المعتضد
يتخلص من سجنه
ويبطش
بالوزير إسماعيل بن بلبل
عن بن حمدون نديم المعتضد بالله،
عن
المعتضد،
أنه قال:
لما ضرب إسماعيل بن بلبل بيني وبين أبي الموفق،
فأوحشه مني،
حتى حبسني الحبسة المشهورة،
وكنت أتخوف القتل صباحاً ومساءً،
ولا آمن أن يرفع إسماعيل عني،
ما يزيد في غيظ الموفق علي، فيأمر بقتلي.
فكنت كذلك،
حتى خرج الموفق إلى الجبل،
فازداد خوفي، وأشفقت أن يحدثه
عني إسماعيل بكذب،
فيجعل غيبته طريقاً إليه،
فلا يكشفه، ويأمر بقتلي،
فأقبلت على الدعاء،
والتضرع
إلى الله،
والابتهال في تخليصي.
وكان
إسماعيل يجيئني في كل يوم،
مراعياً خبري، ويريني أن ذلك خدمة لي.
فدخل إلي
يوماً:
وبيدي المصحف،
وأنا أقرأ، فتركته،
وأخذت أحادثه.
فقال:
أيها
الأمير،
أعطني
المصحف لأتفاءل لك به،
فلم أجبه بشيء.
فأخذ
المصحف،
ففتحه، فكان في أول سطر منه:
"عسى
ربّكم أن يهلك عدوّكم،
ويستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تعملون"،
فاسود وجهه، واربد، وخلط الورق.
وفتحه
الثانية،
فخرج "
ونريد أن
نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض،
ونجعلهم أثمّة ونجعلهم الوارثين"..
إلى قوله:
يحذرون، فازداد قلقاً واضطراباً.
وفتحه
الثالثة،
فخرج "
وعد اللّه
الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات
ليستخلفنّهم في الأرض
كما استخلف الّذين من قبلهم".
فوضع
المصحف من يده،
وقال:
أيها الأمير،
أنت والله
الخليفة،
بغير شك،
فما حق بشارتي ?
فقلت:
الله،
الله،
في أمري،
احقن دمي،
أسأل الله أن يبقي أمير المؤمنين،
والأمير الناصر،
وما أنا
وهذا ?
ومثلك في
عقلك،
لا يطلق مثل هذا القول بمثل
هذا الاتفاق، فأمسك عني.
وما زال
يحدثني، ويخرجني من حديث،
ويدخلني في غيره،
إلى أن جرى حديث ما بيني وبين أبي،
فأقبل يحلف لي بأيمان غليظة،
أنه لم يكن له في أمري صنع،
ولا سعاية بمكروه، فصدقته،
ولم أزل أخاطبه بما تطيب به نفسه،
خوفاً من أن تزيد وحشته،
فيسرع في
التدبير لتلفي،
إلى أن انصرف.
ثم صار إلي
بعد ذلك،
وأخذ في التنصل والاعتذار،
وأنا أظهر له التصديق والقبول،
حتى سكن،
ولم يشك
أني معترف ببراءة ساحته.
فما كان
بأسرع من أن جاء الموفق من الجبل،
وقد اشتدت علته،
ومات،
فأخرجني الغلمان من الحبس،
فصيروني مكانه،
وفرج الله عني،
وقاد الخلافة إلي،
ومكنني من
عدوي إسماعيل بن بلبل،
فأنفذت حكم الله فيه.