الأحد، 31 يناير 2016

قِصَّةُ صَاحِبِ الدَّيْرِ







قِصَّةُ صَاحِبِ الدَّيْرِ







قِصَّةُ صَاحِبِ الدَّيْرِ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ وَاسْتِتَارِهِمْ مِنَ الْعِبَادِ بِقَبِيحِ أَعْمَالِهِمْ  وَلَا يَسْتَتِرُونَ مِمَّنْ يَلِي عُقُوبَتَهُمْ  وَلَا يُرَاقِبُونَهُ وَهُوَ الَّذِي يُثِيبُ عَلَى الْحَسَنِ  وَيَجْزِي بِالسَّيِّءِ  كَيْفَ أَمِنُوا أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ صَاحِبَ الدَّيْرِ


قَالُوا  وَمَا الَّذِي أَصَابَ صَاحِبَ الدَّيْرِ؟ قَالَ أَنْطُونِسُ  زَعَمُوا أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَبِيعُ الْعَسَلَ  وَالسَّمْنَ  وَالزَّيْتَ  وَالْخَمْرَ  وَكَانَ يَشْتَرِيهِ طَيِّبًا نَقِيًّا، وَيَبِيعُهُ غَالِيًا مَغْشُوشًا، وَكَانَ ذَا لِحْيَةٍ عَظِيمَةٍ جَمِيلَةٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَرَاهُ إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: لَوْ كُنْتَ أُسْقُفًا، فَمَا صَلُحَتْ لِحْيَتُكَ إِلَّا لِلْأَسَاقِفَةِ، فَلَمَّا كَثُرَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ لَهُ وَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ الرَّهْبَانِيَّةُ لِرَجَاءِ مَنْزِلَةٍ يُصِيبُهَا، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي لِحْيَتِي، وَلَا يَعْلَمُونَ عَمَلِي، وَلَوْ أَنِّي تَرَهَّبْتُ لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ مَالًا وَمَنْزِلَةً، فَجَزِعَتْ لِذَلِكَ امْرَأَتُهُ جَزَعًا شَدِيدًا، وَقَالَتْ: لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تُؤَيِّمَنِي وَتُيَتِّمَ أَوْلَادِي. قَالَ: وَيْحَكِ، لَمْ أَرُدْ ذَلِكَ لِنِيَّةٍ فِي الْعِبَادَةِ، وَلَكِنْ رَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ لِي مَنْزِلَةٌ، وَأَنَالَ فَضِيلَةً فِي أَهْلِ مِلَّتِي. قَالَتْ: أَخَافُ أَنْ تُدَاخِلَكَ حَلَاوَةُ الْعِبَادَةِ إِذَا صِرْتَ مَعَ الرُّهْبَانِ، فَتَلِجَ وَتَتْرُكَنِي، فَحَلَفَ لَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى تَعَلُّمِ الْإِنْجِيلِ وَالْمَزَامِيرِ وَأَشْيَاءَ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى دَيْرٍ عَظِيمٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّهْبَانِ فَنَزَلَهُ، فَلَمْ يُقِمْ فِيهِ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أَعْجَبَ الرُّهْبَانَ مَا رَأَوْا مِنْ جَمَالِهِ وَنُبلِ لِحْيَتِهِ، فَأَجْمَعُوا عَلَى رِئَاسَتِهِ، وَوَلَّوْهُ أَمْرَهُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ هِمَّتَهُ، وَأَمْكَنَتْهُ الْأُمُورُ مِنْ أَمْوَالِ الدَّيْرِ وَخَزَانَتِهِ لَاطَفَ عُظَمَاءَ النَّاسِ وَأَشْرَافَهُمْ، فَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، وَصَغُرَتْ مَنْزِلَةُ الرُّهْبَانِ فِي عَيْنِهِ فَأَذَلَّهُمْ، وَنَقَصَ أَرْزَاقَهُمْ، وَغَيَّرَ مَرَاتِبَهُمْ، وَعَمَدَ إِلَى أَهْلِ الْعِبَادَةِ مِنْهُمْ فَوَلَّاهُمْ غَلَّاتِ الدَّيْرِ وَخَزَانَتِهِ، وَتَفَرَّغَ يُنَعِّمُ نَفْسَهُ، وَالْتَذَّ بِالنِّسَاءِ، وَشَرِبَ الْخَمْرَ، وَأَكَلَ الطَّيِّبَ، وَلَبِسَ
