فالعزلة إنما تنفع العلماء العقلاء
وهي من أضر شيء على الجهال
قال بعض أهل العلم قال: كان يختلف معنا رجل إلى أبي ثور وكان ذا سمت وخشوع فكان أبو ثور إذا رآه جمع نفسه وضم أطرافه وقيد كلامه فغاب عن مجلسه مدة فتعرف خبره فلم يوقف له على أثر ثم عاد إلى المجلس بعد مدة طويلة وقد نحل جسمه وشحب لونه وعلى إحدى عينيه قطعة شمع قد ألصقها بها فما كاد يتبينه أبو ثور ثم تأمله فقال له: لست صاحبنا الذي كنت تأتينا قال: بلى.
قال: فما الذي قطعك عنا فقال: قد رزقني الله سبحانه الإنابة إليه وحبب إليَّ الخلوة وأنست بالوحدة واشتغلت بالعبادة.
قال له: فما بال عينك هذه قال: نظرت إلى الدنيا فإذا هي دار فتنة وبلاء قد ذمها الله تعالى إلينا وعابها وذم ما فيها فلم يمكني تغميض عيني كلتيهما عنها ورايتني وأنا أبصر بإحداهما نحوا مما أبصر بهما جميعا فغمضت واحدة وتركت الأخرى.
فقال له أبو هور: ومنذ كم هذه الشمعة على عينيك قال: منذ شهرين أو نحوهما.
قال أبو ثور: يا هذا أما علمت أن لله عليك صلاة شهرين وطهارة شهرين.
انظروا إلى هذا البائس قد خدعه الشيطان فاختلسه من بين أهل العلم.
ثم وكل به من يحظفه ويتعهده ويلقنه العلم.
فالعزلة إنما تنفع العلماء العقلاء
وهي من أضر شيء على الجهال
وقد روينا عن إبراهيم أنه قال لمغيرة: تفقه ثم اعتزل.