تحركه رقاع أصحاب الأرباع
كان في جواري، رجل يعرف
بأبي عبيدة، حسن الأدب، كثير الرواية للأخبار،
وكان قديماً ينادم
إسحاق بن
إبراهيم المصعبي، فحدثني: أن إسحاق استدعاه ذات
ليلة، في
نصف الليل.
قال:
فهالني ذلك، وأفزعني، لما كنت أعرفه منه، من زعارة الأخلاق،
وشدة
الإسراع إلى القتل، وخفت أن يكون قد نقم علي شيئاً في
العشرة، أو
بلغ عني باطلاً، فأحفظه، فيسرع إلى قتلي، قبل كشف
حالي.
فخرجت طائر
العقل، حتى أتيت داره، فأدخلت إلى بعض دور
الحرم، فاشتد
جزعي، وذهب علي أمري.
فأنتهي بي
إليه، وهو في حجرة لطيفة، فسمعت في دهليزها بكاء
امرأة
ونحيبها، ودخلت، فإذا هو جالس على كرسي، وبيده سيف
مسلول، وهو
مطرق، فأيقنت بالقتل.
فسلمت،
ووقفت، فرفع رأسه وقال: اجلس أبا عبيدة، فسكن روعي،
وجلست.
فرمى إلي رقاعاً
كانت بين يديه، وقال: اقرأ هذه فقرأت جميعها،
فإذا رقاع
أصحاب الشرط في الأرباع، يخبره كل واحد منهم بخبر
يومه، وما
جرى في عمله، وفي جميعها ذكر كبسات وقعت على نساء
وجدن على
فساد، من بنات الوزراء، والأمراء، والأجلاء، الذين
بادوا، أو
ذهبت مراتبهم، ويستأذنون في أمرهن.
فقلت: قد
وقفت على هذه الرقاع، فما يأمرني به الأمير أعزه الله ?
فقال: ويحك
يا أبا عبيدة، هؤلاء الناس الذين ورد ذكر حال بناتهم،
كلهم كانوا
أجل مني، أو مثلي، وقد أفضى بهم الدهر في حرمهم
إلى ما قد
سمعت، وقد وقع لي أن بناتي بعدي، سيبلغن هذا المبلغ،
وقد
جمعتهن- وهن خمس- في هذه الحجرة، لأقتلهن الساعة،
وأستريح،
ثم أدركتني رقة البشرية، والخوف من الله تعالى، فأردت
أن أشاورك
في إمضاء الرأي، أو شيء تشير به علي فيهن.
فقلت: أصلح
الله الأمير، إن آباء هؤلاء النساء اللواتي قرأت رقاع
أصحاب
الأخبار بما جرى عليهن، أخطأوا في تدبيرهن، لأنهم خلفوا
عليهن
النعم، ولم يحفظوهن بالأزواج، فخلون بأنفسهن، ونعمهن،
ففسدن، ولو
كانوا جعلوهن في أعناق الأكفاء، ما جرى منهن هذا.
والذي أرى
أن تستدعي فلاناً القائد، فله خمسة بنين، كلهم جميل
الوجه، حسن
اللبس والنشوة، فتزوج كل واحدة من بناتك، واحداً
منهم،
فتكفى العار والنار، وتكون قد أخذت بأمر الله عز وجل،
والحزم،
ويراك الله تعالى قد أردت طاعته في حفظهن، فيحفظك
فيهن.
فقال: امض
الساعة إليه، فقرر معه ما يكون لنا فيه المصلحة، وافرغ لي
معه من هذا
الأمر.
قال: فمضيت
إلى الرجل، وقررت الأمر معه، وأخذت الفتيان،
وأباهم،
وجئت إلى دار إسحاق بن إبراهيم، وعقدت النكاح لهم،
على بنات
إسحاق، في خطبة واحدة، وجعل إسحاق بين يدي كل
واحد منهم،
خمسة آلاف دينار عيناً، وشيئاً كثيراً من الطيب، والثياب،
وحمل كلاً
منهم على فرس بمركب ذهب، وأعطاني كل واحد من
الأزواج
مالاً مما دفع إليه، وأمر لي إسحاق بخمسمائة دينار، وخلعة،
وطيب.
وأنفذ إلي
أمهات البنات هدايا وأموالاً جليلة، وشكرنني على تخليص
بناتهن من
القتل، وانقلبت تلك الغمة فرحاً.
فعدت إلى
داري، ومعي ما قيمته ثلاثة آلاف دينار وأكثر.