اللَّيِّنَ، فَلَمَّا رَأَى الرُّهْبَانُ ذَلِكَ غَاظَهُمْ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ سَنَّاطٌ كَانَ يَحْسُدُهُ عَلَى نُبْلِ لِحْيَتِهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَذَا الْفَاسِقَ يُذِلَّكُمْ، وَيَسْتَعِينُ بِكُمْ عَلَى فِسْقِهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، قَالُوا: قَدِ اعْتَزَلْنَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَتَفَرَّغْنَا لِلْعِبَادَةِ فَابْتُلِينَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِالشُّغُلِ، وَالْهَمِّ، وَالْحَزَنِ. قَالَ السَّنَّاطُ: هَذَا مَا عَمِلَ بِكُمْ سُوءُ رَأْيِكُمْ، وَحُسْنُ نَظَرِكُمْ فِي طُولِ اللِّحَى، وَمَنْ قَلَّدَ أَمْرَهُ أَهْلَ اللِّحَى وَالرِّيَاءِ، وَتَرَكَ أَهْلَ الْعَفَافِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ فَلْيَصْبِرْ لِمَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ، فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى أَنْ يَعِظُوهُ، فَأَتَاهُ السَّنَّاطُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ أَسْرَفْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وَقَدْ ظَهَرَ لِأَصْحَابِكَ مَا تَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَاحْذَرْ عُقُوبَةَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ رُبَّمَا عَجَّلَهَا فِي الدُّنْيَا لِلْعَبْدِ قَبْلَ الْآخِرَةِ، فَقَالَ لَهُمُ الرَّاهِبُ: أَلَيْسَ إِنَّ الْخَطِيئَةَ قَدْ أَحَاطَتْ بِبَنِي آدَمَ حَتَّى نَالَتِ
الْأَنْبِيَاءَ؟ فَقَدْ أَخْطَأَ دَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا. قَالَ السَّنَّاطُ: أَرَاكَ عَالِمًا بِخَطَايَا الْأَنْبِيَاءِ، جَاهِلًا بِالتَّوْبَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُمْ، إِنَّمَا كَانَتْ خَطِيئَةُ دَاوُدَ نَظْرَةً وَاحِدَةً، فَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَإِنَّمَا سَهَا سُلَيْمَانُ عَنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخَّرَ وَقْتَهَا لِلَذَّةٍ فِي الْخَيْلِ، فَتَابَ وَاسْتَغْفَرَ وَضَرَبَ أَعْنَاقَهَا وَعَرْقَبَهَا، وَإِنَّمَا تَرَكَ يَحْيَى صَلَاةً وَاحِدَةً مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ، اتَّهَمَ بِذَلِكَ كَثْرَةَ طَعَامِهِ، فَمَا مَلَأَ بَطْنَهُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ، وَرَجَاءً لِثَوَابِهِ، قَالَ صَاحِبُ الدَّيْرِ: أَرْجُو التَّوْبَةَ، قَالَ السَّنَّاطُ: رُبَّمَا عَاجَلَ الْمَوْتُ صَاحِبَ الْخَطِيئَةِ عَنِ التَّوْبَةِ. فَأَقَامَ صَاحِبُ الدَّيْرِ عَلَى خَطِيئَتِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِي هَلَاكِهِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنَ اللُّصُوصِ، كَانَ لَهُ أَصْحَابٌ مُتَفَرِّقُونَ فِي الْقُرَى فَبَعَثَ رَأْسُ اللُّصُوصِ أَصْحَابَهُ يُبَيِّتُونَ الْقَرْيَةَ الَّتِي فِيهَا امْرَأَةُ الرَّاهِبِ صَاحِبِ الدَّيْرِ، فَلَمَّا بَيَّتُوهُمْ وَجَدُوا الرَّاهِبَ مَعَ امْرَأَتِهِ فِي لِحَافٍ، فَأَتَوْا بِهِ رَأْسَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاهِبًا لَعَذَرْنَاهُ، وَلَكِنَّمَا نُقِيمُ فِيهِ حَدَّ اللَّهِ فِيمَنْ حَرَّمَ النِّسَاءَ ثُمَّ رَكِبَهُنَّ
، فَسَأَلَ عَنْ عُقُوبَتِهِ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَقِيلَ عُقُوبَتُهُ أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ، فَأُلْقِيَ فِي تَنُّورٍ مَسْجُورٍ، وَكَفَى اللَّهُ الرُّهْبَانَ مَؤُنَتَهُ، وَعَجَّلَهُ لِلنَّارِ فِي الدُّنْيَا، لِعَبَادَتِهِ الَّتِي نَوَاهَا لِلدُّنْيَا.

