكر البعث وفناء
داره وما زرع في البساتين،
وذلك لقلة عقله، وعدم
يقينه بالله، وإعجابه بالحياة الدنيا
وزينتها، وكفره بالآخرة،
ثم قال: "إن كان هناك بعث
وقيامة كما تزعم، فلن أخسر
شيئًا فكما أعطاني الله هذه
النعم في الدنيا فسيعطيني
أفضل منها في الآخرة لكرامتي
عنده".
فوعظه أخوه وحذره من الكفر
بالله الذي خلقه من
تراب ثم جعله رجلاً سويًا
ثم يميته ويحاسبه. وأخبره أنه
مؤمن بالله وحده لا شريك
له ولا مثيل ولا شبيه ولا
مكان له، خالق كل شىء.
وقال له: إن الذي تعيرني به
من الفقر سيعود عليك
بالعقاب، فإنني أرجو
.
أن يرزقني الله في الآخرة
جنة خيرًا من جنتك هذه
الفانية، ثم إنك لا تأمن
على البساتين من العواصف
وتقلب الرياح التي قد تجعل
منهما أوراقًا جافة تتطاير هنا
وهناك، وهذا الماء العذب
إذا غار في الأرض فكيف تطلبه
ومن ذا ينصرك إذا شاء الله
أن يخذلك؟ "ولما رأى يهوذا”
أن أخاه الكافر ما زال
مصرًا على كفره وطغيانه، يمرح
بين أزهاره وأشجاره تركه
وخرج
.
وفي الليل حدث ما توقعه
الأخ المؤمن إذ أرسل الله تعالى
مطرًا غزيرًا وعواصف كثيرة
أحرقت البساتين وهدمت
العرائش، وابتلعت الأرض
ماء النهر فجف، وأصبحت
الأرض رديئة لا نبات فيها
ولا شجر وقد ملئت بالوحل
فما استطاع أحد أن يمشي
عليها
.
ولما قام الكافر صباحًا
ذهب كعادته إلى البساتين ليتنزه
ويتفيأ تحت ظلال الكروم،
ولما رأى ما حل بهما جف
حلقه وأخذ يضرب كفًا بكف
علامة التحسر والتأسف،
وندِمَ على ما سلف منه من
القول الذي كفر بسببه بالله
العظيم. وإنكاره للبعث
وقال: "يا ليتني لم أشرك بربي
أحدًا"، وتركه أصحاب
السوء الذين كانوا يعينونه على
كفره وتجبره لما صار فقيرًا، فغدا وحيدًا لا
ناصر له
.
{ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرًا }
فنسأل الله تعالى أن
يرزقنا خيرًا من هذه الدنيا وأن يميتنا
على كمال الإيمان.