الأحد، 10 يناير 2016

هَذَا الَّذِي كَانَ يَخْبَأُ الذَّهَبَ فَالذَّهَبُ الْيَوْمَ يَخْبَأُهُ





هَذَا الَّذِي كَانَ يَخْبَأُ الذَّهَبَ  فَالذَّهَبُ الْيَوْمَ يَخْبَأُهُ









 لَمَّا حَضَرَتْ ذَا الْقَرْنَيْنِ الْوَفَاةُ كَفَّنُوهُ، ثُمَّ وَضَعُوهُ فِي تَابُوتٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَقَالَتِ الْحُكَمَاءُ: تَعَالَوْا حَتَّى نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَعْتَبِرَ 

فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: إِنَّ هَذَا الشَّخْصَ كَانَ لَكُمْ وَاعِظًا، نَافِعًا، مُطِيعًا، وَلَمْ يَعِظْكُمْ قَطُّ بِأَفْضَلَ مِنْ مَصْرَعِهِ هَذَا  

وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ فَارَقَ الْأَنْجَاسَ، وَصَارَتْ رُوحُهُ إِلَى رُوحِ الطَّاهِرِينَ، فَطُوبَى لَهُ 
وَقَالَ الثَّالِثُ: مَنْ كَانَ حَيَاتُهُ لِلَّهِ فَإِنَّ وَفَاتَهُ لِلَّهِ، وَعَلَى اللَّهِ تَمَامُ كَرَامَتِهِ 
وَقَالَ الرَّابِعُ: هُوَ الَّذِي سَارَ إِلَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، يَقْتُلُ الرِّجَالَ   مَخَافَةَ الْمَوْتِ، وَلَوْ تَرَكَهُمْ لَمَاتُوا 

وَقَالَ الْخَامِسُ: هَذَا الَّذِي كَانَ يَخْبَأُ الذَّهَبَ، فَالذَّهَبُ الْيَوْمَ يَخْبَأُهُ  

وَقَالَ السَّادِسُ: وَيْلٌ لِأَهْلِ الْعَافِيَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، كَانَ حَظُّهُمْ مِنْهَا إِلَى غَيْرِ الْعَافِيَةِ 

وَقَالَ السَّابِعُ: لَا تُكْثِرُوا التَّلَاوُمَ بَيْنَكُمْ، وَاسْتَمْسِكُوا بِالتَّوْبَةِ، فَكُلُّكُمْ خَاطِئٌ 

وَقَالَ الثَّامِنُ: مَنْ كَانَ يَعْمَلُ الْيَوْمَ بِالْخَطِيئَةِ فَإِنَّهُ غَدًا عَبْدٌ لِلْخَطِيئَةِ 

وَقَالَ التَّاسِعُ: لَا تُعْجَبُوا بِمَا تَفْعَلُونَ، وَلَكِنِ اعْجَبُوا بِمَا يُفْعَلُ بِكُمْ   وَزَادَ غَيْرُ زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ 

وَقَالَ آخَرُ: عَجِبْتُ مِنْ سَالِكِ هَذَا السَّبِيلِ، كَيْفَ تَشْرَهُ نَفْسُهُ إِلَى جَمْعِ الْحُطَامِ الْهَامِدِ، وَالْهَشِيمِ الْبَائِدِ، الْخَاذِلِ مُقْتَنِيهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ 

وَقَالَ آخَرُ: اقْبَلُوا هَذِهِ الْمَوَاعِظَ وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ هَذَا السَّبِيلِ الَّذِي أَنْتُمْ سَالِكُوهُ 

وَقَالَ الْآخَرُ: إِنَّ الْإِسْكَنْدَرَ لَمْ يَقُصَّ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ الْمُنَبِّهَةِ عَنْ أُمُورِ النَّاسِ إِلَّا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ فِي صُمُوتِهِ وَإِطْرَاقِهِ فَضَلَّ، فَلْيَبْلُغْ ذَلِكَ ذَوِي الْآذَانِ السَّمِيعَةِ، وَالْأَعْيُنِ الْبَصِيرَةِ، اسْتُودِعُوا مَا تَرَوْنَ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَرِ لِلْقُلُوبِ الْمُحَبَّرَةِ مِنَ الْفِكْرِ، وَالرَّائِبِ عَلَى أَلْبَابِهَا غَلَبَةُ الْجَهْلِ 

وَقَالَ آخَرُ: هَذَا ذُو الْأُسَارَى قَدْ أَصْبَحَ أَسِيرًا، وَقَالَ آخَرُ: نِعْمَ الْمَضْجَعُ مَضْجَعُكَ، لِمَنْ إِذَا كَانَ سَاعِيًا لَمْ يَسْعَ عَلَى نَفْسِهِ فَسُعِيَ لَهَا  

وَقَالَ آخَرُ: كَانَ الْإِسْكَنْدَرُ كَحُلُمِ نَائِمٍ انْقَضَى، أَوْ كَظِلِّ غَمَامَةٍ انْجَلَى 

وَقَالَ آخَرُ: رُبَّمَا كَانَ هَذَا السَّلْوُ بَلِيغًا وَاعِظًا، وَمَا وَعَظَنَا بِمَنْطِقٍ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ مَوْعِظَتِهِ إِيَّانَا الْيَوْمَ بِصُمُوتِهِ 

وَقَالَ آخَرُ: كُنْتَ كَنَحْنُ حَدِيثًا، وَنَحْنُ كَائِنُونَ كَأَنْتَ وَشِيكًا 

وَقَالَ قَائِلٌ: أَيْنَ كُنْتَ أَمْسِ لَا يَأْمَنُكَ أَحَدٌ؟ لَقَدْ أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ وَمَا يَخَافُكَ أَحَدٌ 

وَقَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ الدُّنْيَا الطَّوِيلَةُ الْعَرِيضَةُ طُوِيَتْ فِي ذِرَاعَيْنِ 

وَقَالَ قَائِلٌ: قَدْ كُنْتَ عَلَى الْعَلْيَاءِ وَالرِّفْعَةِ حَرِيصًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ لِصَرْعَتِكَ، وَأَبْعَدُ لِغايَتِكَ فِي أَهْوِيَتِكَ 

وَقَالَ قَائِلٌ: لَئِنْ كُنْتَ وَرَدْتَ عَلَيْنَا قَوِيًّا نَاطِقًا، لَقَدْ صَدَرْتَ عَنَّا ضَعِيفًا صَامَتًا، وَقَالَ قَائِلٌ: مَا سَافَرَ قَبْلَهَا بِلَا زَادٍ وَلَا أَعْوَانٍ 

وَقَالَ قَائِلٌ: كُلُّنَا غَافِلٌ كَمَا غَفَلَ الْإِسْكَنْدَرُ حَتَّى نُلَاقِيَ مِثْلَ مَا لَاقَى  

وَقَالَ قَائِلٌ: قَدِ انْتَقَصَكَ يَا إِسْكَنْدَرُ فِي وَجْهِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَجْتَرِئُ أَنْ يَغْتَابَكَ مِنْ خَلْفِكَ 

وَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَعْجَبَ الْعَجَبِ أَنَّ الْقَوِيَّ قَدْ غُلِبَ، وَأَنَّ الضُّعَفَاءَ لَاهُونَ مَغْرُورُونَ 

وَقَالَ قَائِلٌ: هَيْهَاتَ مَا صَدَّقَ هَذَا الْمَوْتَ النَّاسُ لَوْلَا كَذِبُ قَوْلِهِمْ، وَإِهَابُ مَا أَشَارَ بِنَعْيِهِمْ لَوْلَا صَمَمُ آذَانِهِمْ  

وَقَالَ قَائِلٌ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَبْكِي بِجِدَةٍ مَا تَرَى مِنَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَزَلْ جَدِيدًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَجْزَعُ مِنْ نُزُولِهِ بِمَنْ كَانَ لَهُ مُمِيلًا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ لَكَ وَاعِظًا 

وَقَالَ قَائِلٌ: أَجَاهِلٌ كُنْتَ بِالْمَوْتِ فَنَعْذُرَكَ، أَمْ عَالِمٌ كُنْتَ بِهِ فَنَلُومَكَ؟ 

وَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ بَارِقَ هَذَا الْمَوْتِ لَبَارِقٌ مَا يُخْلِفُ، وَإِنَّ مَخِيلَتَهُ لَمَخِيلَةٌ لَا تُخْلِفُ، وَإِنَّ صَوَاعِقَهُ لَصَوَاعِقُ مَا تُرَى، وَإِنَّ قَاطِرَهُ لَقَاطِرٌ مَا يُرْوَى 

وَقَالَ قَائِلٌ: لَقَدْ تَقَطَّعَتْ بِكَ أَسْبَابٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٌ لَكَ، وَلَقَدْ تَرَكْتَ بِكَ بَلَايَا غَيْرَ وَاقِعَةٍ بِكَ قَبْلُ، عَسَانَا أَنْ نَتَّعِظَ مِنْ أَمْرِكَ فَنَسْلَمُ، بَلْ عَسَانَا أَنْ لَا نَتَّعِظَ فَنَهْلِكُ 

وَقَالَ قَائِلٌ: كُنَّا لِلْعَامَّةِ أُسْوَةً بِمَوْتِ الْمُلُوكِ، وَكَفَى لِلْمُلُوكِ عِظَةً بِمَوْتِ الْعَامَّةِ  

وَقَالَ قَائِلٌ: انْطَوَتْ عَنِ الْإِسْكَنْدَرِ آمَالُهُ الَّتِي كَانَتْ تَغُرُّهُ مِنْ أَجَلِهِ، وَتُرِكَ بِهِ أَجَلُهُ الْحَائِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمَلِهِ 

 وَقَالَ قَائِلٌ: يَا رِيحَ الْمَوْتِ الَّذِي لَا يُشْتَهَى  مَا أَقْهَرَهُ لِلْحَيَاةِ الَّتِي لَا تُمَلُّ، وَيَا رِيحَ الْحَيَاةِ الَّتِي تُمَلُّ مَا أَذَلَّهَا لِلْمَوْتِ الَّذِي لَا يُحَبُّ 

وَقَالَ الْقَائِلُ: مَا الْمَنِيَّةُ بِفَرْدٍ فَيُؤْمَنُ يَوْمُهَا  وَلَا الْحَيَاةُ بِثِقَةٍ فَيُرْجَى غَدُهَا

  وَقَالَ قَائِلٌ: قَدْ كَانَ سَيْفُكَ لَا يَجِفُّ، وَنِقْمَتُكَ لَا تُؤْمَنُ، وَكَانَتْ مَدَائِنُكَ لَا تُرَامُ، وَكَانَتْ عَطَايَاكَ لَا تُفْقَدُ، وَكَانَ ضِيَاؤُكَ لَا يَنْكَشِفُ، فَأَصْبَحَ ضِيَاؤُكَ قَدْ خَمَدَ، وَأَصْبَحَتْ نِقْمَاتُكَ لَا تُخْشَى، وَأَصْبَحَتْ عَطَايَاكَ لَا تُرْجَى، وَأَصْبَحَتْ سُيُوفُكَ لَا تَقْطُرُ، وَأُلْفِيَتْ مَدَائِنُكَ لَا تَمْتَنِعُ، وَقَالَ قَائِلٌ: قَدْ كَانَ مَنْزِلُكَ مَرْهُوبًا، وَقَدْ كَانَ مُلْكُكَ غَالِبًا فَأَصْبَحَ الصَّوْتُ قَدِ انْقَطَعَ، وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ قَدِ اتَّضَعَ